نازحو مأرب... معركة حياة مع الأمطار والرياح

11 مايو 2022
دمرت موجة الأمطار الأولى منازل نازحين في مخيمات مأرب (صالح العروسي)
+ الخط -

تتضاعف معاناة النازحين في محافظة مأرب اليمنية مع حلول موسم الأمطار والرياح الذي بدأ منتصف إبريل/ نيسان الماضي ويستمر حتى أغسطس/ آب المقبل، في ظل ضعف الخدمات وغياب الدور المؤثر للمنظمات المحلية والدولية المعنية بالشأن الإنساني.
في ليلة 26 إبريل/ نيسان الماضي، ألحقت الأمطار أضراراً كبيرة بمنازل النازحين في مخيمي أبو جنب والرويك الشرقي، اللذين تأسسا حديثاً عام 2020 ويقعان في المنطقة الصحراوية التابعة لمديرية الوادي شمال مأرب، وتقطنهما عشرات الأسر التي هربت من محافظة الجوف (شمال) بعد سيطرة جماعة الحوثي عليها مطلع العام نفسه.
ويشكل هؤلاء قسماً من أكثر من 2.2 مليون نازح، بحسب ما يكشف المسؤول في إدارة المتابعة والتقييم بوحدة النازحين بالمحافظة أحمد القفيلي، الذي يوضح أن "النازحين يتوزعون على 195 مخيماً عشوائياً في مناطق محيطة بالمدينة، يقع بعضها قرب مجاري السيول، وأخرى في مناطق صحراوية مكشوفة، ويعيشون في مساكن تتنوع بين خيم ومنازل مشيّدة من صفيح وطين، تزداد حالتها سوءاً مع دخول موسم الأمطار الذي يجلب أيضاً رياحاً وعواصف ترابية.
يخبر نازحون "العربي الجديد" أن السيول تدفقت فجأة في 26 إبريل/ نيسان الماضي، ما اضطرهم إلى النجاة بأنفسهم بأي طريقة ممكنة، قبل أن يعودوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ويشيرون إلى أن عشرات الأسر قضت ليلتها في العراء، وواجهت البرد والرياح الشديدة.
وأورد بيان أصدرته الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بمأرب أن "أمطاراً غزيرة مصحوبة برياح شديدة جرفت مخيمي أبو جنب والرويك الشرقي، فتأثر أكثر من 1200 نازح، بينهم أطفال ونساء مباشرة، ومكثوا في العراء بلا مأوى ولا غذاء". وتحدثت لاحقاً عن تضرر 36 منزلاً بالكامل و24 جزئياً في المخيمين.

على طريق السيول
وعبّر نازحون في مخيمات أخرى عن قلقهم من قدوم موسم الأمطار. وقال صالح الشطي لـ"العربي الجديد": "إذا كانت الأمطار والعواصف ألحقت أضراراً بالغة بالمخيمات في عمق الصحراء، فماذا سيحصل لمخيمنا القريب من مناطق تدفق السيول؟"، علماً أنه يسكن في مخيم السويداء، شمالي مأرب، الذي يضم أكثر من 8 آلاف شخص بحسب إحصاء نشرته إدارة وتنسيق المخيمات التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. وقد نزح بعضهم للمرة الثالثة أو الرابعة مع تقدم المعارك إلى مناطق مخيماتهم السابقة، وأبرزها مخيم الخانق في مديرية نهم شرق العاصمة صنعاء، الذي يضم أكبر تجمعات النزوح في اليمن.
ويعلّق: "نعيش وضعاً صعباً للغاية خاصة في موسم المطر والرياح، وقد نعيد تثبيت أعمدة الخيم أكثر من مرة في ليلة واحدة، التي نخشى أن تسقط على أطفالنا وهم نيام، والرياح تخلط ما نأكله بالرمل. وقد أغرقت السيول أسرة كاملة قبل سنتين، حين دمرت الخيم والبيوت المشيّدة من خشب وصفيح. وفي أعقاب الكارثة، وجدنا جثث شقيقين وأختهما إلى جانب مجرى السيل، ثم جثة الطفل الأصغر في حضن أمه الميتة أيضاً في موقع سد يبعد مسافة 7 كيلومترات من موقع المخيم.
وختم الشطي حديثه بالقول: "يعلم الله ماذا سيحل بنا هذا العام، ونأمل أن تجد الجهات المسؤولة حلولاً لبعض المخيمات القريبة من مجاري السيول قبل أن تحصل كارثة أخرى".
وتقع مأرب في المنطقة التي تفصل بين الصحراء والجبال، وتصب فيها سيول الجبال الغربية التي تمتد إلى أطراف صنعاء عبر أودية قريبة من مركز المحافظة، ثم تصب جميعها في وادي عبيدة.

تعايش صعب للنازحين مع مشقات الحرب والسيول (العربي الجديد)
تعايش صعب لنازحي مأرب مع مشقات الحرب والسيول (صالح العروسي)

يوميات متعبة
بدورها، تبدي الحاجة ناصرة علي (65 عاماً) النازحة من مديرية صرواح غرب مأرب، في حديثها لـ"العربي الجديد"، قلقها من قدوم موسم الأمطار، وتروي تفاصيل هروبها مع أسرتها من مخيم صوابين القريب من بحيرة السد الشهيرة، غرب مأرب، في ليلة ماطرة عام 2020. وتقول: "يقع المخيم في طريق السيول. وفي إحدى الليالي، هطل المطر، وجاء السيل، فحملنا ما يمكن أن نحمله، وهربنا إلى أطراف المخيم قبل أن يأتي السيل ويجرف ما تبقى من أدوات في خيمتنا.
تضيف: "شاهد زوج ابنتي صالح حجازي من موقع في الجهة الأخرى من المخيم السيول تتدفق بكثافة نحو المخيم، فخاف علينا، فحاول قطع السيول القريبة من المخيم لإنقاذنا. ولدى نزوله ابتلعه السيل ومات من دون أن نعلم بذلك إلا في اليوم التالي، عبر رعاة أغنام وجدوا جثته عند أحد أطراف السد".
وبعدما فقدت الأسرة معيلها الوحيد صالح الذي كان يعمل لدى تاجر بأجر يومي، وتقدم الحوثيون تحت وابل من القذائف إلى المخيم الذي كان يخضع لحماية القوات الحكومية، نزحت الأسرة مع مئات أخرى مجدداً إلى مخيم روضة ذنة مطلع عام 2021، قبل أن تجبرها المعارك على المغادرة أواخر العام ذاته إلى مخيم السُمياء، الذي كان أنشئ في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 في صحراء وادي عبيدة قرب منطقة بن معيلي شرقي مأرب، ويضم حالياً أكثر من عشرة آلاف شخص، بحسب إحصاء أصدرته الأمم المتحدة في مارس/ آذار الماضي.
وشبّه ناصر مقري، الذي التقته "العربي الجديد" مع أفراد أسرته المؤلفة من زوجة وثلاثة أطفال في مخيم السُمياء أيضاً، حال النازحين بأنها شبه معركة حياة مستمرة بلا مدفعية وسلاح، ومعاناة يومية ومتاعب ومشقات. ومع موسم المطر، يزداد التعب، وأحياناً تقتلع الرياح الخيم وتجعلها بعضها فوق بعض".
وتحكي زوجته قصة الأسرة فتقول: "نزحنا من منطقة المحزّة في مديرية نهم إلى مخيم الخانق في المديرية ذاتها، ثم مجدداً إلى روضة ذنة، ثم إلى مخيم السمياء بسبب الحرب". وتضيف: "تأتينا الأمطار والرياح والغبار حتى بتنا لا نشتهي هذا الموسم بسبب المعاناة الكبيرة خلاله. وحصل مرة أن اشتدت الرياح والغبار، فتغطينا ببطانيات خائفين من احتمال أن تسقط الخيم فوق رؤوسنا".

شكاوى من ضعف التدخلات الإنسانية (Getty)
شكاوى من ضعف التدخلات الإنسانية (Getty)

استجابة ضعيفة
والأسبوع الماضي، دعت الوحدة التنفيذية لمخيمات النازحين في مأرب سكان المخيمات إلى توخي الحيطة والحذر، بعدما تلقت تقريراً من المركز الوطني للأرصاد الجوية يفيد بأن الطقس السيئ غير المتوقع سيستمر ويترافق مع أمطار غزيرة ورياح شديدة وعواصف رعدية.
ودعت الوحدة شركاء العمل الإنساني الى التدخل سريعاً لصيانة المساكن في جميع المخيمات، وحماية النازحين.
وفي مقابل الأوضاع الصعبة، تتعامل المنظمات المحلية والدولية المعنية بالشؤون الإنسانية بضعف مع ما يحصل، وفق ما يفيد مسؤولون وعمال إغاثة وعدد من النازحين.
ويقول القفيلي لـ"العربي الجديد": "تدخلات المنظمات ومهماتها ضئيلة مقارنة بحجم الاحتياجات وأوضاع النازحين، وتعتمد غالبيتها على المساعدات الطارئة والمؤقتة التي تكون ميزانيتها عالية ومرتفعة، وتذهب معظمها لنفقات التشغيل ورواتب الموظفين والسيارات والمقار، أما ما يحصل عليه المستهدفون فجزء ضئيل من المنح فقط".

المرأة
التحديثات الحية

ويشير القفيلي إلى أن "بقاء مراكز المنظمات الدولية وكتلها الرئيسية في صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين يقيّد حركة وتدخلات المنظمات، ويجبرها على رفع تقارير غير صحيحة وغير واقعية عن محافظة مأرب، ما جعل خطة الاستجابة للسنوات الماضية لا تستهدف احتياجات المحافظة استناداً إلى واقعها".
واعتبر القفيلي أن "عدم اعتماد مأرب مركزاً إنسانياً مستقلاً ذا صلاحيات إدارية ومالية أعاق العمل الإنساني، وزاد سلبيات ضعف وجود المكاتب الفرعية المستقلة للمنظمات الأممية والدولية ومشاريعها الإنسانية، وعدم مشاركة المكاتب الرسمية في التخطيط للمشاريع الإنسانية والتركيز على المشاريع ذات الأولوية القصوى".
ويقول إن "مكاتب المنظمات الفرعية في مأرب لا تملك مخزوناً طارئاً لمواجهة موجات النزوح المستمرة والاحتياجات الطارئة، والحالات مثل الأمطار والأعاصير وزحف المعارك نحو بعض المخيمات، ما يجعل تفاعلها في الأحوال الطارئة بطيئاً للغاية، ويخضع لمزاج مراكز المنظمات في صنعاء".

المساهمون