دخلت محافظة شمال سيناء شرقي مصر في موجة جديدة من الغلاء الفاحش الذي أصاب أسعار المواد التموينية والمستلزمات الأساسية للمعيشة والبناء، بالتزامن مع الظروف الاقتصادية المتدهورة التي تعيشها نتيجة عدم وجود خطة حكومية لمعالجة آثار الحرب على الإرهاب المستمرة منذ عام 2013، والتي أثّرت على كل نواحي الحياة في المحافظة، وأدت إلى تدني مستوى المعيشة فيها، في ظل توقف عشرات المهن عن العمل، وفقدان المئات فرص عملهم في البر والبحر، بتأثير عمليات الجيش المصري، وجرف المصانع والمزارع بحجج أمنية، لا سيما في مدن رفح والشيخ زويد والعريش.
يقول خالد محمد الذي يسكن حي الريسة بمدينة العريش لـ"العربي الجديد": "بات المواطن يفكر كثيراً قبل شراء أي شيء يحتاجه مهما كان حجمه وأهميته في المنزل، وبينها المواد التموينية والمشروبات واللحوم والأدوية، في ظل الارتفاع الجنوني بالأسعار، في حين لا يحاول أحد دعم هذا المواطن والوقوف إلى جانبه في مواجهة الغلاء الفاحش، علماً أن الوضع الاقتصادي في سيناء تردى أكثر من أي منطقة أخرى في البلاد بسبب الإرهاب الذي ضربها طوال سنوات طويلة، وأدى إلى خسارة آلاف المواطنين عملهم ومصادر رزقهم، في حين لم تشملهم التعويضات أو تضعهم في حساباتها. وبقاء هذه الحال أو تفاقم سلبياتها يعني أن المواطن لن يستطيع توفير لقمة العيش المطلوبة لتأمين احتياجات عائلته".
يقول تاجر يعمل في مجال البقالة بمدينة العريش، عاصمة محافظة شمال سيناء، لـ"العربي الجديد": "زادت أسعار المواد التموينية في شكل ملحوظ خلال الأسابيع القليلة الماضية، بسبب التكاليف الباهظة لإنجاز عملية إدخالها إلى سيناء، والمرتبطة بضرورة حصول التجار على تصاريح أمنية لإنجاز عمليات الاستيراد، حيث تبقى البضائع أياماً على الطرقات خلال رحلة وصولها إلى المحافظة". ويشير إلى أن زيادة تكاليف البضائع يتحملها المواطن وحده، في ظل عدم تدخل الجهات الحكومية للتخفيف من الإجراءات أو التكاليف من أجل مراعاة الظروف الاقتصادية في المحافظة.
ويوضح أن "ربّ الأسرة بات يواجه ضغوطاً إضافية في ظل ارتفاع أسعار كل أصناف المواد التموينية والأغذية اللازمة لعائلته، لا سيما اللحوم والدجاج والبقوليات والسكر والزيت والطحين، بالتزامن مع بقاء الأجور على حالها، كما يضعف شح فرص العمل في المحافظة، القدرة الشرائية لكل شرائح المواطنين أكانوا موظفين حكوميين أم في القطاع الخاص، أم حتى أصحاب المهن الحرة، ما يدخلهم جميعهم في أزمة اقتصادية داخلية لا يمكن الخروج منها، وهو ما يتفاقم إذا استمرت الأسعار في الارتفاع خلال الأيام المقبلة، في ضوء التطورات العالمية والمحلية".
من جهته، يتحدث تاجر مواد البناء في مدينة بئر العبد لـ"العربي الجديد" عن أن "أسعار مواد البناء ارتفعت خلال الأيام الماضية، خصوصاً الإسمنت والحديد، ما يعني توقف أعمال الإنشاء بالكامل إلا للمضطرين مثل المهجرين من منازلهم في مدن رفح والشيخ زويد وأطراف العريش وبئر العبد. وقد صرفت الحكومة تعويضات لهؤلاء المهجرين لكن بحسب قيمة أسعار بناء المنازل قبل سنوات وليس تلك الجديدة اليوم التي يفترض أن تحتسب الارتفاع المستمر في الأسعار خلال هذه الفترة، ما أجبرهم على الدفع من جيوبهم والاقتراض والاستدانة من التجار، من أجل بناء منازل متواضعة تؤويهم بعد التهجير. كذلك، بدأت عائلات تعتمد مبدأ استئجار منازل بدلاً من بناء شقق جديدة لأبنائها المتزوجين حديثاً، كما جرت العادة في سيناء على مدار العقود الماضية".
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأت المرحلة الثانية من إعادة المهجرين قسرياً من المواطنين المصريين الذين أجبروا على ترك قراهم، تنفيذاً لقرار أصدره الجيش ومسانديه في اتحاد قبائل سيناء. لكن المهجرين يعودون إلى قرى لا تشبه تلك التي تركوها، بعدما حل الدمار في كل شبر منها، واستوطن الخراب جنباتها، كما أن حربا ضروسا قد مرت من هنا.
وفيما لم يعلّق أي مسؤول حكومي في محافظة شمال سيناء على التداعيات السلبية لغلاء الأسعار وأسبابه والإجراءات المتخذة أو الحلول المقترحة لمعالجته، ومقدار تدخل الحكومة في التخفيف من آثاره السلبية، زاد حنق المواطنين، ما دفع كثيرين إلى الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتعبير عن غضبهم من حال الأسعار المرتفعة في المحافظة، وكذلك الأوضاع الاقتصادية السائدة فيها منذ فترة، رغم الهدوء الأمني النسبي الذي تعرفه منذ عدة أشهر بعد العمليات العسكرية الواسعة التي نفذها الجيش المصري، والمجموعات القبلية المساندة له، في كل مدن المحافظة.