عندما نتحدث عن الدول العربية نتحدث عن كتلة سكانية تقارب الـ350 مليون نسمة تعيش في منطقة مترامية الأطراف، لكن هذه الكتلة المتجاورة على صعيد الجغرافيا المكانية، متنوعة على صعد الأنظمة السياسية والمجتمعات وظروفها وموقع القطاعين التعليمي والصحي في حساباتها. من هنا يمكن ملاحظة أن بعض هذه الدول عمدت بداية إلى إنكار وجود وباء كورونا بين مواطنيها بالأصل، بينما كانت المعطيات غير الرسمية تتحدث عن حالة تفشٍ واسع، ولما اضطرت للاعتراف بوجوده تحدثت عن أرقام صغيرة ومحدودة لعدد المصابين. وعمدت إلى المكابرة والاستمرار في تشغيل القطاعات بما فيها التعليمي، بما يحويه من تلامذة وطلاب وهيئتين تعليمية وإدارية. لكنها ما لبثت أن رضخت لوقائع الوباء وقامت كما سواها بإقفال مؤسساتها.
ما لا بد من التوقف عنده أن القطاع التعليمي وقبل كورونا، كان يعاني من جملة "أوبئة" متداخلة التأثير على فاعليته. ففي التعليم العام تبرز النوعية المتدنية والمستوى الهابط والضعيف لأدائه، والقصور في تدريس المواد العلمية واللغات وفي نتائجه أو مخرجاته. والأهم هنا هو ضعف وهزال التجهيز التقني في المدارس على أنواعها ومراحلها. بالطبع القطاع الخاص، خصوصاً منه الموجّه لتعليم أبناء النخبة أكثر تحديثاً، كما أن جهازه البشري أعلى مردوداً من مثيله في القطاع العام. ورغم وجود مدارس حكومية وقطاع خاص، عانت المنطقة في العقود الأخيرة من قصور في الاستجابة للمخططات التي وضعتها الأونيسكو لجهة القضاء على آفة الأمية، والتوسع في التعامل مع أجهزة الحاسوب، وتحسين مستوى اللغات، وتأمين المساواة في فرص التعليم بين الجنسين، وإنتاج برامج خاصة لذوي الحاجات الخاصة وغيرها.
والحقيقة أن المنطقة العربية ورغم التطور الذي حدث في تأمين المقاعد للأطفال من مختلف المستويات والفئات الاجتماعية، ما زالت عاجزة عن تأمين المكان الصفي لحوالي 13 مليون طفل لم تتوافر لهم فرصة الدخول إلى المدارس. وتركت جائحة كورونا تأثيرها على أكثر من 100 مليون متعلم في المنطقة، وفقًا لما صدر عن المرصد العالمي لإغلاق المدارس الناجم عن جائحة كورونا في أوائل إبريل/ نيسان 2020.
ولجأت البلدان العربية، كغيرها من الدول، إلى التعليم عن بُعد، وإلى استنفار مواردها التعليمية البديلة لضمان استمرار عملية التعلم في ظل تعليق الدراسة في الصفوف العادية. ولكن الطريق لم يكن معبداً أمامها متى علمنا أنّ 51.3 في المائة من سكان المنطقة لا يستخدمون الإنترنت أو يملكون الإنترنت على هواتفهم المحمولة، وفقًا للرقم القياسي لتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الصادر عن الاتحاد الدولي للاتصالات في عام 2019. كما جرت العودة لاستخدام التلفاز كإحدى الوسائل الأوسع انتشاراً لتوفير التعليم والمتعلق بأهداف التنمية المستدامة، بعكس الراديو الذي لا يُستَخدم إلا في حفنة من الدول العربية، كما ورد في التقرير الصادر عن مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في الدول العربية المعنون "حلول بديلة في ظل إغلاق المدارس في المنطقة العربية لضمان عدم توقف التعلم أبدًا".
ويتم استخدام الوسائط التقليدية إما بمفردها لتوفير التعليم، أو إلى جانب التعلم عبر الإنترنت للوصول إلى عدد أكبر من المتعلمين، بما في ذلك للمتعلمين من الفئات المعرضة للمخاطر والمحرومة، والتي لا تتمتع بالإمكانات المادية للحصول على أجهزة إلكترونية وشبكات الاتصال بالإنترنت وغيرها.
(باحث وأكاديمي)