عندما كانت في السابعة من عمرها، لم تدرك فاطمة الصغيرة وهي تلوّح بسعادة لا متناهية بسوارها الذهبي ويدها المحنّاة، أن عائلتها تستعدّ لختانها، وسط حفاوة الأقرباء والجيران. لم تكن تدرك أن تلك السعادة سوف تنقلب غماً، وستغيّر حياتها لتعاني من آلام متصلة وتضطرها إلى الخضوع لعملية جراحية في السابعة والخمسين، وتحرمها من لقب "ماما".
بأسى تتحدّث الحاجة فاطمة إلى "العربي الجديد" عن تجربتها المريرة مع الختان، والتي حولتها إلى أكبر مناهضة له وقد انضمت إلى منظمات مدنية وشاركت في عدد من الندوات وورش العمل وراحت تستفيد من المناسبات التي تجمع النساء في الأفراح والأتراح لتوعيتهن حول خطر ختان الإناث.
يُعدّ السودان من بين 28 دولة في العالم تمارس عادة ختان الإناث، وإن تراجعت نسبة ممارستها خلال الفترة الأخيرة من 90 % إلى 65.5% وفقاً لبيانات الإحصاء الصحي للأسرة في البلاد. لكن الطريق ما زال طويلاً لمكافحته، نظراً للمفاهيم المجتمعية السائدة والتي يستند بعضها إلى دعاوى دينية وصحية. أما النسبة في الريف السوداني، فتسجّل 95%. يُذكر أن ثمّة تراجعاً اليوم في المدن الراقية، إذ يُمارس ختان الإناث أيضاً في وسط العاصمة الخرطوم.
تروي فاطمة "منذ اليوم الأول بعد الختان، عانيت من احتباس البول، وأعادت القابلة عملية الختان حتى أتخلص من تلك المشكلة، إذ كان المجرى ضيقاً جداً. وفي فترة البلوغ، عانيت بشدة، وكنت أصاب شهرياً بمغص لا ينتهي، وأخضع إلى علاج". تضيف: "وصرت أكره سماع كلمة ختان. وكلما ذهبت إلى منزل فيه فتاة مختونة، أرتعش من الخوف وأنا أسترجع ما حدث لي. وذلك على الرغم من أنني أذكر كم كنت سعيدة حينها بالحنة والملابس الجديدة وسوار الذهب التي أحضرتها عائلتي للاحتفاء بتلك المناسبة. في خلالها، تقام وليمة يُدعى إليها الأقارب والجيران".
وتذكر فاطمة أنها خلال سنّ المراهقة، لم تراودها قطّ "أحلام الفتيات اللواتي هنّ في مثل سنّي.. أحلام بفارس الأحلام. لم تكن لدي رغبة قطّ في الزواج. وذلك كآثار طبيعيّة لذلك الختان". لكن، نزولاً عند رغبة أسرتها، "تزوجت. وكانت المعاناة. نجحت في اليومين الأولين للزواج في التفاهم مع زوجي. هو حاول أن يمارس معي العلاقة الزوجيّة كأي ثنائي، لكنه صبر معي حتى الأسبوع الرابع. فشلنا. نصحنا بعض الأقارب بالعودة إلى القابلة من جديد. لكنني رفضت تماماً وطلبت الطلاق". تتباع سردها: "في بادئ الأمر، رفض زوجي ذلك، خوفاً من الوصمة الاجتماعية التي يمكن أن تلاحقني لانفصالي بعد شهر من الزواج. لكنه في النهاية اقتنع. انفصلنا. حصل ذلك بعد ثلاثة أشهر من زواجنا".
اليوم، بعد 18 عاماً على ذلك الانفصال، لم تكرّر فاطمة تجربتها تلك، "على الرغم من أن كثيرين تقدموا لخطبتي. في داخلي، كانت قد نمت كراهية وصدمة من الزواج. وبسبب الختان، حُرمت من الإنجاب، ومن أن أصبح أماً ويكون لي أطفال ينادونني ماما، وأؤلّف أسرة".
تؤكد فاطمة اليوم أنها ظلت طيلة الفترة الماضية، مذ تعرّضها لذلك الختان، تعاني من آثاره. وأخيراً ظهر لديها "كيس الطهارة". تشرح أنه "من المضاعفات المصاحبة للختان وقد يصل أحياناً إلى حجم برتقالة". يُذكر أن الأطباء يحذّرون من إهمال هذا الكيس الذي يتكوّن عادة بعد نحو عشر سنوات من العملية، ما قد يؤدي إلى مضاعفات وأمراض يصعب علاجها. ويشدّدون على ضرورة استئصال الورم من جذوره. وأخيراً، خضعت إلى عملية جراحية لاستأصلته بعدما أرهقها طوال السنوات الثلاث الفائتة. لكنها في النهاية، تؤكد أنها وهبت نفسها للتوعية حول أضرار الختان، في داخل السودان وخارجه، حتى لا تمر أي فتاة بتجربتها المريرة. "لولا إيماني القوي، لكنت جننت أو أصبت باكتئاب حاد".
لغاية اليوم، فشلت محاولات لناشطين سودانيين في إضافة مواد إلى قانون الطفل، تجرّم ختان الإناث وتخضع كل من يقوم بتلك العملية سواء الأهل أو القابلة، للعقوبة القانونية. يُذكر أنهم كانوا قد نجحوا في إدراج تلك المادة في مسودة القانون، لكنها أسقطت في مجلس الوزراء قبل وصولها إلى البرلمان، بعد الجدال الكبير الذي أحدثته وانقسام الأئمة والدعاة إلى مؤيد ورافض.
تجدر الإشارة إلى أن ختان الإناث خطر على الفتيات، لجهة أضراره النفسية والصحية عليهن. وهو قد يتسبب أحياناً في وفاة الفتاة، في حين يحذّر أطباء من مضاعفاته المتمثلة في النزيف وكيس الطهارة، بالإضافة إلى آلام البلوغ وتعثر عمليات الوضع، وكذلك الأمراض النفسية لا سيما الاكتئاب.
اقرأ أيضاً: السبعينيّة زينب تتخرّج من الجامعة