تشهد الدنمارك، البلد الذي اعتبر رائداً في مجال حقوق الطفل، ارتفاعاً في حالات العنف ضد الصغار وتزايداً كبيراً في التبليغ بيّنته تقارير رسمية صادرة أمس الثلاثاء، لكن الأمر قوبل برفض اقتراح بتشديد العقوبة على من يحجم عن الإبلاغ من هيئات التعليم والمؤسسات المعنية.
ويظهر تقرير صادر عن منظمة "أوضاع الأطفال" ومؤسسة "أمان" أن "البلاد لم تشهد سابقا مثل هذا الانفجار العددي في تبليغ المؤسسات الاجتماعية ذات الشأن عن حالات العنف والاعتداء على الأطفال". ويظهر من الأرقام الواردة خلال 8 سنوات منذ 2010 وحتى 2018، ارتفاع نسبة التبليغ إلى 536 في المائة.
الصورة تبدو قاتمة عند الأخذ بالاعتبار أن 100 ألف حالة تتعلق بالعنف ضد الأطفال تتلقى السلطات الاجتماعية تبليغات بشأنها سنوياً، بحسب أرقام حديثة أصدرها مركز الإحصاء الدنماركي الرسمي.
منظمة "أوضاع الأطفال"، تعتبر أن الرقم على ارتفاعه يحمل جانباً "إيجابياً إذا ما اعتبرنا التبليغات انعكاسا لتنامي الرفض المجتمعي لممارسة أي شكل من أشكال العنف". وتتضمن التبليغات عن أشكال العنف الشك بـ"خذلان الأهل" نفسياً ومعنوياً للأطفال، ويمكن للصغار التبليغ بأنفسهم عمّا يتعرضون له من خلال الخطوط الساخنة المخصصة لهم، والتي يعلمون بوجودها في مراحل التعليم الابتدائي، وتعطيهم حصانة التبليغ المجهول.
ويرى مدير المنظمة، راسموس كييلدهال، في بيان صحافي أن "الأرقام تعني أن الانخفاض كبير في أعداد من يتسترون أو يقبلون بالتستر على العنف بحق الأطفال". ويتابع "نعرف بأن واحداً من كل 11 طفلاً في الدنمارك يتعرض لعنف قاس، لهذا السبب نحن سعداء لإلقاء الضوء على القضية الآن، والتبليغ يثير ظنا بأن هناك طفلا يحتاج لمساعدة".
ويشار إلى أن تقارير صادمة برزت العام الماضي عن أعداد كبيرة لأطفال يعيشون "شهوداً على عنف زوجي" في البيوت الدنماركية. وأفاد تقرير أصدرته المؤسستان سالفتا الذكر العام المنصرم أن هؤلاء الأطفال يكبرون بطريقة غير سوية، ويتأخرون في الصفوف المدرسية، وتبقى حالات العنف مرافقة لذاكرتهم الصغيرة. وتنبه المؤسستان إلى أنه "وفقا لملاحظات الخبراء فإن من يمارسون العنف المنزلي يكون بعضهم قد تعرض بدوره للعنف قبل أن يصبح والداً، لذا من المهم جدا العمل الوقائي في المجال".
وأشارت المنظمتان في تقريرهما لعام 2017 إلى أن الفترة بين 2010 و2015 شهدت زيادة بمقدار ثلاثة أضعاف في أعداد التبليغات عن العنف ضد الأطفال دون سن التاسعة من العمر، مؤكدة أن "زيادة نسب التبليغ لا يعني بالضرورة زيادة أفعال العنف المرتكب".
ولم تحمل الأرقام الصادرة في هذا المجال عام 2016 أنباء سارة أيضاً، وبحسب تقرير "المركز الوطني لبحوث الرفاهية" في كوبنهاغن، إن "17 في المائة من أطفال صفوف الثامن أجابوا على قسيمة استطلاع أنهم تعرضوا لعنف جسدي من واحد من الأبوين، مرة على الأقل خلال الأشهر الـ 12 الماضية (التي سبقت الاستطلاع)". وأشار تقرير "مجلس الطفولة" عن ذات الفترة 2016 أن "طفلاً من كل 10 في الصف السابع، أي نحو 9 في المائة، تعرضوا لعنف إما بالركل أو الضرب خلال الـ12 شهرا الماضية".
سعي حكومي لتشديد العقوبة
إلى جانب تقارير العنف يجري الحديث في الدنمارك علناً عن "البلاغات" التي تتلقاها البلديات عن الاعتداءات الجنسية بحق الأطفال، إلى جانب الانتقادات اللاذعة الموجهة للمؤسسات الرسمية التي تركز على بطء تدخلها، ما يؤدي إلى خذلان 40 في المائة من أصحاب البلاغات، بحسب "الإحصاء الدنماركي".
وأوضح تقرير نقابة المعلمين لشهر يناير/كانون الثاني الماضي، أن "7 من كل 10 معلمين، أي نحو 71 في المائة، عبروا عن قلقهم عديد المرات حول شكوكهم بوجود مشكلة إدمان كحول في منازل بعض الأطفال". ويشكو المعلمون مما يسمونه "غياب أدوات للتعامل مع هذه الشكوك". ويختار بعض القلقين منهم أحياناً مواجهة الأهل مباشرة بشكوكهم حول وجود مشكلة كحول في الأسرة (كاستنتاجات من طبيعة الطفل في المدرسة)، في حين أن 52 في المائة منهم يقولون غنهم لا يمكنهم فعل ذلك، و54 في المائة يشكون من غياب صلاحيات ووسائل واضحة في المجال.
وتخصص الدنمارك خطوطا ساخنة للطفل تشجعه على الاتصال (24/7) للإبلاغ عن مشكلة كحول وسكر في البيت، وما يتبعه ذلك من عنف. وينحو النقاش السياسي-التشريعي هذه الأيام، باتجاه "تقديم كل ما يمكن من مساعدة للأطفال، ومنها الحكم بالسجن 4 أشهر فعلية على المعلمين والتربويين وموظفي المؤسسات الاجتماعية والعاملين في الحقول المتصلة بالصغار والأسر، في حال عدم تبليغهم عن وضع الأطفال المعرضين لسوء معاملة".
وتعرّض هذا المقترح لانتكاسة اليوم الأربعاء، بسبب تراجع الحزب الاجتماعي الديمقراطي، يسار الوسط المعارض، مع حزب الشعب اليميني المتشدد، لعدم منحه الأصوات البرلمانية الكافية لتمريره. ويتذرع يسار الوسط بأنه "يوافق على معاقبة المسؤولين والقيادات وليس الموظفين العاديين"، في حين يتحجج اليمين المتشدد بأن "نظام الإبلاغ اليوم كاف، ونخشى أن يغرق النظام بالاتصال ويرهق الموظفين".
وينظر المهتمون بشؤون رفاهية الطفل بحماسة الآن إلى إثارة المسألة على المستوى الرسمي الدنماركي، بعد تحول قضايا العنف إلى مسألة رأي عام وقضية مجتمعية، والنظر جديا خلال الأيام المقبلة للدفع بتشديد القوانين، بحسب مؤسسة "أوضاع الأطفال".