موائد رمضان العراق تتلذذ بـ"الشربت"
"الشربت" (العصير) عنصر أساس لا غنى عنه على موائد إفطارات رمضان في العراق، وتختلف أنواعه بحسب المدن، ما قد يجعله لا يتوفر أيضاً في أي مدن أخرى، بسبب ميزات أساليب الإعداد والتحضير.
وتباع أنواع "الشربت" الرمضانية، وهي "النومي البصرة" و"زبيب بالنعناع" و"قمر الدين" و"تمر الهند" و"الرارنج"، و"اللبن المدخن"، عبر وضعها في قنان أو أكياس خاصة بطريقة قديمة تعرفها العائلات العراقية، وتتحول إلى ضيف رمضاني مهم على مائدتي الإفطار والسحور.
وبالطبع يزداد الطلب على "الشربت" الأفضل مذاقاً والأكثر جودة على صعيد المواد والمكونات،، وفق ما يوضح لـ"العربي الجديد" مؤيد الشيخاني الذي ورث صناعة العصائر الطبيعية عن والده بعدما عمل معه منذ أن كان في السنة الأولى من المرحلة الابتدائية في محل بحي الكرخ بالعاصمة بغداد، وذلك في منتصف الستينيات من القرن الماضي.
وخلال ثلاثة عقود، وسّع مؤيد نطاق عمله، ويقول: "كان والدي يكتفي بصنع وبيع الشربت في محله، لكنني توسعت أكثر عبر تحويل محلي الخاص إلى أشبه بمعمل صغير أصنع فيه أنواعاً من الشربت الطبيعي الشعبي وأوزعها على محلات تجارية وباعة متجولين".
يتابع: "يتضاعف الطلب على الشربت في شهر رمضان. ويتكثف على كل أنواع الشربت التي أصنعها لأنها طبيعية وتراثية ويحبها ويفضلها العراقيون، وتعتبر من أساسيات موائدهم الرمضانية، وتشمل الزبيب بالنعناع ونومي البصرة، والتمر الهندي وقمر الدين. كما أصنع أنواعاً عدة من عصائر الفواكه الطبيعية التي يستمر الطلب عليها كل أيام السنة".
من مظاهر شهر رمضان منذ اليوم الأول لحلوله حتى اليوم الأخير، انتشار باعة متجولين في الأسواق لعرض أصناف من "الشربت" الطبيعي الخاص برمضان. وقد يصنعه بعضهم في منازلهم، أو يشتريه آخرون جاهزاً من محلات متخصصة. ويقول نعيم صابر، وهو طالب في المرحلة الإعدادية، لـ"العربي الجديد": "بيع الشربت في رمضان مهنة سهلة ومكسبها مضمون ولا تكلفني أي جهد باستثناء الجلوس على الرصيف وعرض الشربت المعبأ بأكياس خاصة للمتبضعين. هذا العمل يوفر لي مدخولاً ماديا خاصاً بي، فأنا أبتكر دائماً عملاً كي أساعد والدي في نفقات الأسرة".
ويشرح أنه يبيع نوعاً واحداً من "الشربت" هو "الزبيب بالنعناع" الذي يشتريه بسعر منخفض من محل خاص بصنعه، ما يسمح له بتحقيق ربح مادي. ويؤكد أن الإقبال جيد على الشراء لأن جودة الزبيب بالنعناع الذي يبيعه عالية".
ولا تقتصر صناعة العصائر الطبيعية التراثية في العراق على المحلات المتخصصة، إذ تجيد غالبية النساء صنعها، وبينهن هالة غفوري التي تعمل موظفة في القطاع الحكومي، ولمدة أربع ساعات مساءً في متجر لصنع الحلويات، وتهتم بمسؤوليات المنزل، لكنها تصنع "شربت رمضان" بنفسها. وتقول لـ"العربي الجديد": "يعمل زوجي سائق باص، ولدي أربعة أولاد ما زالوا طلاباً ما يجعل مسؤولياتي كثيرة، لكنني أخصص أوقاتاً محددة لصنع الحلويات والشربت الرمضاني الذي لا أفضل شراءه جاهزاً من الأسواق. وما يشجعني على إعداد الشربت بنفسي هو طريقة إعداده التي تتطلب مهارة خاصة وخبرة وحاسة تذوق عالية وفناً أيضاً".
وتعترف هالة بأن إعداد العصائر الرمضانية يستغرق وقتاً وجهداً، ويحتاج إلى خبرة "علماً أن الشربت المفضل لدى أفراد عائلتي هو التمر الهندي. كما أصنع أنواعاً أخرى وأوزع بعضها على جيراني وأقاربي في شهر رمضان، وذلك كل يوم جمعة".
ويعتقد العراقيون بأن العصائر الطبيعية التي توارثوا صناعتها محلياً وتناولها في شهر رمضان، تعوضهم الكثير مما فقدوه من طاقة وسوائل، وتزودهم بالفيتامينات التي يحتاجها الجسم، وهو ما يؤكده متخصصون طبيون ينصحون بشرب العصائر الطبيعية خلال هذا الشهر، خصوصاً إذا حل في فصل الصيف.
ويذكر الباحث في الشأن البغدادي جاسم الدهلكي في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "الشربت يرتبط بالتراث العراقي الذي نقله باحثون وكتاب وأدباء في كتبهم وبحوثهم وقصصهم ورواياتهم، وينتشر باعة الشربت بكثافة في فصل الصيف لإرواء عطش المارة والباعة في الأسواق. ويشتهر باعة التمر الهندي والزبيب الذين يحملون ما يشبه وعاءً خاصاً على ظهورهم. أما في شهر رمضان فيسير الباعة المتجولون في الأزقة، ويدفعون عربات خشبية مليئة بالشربت الطبيعي الرمضاني، ويتخصص بعضهم في بيع أنواع محددة، وآخرون يبيعون أصنافاً مختلفة كي يشتري منهم الناس احتياجاتهم من العصائر".