بعد طول انتظار رزقت فاطمة بطفلة كانت بمثابة الحلم لها ولزوجها، لكن فرحة فاطمة لم تكتمل، فبعد أربعة أشهر من ولادة طفلتها الأولى، لاحظت أن لديهاً أمراً غير طبيعي في حركتها، وأنها لا تشبه الأطفال في سنها، لتبدأ من هنا المأساة والرحلة الطويلة مع مرض التوحد.
تقول فاطمة لـ"العربي الجديد": "علمت أن طفلتي تعاني من مرض التوحد منذ أن كان عمرها نحو عام، وهو مرض يحتاج لرعاية دقيقة ومصاريف عالية ليس في مقدورنا مجاراتها".
وتابعت: "الآن طفلتي تقارب الثماني سنوات، صحيح أنها تعاني من توحد بسيط لكنها بعيدة تماماً عن بقية إخوتها، دائما صامته وتركز بصرها على شيء واحد، وقد تظل واقفة في مكان واحد طيلة اليوم، إذا لم يحاول أحد تغيير وضعيتها".
وأوضحت أنها أدخلتها إلى أحد المراكز الخاصة بأطفال التوحد لعلاجها، لكن لضيق ذات اليد رجعت وسحبتها منه، لافتة إلى أن المركز خاص يأخذ 500 جنيه رسوماً شهرية، شاكية من عدم وجود مركز حكومي مجاني لمرضى التوحد.
وتضيف: "المراكز الموجودة غير مؤهله، فليس هناك تصنيف لأطفال التوحد حسب حدة المرض، فتجد في المركز أطفال توحد يميلون إلى العنف وقد يؤذون طفلتي خاصة أن لديها صعوبة في الحديث والتعبير"، وتشير إلى شعورها بالألم بسب حال ابنتها، وكيف أنها تقضي الليل غارقة بدموعها لأنها عاجزة عن تقديم المساعدة لابنتها الكبرى. وتضيف: "بسبب مرضها فإن معاملتي لها تختلف عن إخوتها وخشيتي عليها من الأذية أبقيها أمام نظري طيلة اليوم".
أما إيمان فلديها قصة أخرى، إذ تقول إن مسيرتها طويلة مع ابنها المتوحد، الذي أرسلته إلى أحد المراكز في مصر، وظل بعيداً عنها لسنوات، وتلتقيه من حين لآخر. وتضيف: "لاحظت الفجوة الكبيرة بينه وبين أشقائه فأعدته إلى الخرطوم، لكن للأسف لست مقتنعة إطلاقا بالمراكز الموجودة هنا".
ويؤكد أستاذ الصحة النفسية علي بلدو انتشار مرض التوحد، مشيراً إلى أنه من بين ألف طفل هناك من 10إلى 16 حالة توحد. وقال إن أسبابه متعددة اقتصادية واجتماعية، وإن الأخيرة تتصل بتأخر سن الزواج إضافة لسبل التغذية، فضلا عن انعدام الرعاية النفسية للحوامل في المراحل المختلفة، وغياب الثقافة النفسية لدى مراكز الطفولة والأمومة.
ويذكر بلدو أن التوحد يمثل مجموعة أعراض تختلف في درجاتها، مشيراً إلى الآثار النفسية والطبية الناتجة عنه ومنها الضجر والملل الذي يصيب أسرة الطفل المتوحد، وما ينتج عن ذلك من نزاعات وانفصال، إلى جانب الأثر الاقتصادي بالنظر لتكلفة العلاج العالية التي تتراوح بين 30 و40 ألف جنيه سوداني. ويؤكد حاجة المراكز للتأهيل والتوسيع وإيجاد ملاعب متخصصة تساعد في النمو الذهني لأطفال التوحد.
ويعيب رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية بالبرلمان السوداني أحمد الشايب على الدولة عدم منح قضايا التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة عموماً الاهتمام الكافي، موضحاً: "رغم القرارات التي صدرت وتكوين لجنة عليا على مستوى رئاسة الجمهورية تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أن الدولة بعيدة تماماً عن الدعم وتوفير الإمكانات.
ويذكر الشايب أن معظم المراكز الموجودة يملكها القطاع الخاص ويطغى عليها الطابع الاستثماري، معتبراً أن مسؤولية الدول الأولى الاهتمام بشريحة التوحد وإدراجهم في المجتمع عبر توفير كافة المعينات. ويشدد على ضرورة أن تتبنى الحكومة فتح مراكز متخصصة بالاستفادة من المنح الخاصة بالمعاهدات الدولية المعنية بالتوحد وخلافة.