مضت تسعة أشهر على وقف إطلاق النار شمال غربي سورية، بعد تصعيد دموي نفذته قوات النظام السوري بدعم روسي، تسبب بموجة نزوح تعد الأكبر من نوعها في المنطقة، لكن النازحين، وحتى سكان المناطق التي لجؤوا إليها، لم يكونوا بمأمن من الخروقات التي ما زالت تؤرقهم.
وفي تقرير قيّم فيه فريق "منسقو الاستجابة" الأوضاع الإنسانية في المنطقة، صدر اليوم الاثنين، قال إنّ عدد الخروقات الموثقة لوقف إطلاق النار في شمال غرب سورية، منذ توقيع الاتفاق بين تركيا وروسيا في الخامس من مارس /آذار الماضي، بلغ 4128 خرقاً، إذ استخدمت فيه الطائرات الحربية الروسية في أرياف حلب وإدلب وحماة واللاذقية.
وأوضح الفريق، في تقريره، أنّ وقف إطلاق النار "غير مستقر في المنطقة، وهو مهدد بالانهيار في حال عدم التزام روسيا والنظام السوري به"، مؤكداً أنّ أعداد الضحايا بلغت 14 طفلاً و5 نساء و27 رجلاً، إضافة لستة من العاملين في الشأن الإنساني، كما طاولت الخروقات مخيمين و14 منشأة تعليمية ومنشأة طبية واحدة، وستة مراكز خدمية و9 دور عبادة.
وأحصى الفريق، خلال الأشهر التسعة التي مضت على توقيع الاتفاق، نزوح نحو مليون و40 ألف شخص قبل وقف إطلاق النار، بينما بلغت أعداد العائدين إلى مناطق ريف إدلب 302 ألف شخص، وأعداد العائدين إلى مناطق ريف حلب 251 ألف شخص.
ويعاني النازحون في المخيمات حالياً الكثير من المشاكل، في مقدمتها تأمين الملابس ومواد التدفئة، في الوقت الذي حرموا فيه من إمكانية العودة إلى مدنهم التي سيطرت عليها قوات النظام السوري، ومنها مدينة معرة النعمان، التي يشير عثمان حلبي، أحد أبنائها، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه لن يعود إليها أبداً طالما أنها تحت سيطرة قوات النظام ومليشياته.
وقال حلبي "حياة النزوح ليست سهلة أبداً، وخاصة المعيشة في خيمة بفصل الشتاء، فلا يمكن أن نشعر فيها بالدفء، وأطفالنا محرومون من طفولتهم".
وبالنسبة لأبي محمود (52 عاماً)، فلن يعود هو الآخر إلى ريف إدلب الجنوبي "حتى يكون آمناً تماماً"، حيث كان يعيش قرب مدينة الريحا، التي تطاولها قذائف النظام على الدوام.
وأوضح أبو محمود، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العودة محفوفة بالمخاطر، في ظل الوضع الراهن والنزوح مجدداً هو أمر غاية في الصعوبة، فهو مكلف وصعب لذلك البقاء في المخيم في الوقت الراهن أفضل من العودة".
وشهد الشتاء الماضي موجة نزوح هي الأكبر من نوعها في مناطق ريف إدلب وحلب وحماة، بسبب الهجمات التي شنها النظام السوري وروسيا على تلك المناطق، واستمرت الهجمات حتى التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/ آذار.
وبلغت الاستجابة الإنسانية للمدنيين في المنطقة، وفق فريق "منسقو الاستجابة"، 37% في المخيمات المنظمة، و 14.1% في المخميات العشوائية، أما في القرى والبلدات التي يقطنها النازحون فبلغت النسبة 29.8%، وفي القرى والبلدات التي تشهد عودة للنازحين بلغت النسبة 13.4%.
وبيّن الفريق في بيانه الأسباب الرئيسية للخلل في الاستجابة الإنسانية، ومنها ضعف التمويل اللازم للمشاريع الأساسية في المنطقة، خاصة المشاريع المتعلقة بإجراءات الوقاية من فيروس كورونا، إضافة لتركيز المنظمات على مناطق معينة وتهميش أخرى.
ومن الأسباب التي أشار الفريق إليها تداخل عمل المنظمات بشكل كبير ضمن المناطق الأساسية فقط، كما أنها لم تقدم مشاريع إنسانية حقيقية على اعتبار أن تلك المناطق خطرة ولا يمكن العمل فيها.
وطالب الفريق في بيانه المجتمع الدولي والمنظمات باتخاذ موقف حقيقي ووقف الهجمات ضد المدنيين، كما طالب الجهات الدولية بتثبيت وقف إطلاق النار، للسماح بعودة النازحين لمناطقهم.
وكذلك دعا الجهات الإنسانية للعمل على تأمين الاحتياجات للعائدين إلى مناطقهم، إضافة لتفعيل المنشآت والبنى التحتية الأساسية في مناطق عودة النازحين.