تشهد مناطق سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، حركة نزوح شبه يومية إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني (التابع لتركيا) في رأس العين بمحافظة الحسكة، ومنطقة تل أبيض بريف الرقة، بهدف الهجرة إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، لكنهم يغامرون بالتعرض لمخاطر كبيرة قد تبلغ حدّ القتل.
يدفع هؤلاء الشباب أموالاً باهظة لسماسرة التهريب، لكن هذه الرحلات تعتبر ملاذ الخلاص الوحيد بالنسبة إلى بعضهم. يقول محمد العلي البالغ 23 عاماً لـ"العربي الجديد": "أنهيت دراستي في المعهد الصناعي، ولم أعد أستطيع الحصول على وثيقة تأجيل من الخدمة العسكرية، وبالتالي أنا مطلوب لدى النظام السوري والإدارة الذاتية أيضاً، ولا أستطيع الالتحاق بعمل في القطاعين العام أو الخاص، ولا أقبل في كل الأحوال أن أكون طرفاً في عمليات قتل في حال تجنيدي، كما لا يمكن أن اختبئ طويلاً في ظل حملات التجنيد الكثيفة وشبه الدائمة".
بدوره، يتحدث سمير عيسى (22 عاماً) لـ"العربي الجديد" عن النقود التي دفعها لسمسار، وكيف وفرّها، ويقول: "استدان والدي المال من أحد أقاربنا، لأننا لا نملك مبلغ 2500 دولار، وكذلك تكاليف البقاء في تركيا حتى تدبير طريق آمن للسفر إلى أوروبا".
يتابع: "قد يصل مبلغ تنفيذ رحلة الهجرة إلى 20 ألف دولار، والمحزن أو الأكثر صعوبة أن الرحلة قد تفشل في أي وقت، سواء في المرحلة الأولى بعد اجتياز حدود مناطق سيطرة "قسد" إلى مناطق الجيش الوطني، أو المرحلة الثانية خلال عبور الحدود إلى تركيا، أو ربما في المرحلة الأخيرة من داخل تركيا إلى أوروبا عبر اليونان أو بلد آخر".
ويخبر حسن الملا (25 عاماً) "العربي الجديد" أنه اتفق مع 6 من أصدقائه على خوض مغامرة الهجرة إلى أوروبا، وأنه ينتظر حالياً الحصول على إشارة من المهرب "سمسار السفر"، ويقول: "إما أن ننجح ونبدأ حياتنا بعيداً من كل المشاكل التي تحيط بنا، من انتشار المخدرات والقصف اليومي وسوء الأوضاع المعيشية، وغياب أي فرصة لإكمال التعليم، أو نفشل. والحقيقة أن لا خيارات لنا، فحياتنا جحيم، في حين لا نزال في مقتبل العمر، ولا يمكن أن نعيش بلا كهرباء وماء وخدمات".
ويرى أن الأفضل أن يصل إلى أوروبا لتأمين عمل يسمح بإعالة والديه وإخوته، والعيش حياة كريمة نوعاً ما. وفي حال استقر هناك، ووفر مبلغاً جيداً من المال، فقد يستدعيهم للانضمام إليه.
من جهته، يعلّق الأستاذ الجامعي فريد سعدون على هجرة الشباب وهروبهم بالقول لـ"العربي الجديد": "تستمر حركة الهجرة في ظل الظروف الراهنة، وزادت وتيرتها حالياً بسبب التهديدات التركية خاصة في شرق الفرات، والتي أثرّت على الوضع في شكل كبير، إذ جعلت عمليات بيع العقارات والتجارة وحركة الحياة اليومية في مستوى متدنٍ. والأكيد أن من لا يجني قوته اليومي سيفكر بالهجرة، علماً أنه يواجه إلى الأزمة المعيشية، مشاكل انعدام الخدمات وفقدان المواد الأساسية والخبز والوقود". يتابع: "بين المشاكل أيضاً عدم محاولة امتصاص انتشار البطالة في المنطقة التي تعيش وسط تدهور تجاري وزراعي، وكذلك انعدام أفق لمستقبل يبشر بالخير وبحل الأزمات الموجودة".
وحول الطرق التي يسلكها الشباب للهجرة يوضح سعدون أن "الفرصة متاحة عبر الحدود التركية. صحيح أن الجميع يعلم أن من يقع في قبضة الشرطة التركية قد يتعرض لضرب مبرح لدرجة تكسير عظامه قبل إعادته إلى المنطقة، وربما قد يواجه مصير القتل، لكن الجماعات والفصائل المسلحة التي تتحكم بمنطقة رأس العين توفر حالياً فرصاً للعبور بأسعار أقل قد تبلغ ألفي دولار في مقابل 5 آلاف دولار سابقاً، ما يساعد في زيادة عدد الراغبين في المغامرة باجتياز الحدود".
ويلفت سعدون إلى أن تقليص الإدارة الذاتية قبضتها الأمنية في المنطقة قد يوفر حلولاً لتخفف هجرة الشباب الذين لا شك في أنهم ينتظرون أدنى فرصة متاحة لتنفيذ عمليات هروب، بحسب الوضع السائد على الحدود، على صعيد إمكان اختراق الطوق الأمني وتوفر إمكانات أكبر لاجتيازه. وعندما تأتي الفرصة بأسعار مناسبة يفكر الجميع بلا استثناء بالهجرة، أما عندما تشتد قبضة الحراسة على الحدود وتتخذ إجراءات لمنع العبور خاصة من ناحية تركيا وكردستان فتخف وتيرة الهجرة. وكانت أسعار العبور إلى كردستان تناهز 200 دولار، فيما تبلغ 1800 دولار حالياً أو حتى ألفي دولار، في حال تشديد الحراسة. والأكيد أن رفع الأسعار يؤثر في مسألة الهجرة، فعندما تكون الحدود مغلقة ترتفع الأسعار التي لا يستطيع كثيرون تأمينها، وعندما تهبط تزداد الهجرة".