محمد الشرايطي... تلحيم الخردة يطلق خيال المجسّمات

09 ديسمبر 2021
مجسّمات الشرايطي يطلبها سياح وأصحاب فنادق ومطاعم (العربي الجديد)
+ الخط -

تُزيّن منحوتاته الكثيرة مطاعم وفنادق في تونس. تجتذب تفاصيل كلّ مجسّماته والقطع الصغيرة التي ركبها ونحتها بإتقان، الزوار في أي مكان وموقع وضعت فيه للتمتع بأشكال في منتهى الدقة والجمالية. 
منحوتات محمد الشرايطي (54 عاماً) ذات شهرة كبيرة اليوم في داخل تونس وخارجها. وهو يُبدع خصوصاً في تشكيل مجسّمات لأنواع مختلفة من الحيوانات والقطارات باستخدام مخلفات حديدية وقطع ميكانيكية مستهلكة لسيارات ودراجات نارية، والتي يجمعها في ورشته الصغيرة من دون أي تنظيم أو ترتيب، تمهيداً لتحويلها إلى مجسمات فنية يطلبها سياح وأصحاب فنادق ومطاعم. 

يعيش الشرايطي في منطقة براكة الساحل في محافظة نابل التي تبعد نحو 60 كيلومتراً من تونس العاصمة. ويقضي غالبية وقته في ورشته الصغيرة التي تتسع بالكاد للقطع الميكانيكية وبقايا الخردة التي يحوّلها إلى منحوتات تُطلب منه أحياناً، فيما يصنع معظمها من أفكار يجود بها خياله. 
أمام ورشته الصغيرة يغسل محمد القطع الميكانيكية لتصبح لامعة، ويتركها تجف ثم ينظفها من الشحوم والزيوت، قبل أن يبدأ في صنع الأشكال عبر تلحيم القطع بعضها ببعض. 

أكوام من حديد تتحضر للإبداع (العربي الجديد)
أكوام من حديد تتحضر للإبداع (العربي الجديد)

تطويع الخيال
يقول لـ"العربي الجديد": "تركت المدرسة باكراً، لكنني كنت شغوفاً بالرسم والنحت، وبكل ما يتعلّق بالنقش والتزيين. جربت مرات العمل في مجالات النقش أو النحت، لكنني فضلّت في النهاية صنع مجسّمات من قطع الخردة. وقد أخفقت أحياناً في تنفيذ أفكار مجسمات راودتني في خيالي مسبقاً. لكنّني استطعت بعد مدة من تمرسي في العمل وزيادة خبرتي تنفيذ أيّ فكرة تراودني مهما كان شكلها". 
باع الشرايطي مجسّمات عدة صنعها بحرفية عالية إلى مطاعم ومقاه وفنادق، والتي زيّنت بعضها حدائق كبيرة وباحات خارجية لفنادق ومطاعم، كي تجلب أشكالها المبدعة كل المارة إلى زيارة هذه الأمكنة. 

القطع الكبيرة خارج الورشة (العربي الجديد)
القطع الكبيرة خارج الورشة (العربي الجديد)

وتختلف أسعار التحف الفنية التي تبدع أنامل الشرايطي في صنعها بحسب حجمها وشكلها وطريقة تركيبها، وصولاً إلى 5 آلاف دولار. كما يوفر منحوتات وأشكال يطلبها منه زبائن يحبون مجسّمات محددة لاستعمالها في تزيين ديكورات بيوتهم. ويوضح أنّ عدداً كبيراً من زبائنه يطلبون مجسمات أحصنة أو روبوتات.

يجمع الشرايطي القطع من جولاته على أسواق للخردة، كما يتنقل بين ورش تصليح السيارات والدراجات النارية لأخذ قطع لم تعد صالحة للاستعمال. ويقول: "لا مشكلة في جمع القطع الحديدية التي تتوفر في أسواق عدة للخردة تنتشر في المناطق. أنتقل إليها لشراء كل احتياجاتي، وأضعها في محلي الصغير فيما أترك القطع الكبيرة خارجه".

أشكال زينة مختلفة (العربي الجديد)
أشكال زينة مختلفة (العربي الجديد)

وهو يجمع أيّ قطعة مهما اختلف حجمها وشكلها وقدمها، وينظفها قبل أن يشرع في تركيبها. كما يقدم له ناس في منطقته كلّ ما يملكونه من قطع ميكانيكية قديمة كي يصنع منها منحوتات تختلف أحجامها حسب طلبهم، ثم يشترونها منه.

مجال يستهوي كثيرين
لا يستعمل الشرايطي في ورشته معدات معقدة أو صعبة الاستعمال، بل فقط تلك التي تتوفر عادة في ورش الحدادة التقليدية، وتستخدم في قص الحديد وتلحيمه، وبعض مواد التنظيف والتلميع. لا شيء يبدو معقداً، لكنّ الأمر ليس مجرّد قص ولصق الحديد، بل عمل فني يتطلب مهارة يتقنها بعض محبي صنع المجسّمات من قطع الحديد. والذين يعدون على أصابع اليد في تونس، ويعملون بطرق مختلفة في هذا المجال الذي بات يستهوي كثيرين.

في البداية، يركب الشرايطي شكل المجسم وإطاره الكبير ثم يضع القطع الصغيرة التي تشكل التفاصيل الجميلة للمجسم من قطع الغيار والبراغي والمفكات وكل القطع الحديدية التي يقصها أو يقوم بتليينها ولويها، كي يشكل منها منحنيات سيركبها على المجسم. ويترك غالبية المنحوتات بلا طلاء، لأنّ معظم من يطلبونها يريدونها بلونها الطبيعي بلا أي طلاء أو إضافات، علماً أن بعضهم يفضل طلاءها باللون الأسود القريب من لون الحديد الطبيعي. 
ويضع  الشرايطي غالبية مجسّماته أمام محله بسبب كبر حجمها ولعدم قدرة ورشته الصغيرة على استيعابها. لكنه لا يخاف سرقتها. فيما يقف المارة لمشاهدتها والتفرج عليها على الطريق أمام محلّه. كما يشاهده بعضهم لدى تنفيذه عمليات اللحام أو قص القطع وتركيبها لتشكل أعمالاً فنية باتت تشهد إقبالاً كبيراً.  
ولا يبدع الشرايطي في صنع مجسمات من الحديد فقط، بل في رسم ونقش قطع فنية أخرى من مواد أخرى.

المساهمون