ما زال الغموض يسيطر على المدارس وأولياء الأمور معاً، مع بدء العام الدراسي في مصر، نتيجة عدم قدرة المدارس على استقبال التلاميذ لأسباب عدة، أهمّها عدم صيانة الفصول والمقاعد والكهرباء وطلاء الجدران. كما أن دورات المياه تعدّ سبباً رئيسياً في نقل الأمراض والأوبئة، وسط حالة من الارتباك تسيطر على الجميع نتيجة تفشي فيروس كورونا.
من جهة أخرى، يعاني القطاع التعليمي نقصاً شديداً في أعداد المعلمين، وهذه أزمة مستمرة منذ سنوات ولا حلول لها، بعد توقف تعيين الكثير من الخريجين من كليات التربية، والمتخصصين في التعليم، منذ 22 عاماً وتحديداً عام 1998، وحتى اليوم. واقتحم المجال خريجون من كليات وتخصصات مختلفة.
ولا تقتصر أزمة نقص المعلمين على المدارس الحكومية المصرية، بل تشمل المدارس الخاصة التي واجهت الأزمة نفسها خلال السنوات الماضية، بسبب ضعف الرواتب (لا يتجاوز الراتب الألف جنيه - نحو 63 دولاراً، وربما أقل من ذلك)، وإن كان يسمح لهم بإعطاء دروس خصوصية. ويواجه المعلمون خطر تشريدهم في أي وقت نتيجة أزمة كورونا، والاتجاه نحو تعيين مبتدئين لا يتمتعون بالخبرة في مجال التعليم، ويرضون بأجور أقل، ما أثر على سير العملية التعليمية.
مشاكل
بحسب الأرقام الرسمية المعلنة في وزارة التربية والتعليم، فإن إجمالي عدد المدارس الحكومية في المحافظات المصرية يقترب من 48 ألف مدرسة حكومية، تضم نحو 23 مليون طالب بالمقارنة مع 19 مليون عام 2015، بينما يقدر عدد المعلمين بـ 93 ألفًا بعدما تقاعد الآلاف. ومع بداية العام الدراسي، تُعاني العملية التعليمية من مشاكل كثيرة، أبرزها قلة عدد المعلمين في المدارس الحكومية. وبحسب الوزارة، فإن ميزانية التعليم لعامي 2012 - 2020 وصلت إلى 109 مليارات جنيه (نحو 7 مليارات دولار)، علماً أنه يفترض ألا تقل عن 150 مليار جنيه (نحو 9 مليارات دولار ونصف)، ما يؤثر على سير العملية التعليمية داخل البلاد. وأشارت تقارير في وزارة التربية والتعليم إلى أن العام الدراسي، في كل عام، يبدأ وينتهي بالمشاكل نفسها، خصوصاً نقص أعداد المعلمين، ما يؤثر على البيئة التعليمية بالكامل، وفقدان ثقة المجتمع بالمدارس الحكومية، وانتشار المدارس الخاصة، وتزايد الضغوط المجتمعية لإصلاح العملية التعليمية.
والاتجاه العام في وزارة التربية والتعليم المصرية هو عدم حل مشكلة نقص المعلمين في ظل استمرار أزمة كورونا، والعمل بنظام التعليم عن بعد. إلا أن هذا النظام محكوم عليه بالفشل لاعتبارات عدة، منها أنه لا يناسب كافة المقررات الدراسية. كما أن هذه الطريقة صعبة لناحية إيصال المعلومة، إضافة إلى عدم توفر خدمة الإنترنت في كل البيوت المصرية خصوصاً القرى والأرياف. كما أن التعليم أونلاين يتطلب خدمة إنترنت سريعة.
300 ألف معلم
يرى عدد من المتخصصين في القطاع التربوي والتعليم في البلاد، أنّ أزمة نقص المعلّمين المتكررة خلال السنوات الخمس الأخيرة، تؤكّد على عدم اهتمام الحكومة بهذا القطاع، الذي يعدّ أساسياً للتقدّم في دول أخرى. ويؤكدون أن الإعلان عن مسابقة لتوظيف عدد من المعلمين بشكل مؤقت، كما حدث خلال عامي 2018 و2019، على الرغم من فشلها وعدم إتمامها، غير واردة مع بداية العام الدراسي الجديد في ظل وباء كورونا وتقسيم التعليم في المدارس إلى فترات، وغياب التلاميذ المتوقع في كافة مراحل التعليم ما قبل الجامعي (المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية)، وعدم الاهتمام بالعملية التعليمية من الأساس، والعمل بنظام التعليم عن بعد، الأمر الذي أكده مسؤول في وزارة التربية والتعليم. ويتوقّع المسؤول حدوث حالة من الفوضى خلال العام الدراسي الجديد، مشدداً على أنّ أزمة نقص المعلّمين موجودة في المدارس منذ سنوات، باعتراف الجهات المسؤولة، على رأسها وزارة التربية والتعليم، من دون أن يكون هناك حلول على أرض الواقع، عدا عن الإجازات.
ويوضح المسؤول الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن المؤسسات التعليمية داخل البلاد تحتاج إلى أكثر من 300 ألف معلّم، لكن الوزارة ترى أن الميزانية المخصصة لها لا تسمح بتعيينات.
تقاعد
يكشف المعلّم حسن م. أن ما بين 70 إلى 80 في المائة من المعلمين تزيد أعمارهم عن الـ 50 عاماً، ما يعني وصولهم إلى درجة "معلّم خبير". بالتالي، تُقلّل ساعات التدريس الممنوحة لهم. وكل عام، يتقاعد المئات، وخلال سنوات، سيكون جميعهم خارج العمل لبلوغهم الستين من العمر. ويوضح أنّ نقص المعلمين في المدارس يعدّ أزمة كبيرة، في وقت تكتفي الجهات المسؤولة بالتفرج. أمام هذه الضغوط، تقوم إدارات المدارس في المحافظات بتحميل عدد من المعلمين حصصاً إضافية تصل إلى 22 حصة أسبوعياً في بعض المواد بدلاً من 19، بسبب قلة عدد المتخصصين في بعض المواد، مثل اللغة العربية واللغة الإنكليزية والعلوم. وتتفاقم الأزمة في المرحلة الابتدائية بسبب نقص أعداد المعلمين.