قريباً، يفترض أن يقرّ قانون العنف الأسري في بريطانيا، بهدف حماية النساء المعنفات، خصوصاً مع تسجيل ارتفاع في العنف خلال فترة الحجر المنزلي
لا يحظى مشروع قانون العنف الأسري في بريطانيا، الذي يتوقع إقراره بداية العام المقبل، برضا منظّمات تعمل بشكل مباشر مع النساء المعنّفات. وترى هذه المنظمات أن المشروع ليس كافياً لحماية النساء اللواتي يتعرّضن للخطر. ومع عودة بريطانيا إلى تشديد إجراءاتها وفرض الإغلاق للحدّ من تفشي الموجة الثانية لفيروس كورونا، تسعى هذه المنظمات للحصول على تمويل إضافي بهدف الضغط على المعنيّين لإدخال تعديلات على المشروع، الذي يشق طريقه عبر مجلس اللوردات (الغرفة العليا غير المنتخبة من البرلمان).
وخلال فترة الإغلاق الأولى في مارس/ آذار الماضي مع تفشي الموجة الأولى من كورونا، بدا واضحاً مدى تأثير الوباء على أولئك اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي. واستناداً إلى مشروع "تعداد النساء المتوفيات"، فإنه في الفترة ما بين 23 مارس/ آذار و12 إبريل/ نيسان الماضيين، وقع ما لا يقل عن 16 جريمة قتل نتيجة العنف المنزلي، مع الإشارة إلى أنّ هذا الرقم يعدّ أعلى من المعدل الذي عادة ما تسجله البلاد في هذا الوقت من العام.
وكانت المكالمات الواردة إلى الخط الوطني لمساعدة ضحايا العنف المنزلي تعمل بنسبة 49 في المائة أكثر من المعتاد، وذلك بعد ثلاثة أسابيع من بدء الإغلاق.
وتفيد دراسة أعدتها مؤسسة "الحياة الآمنة" (Safe Lives) بأنّ 61 في المائة من الناجيات لم يتمكّن من الوصول إلى الدعم أثناء الإغلاق، ويرتبط ذلك جزئياً بأنهنّ لم يكنّ قادرات على الوصول إلى الدعم عبر الهاتف أو الإنترنت. كما أن احتمال وجود الجاني معهن طوال الوقت يمنعهن من طلب الدعم. ورغم الجهود الكثيرة، فإنّ مشروع قانون العنف الأسري لن يضمن الحماية للنساء المهاجرات، بسبب أوضاعهن التي لم يبت فيها بعد كمهاجرات، إذ لا يمكنهن طلب المساعدة العامة، ما سيجعلهن غير قادرات على الحصول على الدعم القانوني.
تواصلت "العربي الجديد" مع منسقة حملة "Step Up Migrant Women" إليزابيث جيمينيس يانيس، التي قالت إنه "من المعلوم أن سياسة الهجرة في بريطانيا تعطي الأولوية لأزمة الهجرة قبل النظر إلى المعنّفات كضحايا جرائم أو عنف منزلي. بكلام آخر، ينظر المعنيون إلى هؤلاء كمهاجرات لا ضحايا، ما يعني أنهن لا يتلقين أي دعم من قبل الخدمات القانونية والشرطة حتى وإن كن في خطر حقيقي. وفي حال توجهن لطلب المساعدة، قد يتم ترحيلهن أو حجزهن لأن وزارة الداخلية تشارك بياناتهن مع الشرطة وجميع الخدمات كجزء من قانون مراقبة الهجرة".
تتابع يانيس أنّ هذه الحملة تدعو إلى الفصل بين الخدمات العامة الحيوية ومراقبة الهجرة. وتقول إنّ الحملة نجحت حالياً في التأثير على المعنيين، باعتبار أن مشروع القانون لا يتطرّق بأي شكل من الأشكال إلى النساء المهاجرات، مؤكدة أن العمل مستمر لتعديله. وبالفعل، تمكّنت الحملة من إيصال هذه القضية إلى الرأي العام ووسائل الإعلام الرئيسية والأحزاب السياسية في البلاد، التي باتت تسأل الحكومة حول كيفية ضمان حماية النساء المهاجرات من العنف المنزلي.
وتقول يانيس إن "بعض النساء يأتين إلى هذه البلاد بتأشيرة سياحية، على أمل الزواج من الجاني الذي وعدهنّ بإتمام الزواج وبالتالي قوننة بقائهن في البلاد. بيد أن ذلك الوعد يتبخّر بعد فترة، وتتعرّض المرأة للعنف والاستغلال، حتى تجد نفسها بين خيارين، إمّا البقاء في هذا الوضع أو طلب مساعدة الشرطة التي تبلغ وزارة الداخلية عنها فتقوم بترحيلها".
وتقول مديرة منظّمة "نساء ومجتمع الشرق الأوسط" في لندن، هلاليل طاهري، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الجاني عادة ما يكون أكثر حنكة من المرأة، كونه جاء إلى البلاد قبلها، ويعرف القوانين بشكل أفضل، فيستغل هذا الوضع لإخافتها". وتتحدث عن امرأة مغربية خرجت من المنزل وهي حامل بسبب تعنيف زوجها لها، وتوجهت إلى المستشفى لإنجاب طفلها. وحين جاء زوجها الذي يحمل الجنسية البريطانية أقنعها بالعودة إليه بعدما أبلغها بأنه لا مكان لها تلجأ إليه بسبب وضعها غير القانوني في البلاد. وما هي إلا فترة وجيزة حتى عاد إلى ضربها، فاتصلت بالشرطة التي اعتقلته مدة 24 ساعة فقط، ثم أطلقت سراحه ومنحته حق حضانة الطفل، على الرغم من أن هذه المرأة أصبحت والدة طفل بريطاني الجنسية، وبالتالي يحق لها تعديل وضعها ليصبح قانونياً. غير أن هذه المرأة تعاني منذ نحو ستة أشهر، إذ ترفض وزارة الداخلية منحها حق الإقامة بشكل قانوني. كما لا تسمح لها بمقابلة طفلها سوى مرة كل أسبوعين وبوجود مراقب. وبسبب جائحة كورونا، ينبغي عليها عزل نفسها مدة عشرة أيام كل مرّة قبل موعد المقابلة. هنا، تتحدّث هلاليل عن أساليب الخداع المختلفة التي يستخدمها الرجال في بريطانيا، ومنها ما وصفته بـ "زواج النكاح" الذي يتم في مسجد من دون أي وثائق. وتقول إن الحملة واجهت العديد من هذه الحالات، إذ تطلب وزارة الداخلية وثيقة الطلاق التي لا يمكن الحصول عليها، حتى من الشيخ الذي أتمّ الزواج. وتحذّر النساء من أنّ هذا النوع من الزواج غير المسجل والذي لا تعترف به بريطانيا.
خلال فترة الإغلاق، زاد نشاط الحملة على مجموعات واتساب وتطبيق زوم، للتواصل مع النساء المعنّفات. وتسعى هذه المجموعات إلى توفير النصائح والدعم فضلاً عن مساعدة النساء اللواتي يتعثرن في إيجاد وظيفة، بسبب جهلهن باللغة الإنكليزية. في هذا الإطار، تروي هلاليل قصة طبيبة سورية لجأت إلى المنظّمة، كونها لم تستطع العمل لأنها لا تجيد اللغة الإنكليزية. لكن المنظمة ساعدتها من خلال دعوتها إلى صف يضم نساء عربيات لتقديم نصائح طبية لهنّ. وتعمل المنظمة حالياً على ترجمة شهادتها إلى الإنكليزية ودعمها للالتحاق بصفوف لغة إنكليزية حتى تتمكن من العمل طبيبة في المملكة المتحدة.
وتتعرّض المنظمات الكبيرة والصغيرة، التي تسعى إلى تلبية احتياجات النساء من الخلفيات العرقية السوداء والأقليات، واللاجئات وطالبات اللجوء، لضغوط أكبر في ظل تفشي كورونا. ويشار إلى أن الوباء ساهم في تسليط الضوء على القضايا المتعلقة بحماية النساء اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي منذ وقت طويل، أي قبل تفشي الوباء. من هنا، تتطرّق المنظمات إلى التأثير السلبي لخفض التمويل بين عامي 2010 و2018 على عملها. ويقدر تقرير العنف المنزلي لعام 2020 (المعونة النسائية)، رفض أكثر من 23 ألف إحالة إلى مراكز الحماية للمعنّفات في عامي 2018-2019.
مساعدة قانونية ضعيفة
وصلت جرائم القتل المرتبطة بالعنف المنزلي إلى أعلى مستوى لها منذ خمس سنوات في المملكة المتحدة عام 2018، بحسب بيانات 43 مركز شرطة. وأدى انخفاض ملاحقة الجناة وتأخير المحاكمات والحد من المساعدة القانونية، إلى زيادة الخوف من عدم وصول الضحايا إلى العدالة. لكن يبقى هناك بصيص أمل في مشروع قانون العنف المنزلي الذي طال انتظاره.