الفرحة الغامرة في منزل الشهيد مصباح أبو صبيح، لم تخف مسحة الحزن لدى أفراد العائلة الذين اجتمعوا في منزله ليحتفلوا، على طريقتهم الخاصة، بنجاح إيمان ابنته وحصولها على معدل 84 في المائة بالفرع العلمي، في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة.
فرحة ممزوجة بالحزن على فراق الشهيد، كما يقول عمّ إيمان، والذي لم يخف دمعته وهو يتحدث عن نجاح ابنة شقيقه الشهيد، والتي كانت أمل والدها في التميز والتفوق وتشريف العائلة بنجاحها.
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، قال عم إيمان: "نجحت إيمان، وكان نجاحها متوقعا، فهي معروفة بتفوقها طيلة سنوات دراستها، وكان ذلك مبعث سرور لنا، خاصة لوالدها الشهيد الذي كان يفاخر العائلة كلها بابنته. اليوم نحن فرحون، لكن فرحتنا ممزوجة بالحزن، فشقيقي الآن بين يدي الله شهيدا، ما زال جثمانه محتجزا لدى سلطات الاحتلال. أما نجلا الشهيد صبيح وعز الدين فمعتقلان لدى الاحتلال، ووجودنا نحن الأعمام وجدّها لا يغني أبدا عن وجود والدها وشقيقيها".
أما إيمان، فحالها كحال عمها وجدها ووالدتها وسائر الأقارب من الفرح الممزوج بالحزن، تقول: "كنت أتمنى أن يكون أبي إلى جانبي الآن يشاركني الفرحة بالنجاح، مثل سائر زميلاتي اللواتي حضرن إلى المدرسة مع آبائهن لاستلام نتيجة النجاح، مع ذلك، رافقني جدي، وكان حضوره معي سندا وتشجيعا، انتابني إحساس غريب عندما استلمت النتيجة بأن والدي معنا، لقد كان على الدوام مشجعا ومحفزا لي، وكان لا يتوانى عن إيقاظي فجرا لأداء الصلاة بمعيته ومعية شقيقي، وكان يوصيني على الدوام بالانتظام فيها وعدم تركها، فهي سر النجاح في الدنيا والآخرة".
لقد اختارت إيمان استكمال تحصيلها العلمي في تخصص الصيدلة، كانت تلك رغبة والدها، وفي حديثها لـ"العربي الجديد"، أسرّت إيمان لنا بأنها رأت قبل أسبوع فقط والدها في المنام يوصيها بدراسة الصيدلة والتخصص فيه، حيث قالت: "كان وجهه مشرقا ضحوكا والابتسامة لا تفارق محياه، كما كان في حياته، وحين استيقظت من نومها وتأكد لها أن ما رأته كان مجرد حلم، تمنت لو كان حقيقة لتحضن والدها المشتاقة إليه".
غابت عن إيمان أيضا فرحة شقيقيها صبيح وعز الدين الأسيرين لدى الاحتلال: "كنت أتمنى أن يكونا أيضا حاضرين معنا ليشاركاني الفرحة ويعوضاني عن غياب والدي".
أما والدة إيمان، فكانت ما بين ابتسامة ودمعة، والحال كذلك بالنسبة للجدّ الذي عانق حفيدته واحتضنها، وكان مع الجالسين في بيت الشهيد يستقبل المهنئين بنجاح حفيدته، ويعدها بأن يحقق حلمها وحلم والدها بالدراسة والنجاح أيضا والتفوق في دراستها الجامعية.
لقد سبقت إيمان شقيقيها في الاعتقال، بعد أن أسرها جنود الاحتلال عقب استشهاد والدها، على خلفية تسجيلها شريط فيديو نشر على نطاق واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وأشادت فيه بوالدها، حيث وضعت رهن التوقيف والاحتجاز لأكثر من أسبوع، وأفرج عنها بغرامة مقدارها 2000 شيقل، من التصريح للصحافة أو النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمدة 6 أشهر.
أما منزل والدها الشهيد، فقد صدر قرار من الاحتلال بمصادرته ووضع اليد عليه، تمهيدا لهدمه، وفقا لما أعلن في ذلك الحين ناطق باسم جيش الاحتلال.
يذكر أن والد إيمان، الشهيد مصباح أبو صبيح، كان قد نفّذ، في التاسع من شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2016، عملية فدائية جريئة، قتل فيها شرطي ومستوطنة، وأصاب خمسة آخرون بجروح، قبل أن يرتقي شهيدا.
والشهيد أبو صبيح، أسير محرر اعتقل في عام 2013 من منطقة باب حطة بالقدس القديمة، بتهمة ضرب شرطي احتلالي، وأفرج عنه، وفوجئ بإعادة فتح القضية ضده عام 2015، ليحكم بالسجن الفعلي مدة 4 أشهر.
أما آخر تدويناته على صفحته الشخصية، حيث جرى إبعاده عن الأقصى، فكانت: "لن أشتاق لأحد كاشتياقي إليك، لن أحب أحدا كحبي إياك، عمري وحياتي وكل مالي فداك".