مع ما استمرت أجهزة الإعلام في الترويج له حول فساد بعض المنتجات الزراعية، كانت صدمتنا كبيرة بوجود نصف دستة من حبات البطاطس قد أنبتت براعم خضراء غريبة الشكل، مع رائحة كريهة فاحت في مطبخنا الصغير. على الفور، اتجهت الاتهامات إلى ما يجري استيراده من الغذاء من دول الجوار، على الرغم من أنّ العالم كان يبشرنا أنّ سوداننا سيصبح "سلة غذاء العالم".
عام 2012 امتلأت مساحات الإعلان تمهيداً لغزو الوجدان بشعار "البطاطس هي الحل". وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) فإنّ السودان مؤهّل لأن يصبح الدولة العربية الأولى في إنتاج البطاطس، نظراً لما يتمتّع به من مناخ ومساحات كفيلة بإنتاج المحصول الذي تقدّم إلى المركز الثالث في المحاصيل العالمية النقدية، والأكثر غذاء واستخداماً بعد القمح والأرز.
عندما أضاف مروجو شعار "البطاطس هي الحل" يومها إمكانية توليد الكهرباء من البطاطس، ظهر التهكّم هنا وهناك، باعتبار البطاطس سلعة غير أساسية في السودان. لكن، على الرغم من ذلك، تأكّد اعتماد عدد كبير من المزارعين على زراعتها، والمواطنين على أكلها. بعضهم يزرعها بكميات وافرة تغطي السوق المحلي، من دون أن نتأكّد إن كانت هناك بطاطس مستوردة في الأسواق أم لا، في ظل الفوضى الأخيرة في استيراد الغذاء. ولعلّ ذلك ما زاد من رعبنا لتفقد خبرائنا حول ما عثرنا عليه في المطبخ.
تأكّد لنا بعد بحث أنّ ظهور براعم البطاطس ليس سوى إشارة تحذير بأنّ هناك تفاعلات كيماوية بدأت تحدث، وأنّ الثمار المصابة ليست صالحة للأكل. فنضوج ثمرة البطاطس يجعلها طرية، فتبدأ في إنتاج مادتين كيميائيتين قاتلتين: سولانين وألفا كانونين، وهما من المواد القاتلة للبشر. كذلك، تنتج المادتان عن مبيدات الآفات التي ترش البطاطس في الحقل بها. وهنا ظهرت العديد من الأصوات التي تؤكد أنّ تجار الخضر والفاكهة يرشون الثمار غير الناضجة بمركبات كيميائية تجعلها تبدو ناضجة. ذهب بعضهم إلى أنّ الضجة حول المنتجات المعدلة وراثياً التي ثارت قبل أعوام لم تكن سوى جرس إنذار لما يحدث الآن من مشكلات. فهذا يسأل عن الجهة التي يمكن أن تنصفه، بعدما وجد عفناً في بطيخة اشتراها، وتلك تؤكد أنّ ما أصاب طفلها سببه الخيار الذي تناوله مع الغداء.
إذاً، ليس التغير المناخي وحده ما يهدد الإنتاج الزراعي ويقوض الأمن الغذائي، فالفساد في الزراعة والتجارة بالمزروعات يهدد أكثر، داخل الحدود، وعبرها. وليكن التغيير في شعار هذا العام "المناخ يتغير... الزراعة والغذاء أيضاً" باتجاه الإيجابية.. من أجل المواطن وأمنه.
*متخصص في شؤون البيئة
اقــرأ أيضاً
عام 2012 امتلأت مساحات الإعلان تمهيداً لغزو الوجدان بشعار "البطاطس هي الحل". وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) فإنّ السودان مؤهّل لأن يصبح الدولة العربية الأولى في إنتاج البطاطس، نظراً لما يتمتّع به من مناخ ومساحات كفيلة بإنتاج المحصول الذي تقدّم إلى المركز الثالث في المحاصيل العالمية النقدية، والأكثر غذاء واستخداماً بعد القمح والأرز.
عندما أضاف مروجو شعار "البطاطس هي الحل" يومها إمكانية توليد الكهرباء من البطاطس، ظهر التهكّم هنا وهناك، باعتبار البطاطس سلعة غير أساسية في السودان. لكن، على الرغم من ذلك، تأكّد اعتماد عدد كبير من المزارعين على زراعتها، والمواطنين على أكلها. بعضهم يزرعها بكميات وافرة تغطي السوق المحلي، من دون أن نتأكّد إن كانت هناك بطاطس مستوردة في الأسواق أم لا، في ظل الفوضى الأخيرة في استيراد الغذاء. ولعلّ ذلك ما زاد من رعبنا لتفقد خبرائنا حول ما عثرنا عليه في المطبخ.
تأكّد لنا بعد بحث أنّ ظهور براعم البطاطس ليس سوى إشارة تحذير بأنّ هناك تفاعلات كيماوية بدأت تحدث، وأنّ الثمار المصابة ليست صالحة للأكل. فنضوج ثمرة البطاطس يجعلها طرية، فتبدأ في إنتاج مادتين كيميائيتين قاتلتين: سولانين وألفا كانونين، وهما من المواد القاتلة للبشر. كذلك، تنتج المادتان عن مبيدات الآفات التي ترش البطاطس في الحقل بها. وهنا ظهرت العديد من الأصوات التي تؤكد أنّ تجار الخضر والفاكهة يرشون الثمار غير الناضجة بمركبات كيميائية تجعلها تبدو ناضجة. ذهب بعضهم إلى أنّ الضجة حول المنتجات المعدلة وراثياً التي ثارت قبل أعوام لم تكن سوى جرس إنذار لما يحدث الآن من مشكلات. فهذا يسأل عن الجهة التي يمكن أن تنصفه، بعدما وجد عفناً في بطيخة اشتراها، وتلك تؤكد أنّ ما أصاب طفلها سببه الخيار الذي تناوله مع الغداء.
إذاً، ليس التغير المناخي وحده ما يهدد الإنتاج الزراعي ويقوض الأمن الغذائي، فالفساد في الزراعة والتجارة بالمزروعات يهدد أكثر، داخل الحدود، وعبرها. وليكن التغيير في شعار هذا العام "المناخ يتغير... الزراعة والغذاء أيضاً" باتجاه الإيجابية.. من أجل المواطن وأمنه.
*متخصص في شؤون البيئة