كان خالد (35 عاماً) على علاقة عاطفية بفتاة استمرت سنوات. وفي كل مرة، كانا يحدّدان فيها موعداً لزواجهما، ثم تدفعهما الظروف الاقتصادية إلى تأجيله، بسبب عدم اكتمال ترتيبات الزواج، إلى أن قرّرا إنهاء الخطوبة بالتراضي، وتقاسم ما جمعاه خلال سنوات علاقتهما.
حدث ذلك قبل نحو عامين. لكن في العام الماضي، دخل خالد في علاقة عاطفية مع فتاة أخرى، وأعلنا خطوبتهما وبدآ التجهيز للزواج. يشار إلى أنه في نهاية العام الماضي، دخل السودان في أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، ما أدى إلى عرقلة حياة خالد، أقلّه كما كان يخطط لها. يقول لـ "العربي الجديد": "كنتُ أنوي الزواج مع بداية العام الحالي. لذلك، شاركت في صندوق مشترك مع أفراد عائلتي حتى أتمكن من شراء كل ما أحتاج إليه من تجهيزات للبيت الذي أحلم به".
الكارثة، كما يصفها، وقعت حين استلم نصيبه من الصندوق، ووجد أن الأسعار زادت بنسبة 100 في المائة. حتى إن سعر غرفة النوم ارتفع إلى 26 ألف جنيه (نحو 1400 دولار)، بعدما كان في بداية العام 12 ألف جنيه (نحو 660 دولاراً)، وكذلك بقية المستلزمات، ما جعله يشعر بإحباط، وقرّر وخطيبته تأجيل موعد الزفاف إلى أجل غير مسمّى.
اقــرأ أيضاً
ويحمّل خالد مسؤولية تأخير زواجه للظروف الاقتصادية والعادات المجتمعية التي تفرض طقوساً مكلفة جداً، مبيناً أنه عُرض عليه الزواج الجماعي، الذي يزف عشرات الشباب في حفل واحد بدعم من جهات خيرية. يضيف خالد أنه على الرغم من قناعته بالفكرة، يدرك أن عائلته وعائلة خطيبته سترفضان الفكرة جملة وتفصيلاً، "كون هذا الأمر عيباً". يضيف: "لم يعد أمامنا من خيار سوى التفكير في تبسيط طقوس الزواج"، وقد اتفق مع خطيبته على إلغاء تقديم الذهب، وقضاء شهر عسل خارج السودان. كما اتفق وشقيقه، وهو مغنٍ شاب، على الاستعانة ببعض أصدقائه للغناء في حفل الزفاف.
وغالباً ما يجمع أصدقاء العريس في السودان مبالغ مالية لدعمه. لكن خالد يقول إنه في ظلّ تصاعد سعر الدولار وارتفاع الأسعار، طلب من أصدقائه تقديم هدايا عينية مثل مكواة أو تلفزيون وغيرهما.
قصّة خالد لا تختلف كثيراً عن قصة أحمد سعيد (33 عاماً)، الذي حدد يوم 22 سبتمبر/ أيلول المقبل موعداً لحفل زفافه. اشترى ذهباً بمبلغ 100 ألف جنيه (نحو خمسة آلاف دولار)، وعطوراً بـ 10 آلاف جنيه (نحو 550 دولاراً) من مدينة نيالا غرب السودان، حيث أسعار العطور الباريسية أقل بكثير من الخرطوم. كما دفع نحو 120 ألف جنيه (نحو 6600 دولار) بدل إيجار صالة الأفراح التي سيقام فيها الزفاف، ويشمل كلفة وجبة العشاء التي سيقدمها للضيوف، في حين يتوجب عليه تأمين مبلغ 20 ألف جنيه (نحو ألف ومائة دولار) لمغني الحفل، عدا عن الشيلة (كل احتياجات احتفالات الزواج والضيوف، وفيها عدد من جوالات السكر والشاي والصابون والفحم وصفائح الزيوت وغيرها من الاحتياجات)، وكلفتها 70 ألف جنيه (نحو 3800 دولار).
يعترف سعيد أن كل ما سبق يدخل في إطار البذخ، لكنّ هذا ما تفرضه عليه العادات والتقاليد. ويبيّن أن مصاريف ما بعد الزواج وبدل إيجار الشقة هما أكثر ما يؤرقه. أما محمد النور (47 عاماً)، فيقول لـ "العربي الجديد" إنّه يئس تماماً من جمع أموال تمكنه من الزواج. لذلك، فإما أن يكون زواجه بسيطاً أو يعزف عن الزواج.
ما قاله الشباب الثلاثة يعكس حال الشباب السوداني مع الزواج، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. وتضاعفت أسعار السلع بنسبة تفوق المائة في المائة. وفي حديث مع صاحب "أولاد الحواتة" في سوق ليبيا غرب الخرطوم، وهو محل يبيع مستلزمات العرائس أو ما يعرف بـ "الشيلة"، عبد السميع محمود، قال لـ "العربي الجديد": "الإقبال على الشراء ضعيف جداً منذ بداية العام الحالي، بعد تدهور سعر الجنيه السوداني، في مقابل العملات الأجنبية والغلاء الطاحن في الأسواق السودانية". ويشير إلى أنه بات لا يبيع في اليوم أكثر من 5 شيلات وبسعر يصل إلى 25 ألف جنيه (نحو 1300 دولار). كما أن سعر الثوب السوداني الواحد يقدّر بما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف جنيه (ما بين 110 دولارات و166 دولاراً). وهناك أسعار أقل بكثير لكن قد لا تناسب العروس".
اقــرأ أيضاً
إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم إن أسباباً أخرى غير العاملين الاقتصادي والمعيشي تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج، أهمهما سلوك الشباب نفسه و"التقليد" في الممارسات الاجتماعية، وعدم رغبتهم في التحايل على الأوضاع الاقتصادية والاستسلام الكامل للظروف، وعدم قدرتهم على التخطيط والترتيب لحياتهم، فضلاً عن مسببات أخرى خارج إرادتهم، مثل العنصرية واستغلالهم اقتصادياً من قبل أسرهم، وعدم تشجيعهم على الزواج.
وحذرت إبراهيم من الآثار السلبية لعزوف الشباب عن الزواج، مشيرة إلى أن الفتاة هي الأكثر تضرراً، لأن تأخرها عن الزواج سيؤدي إلى عدم إنجابها مستقبلاً، خصوصاً أن مشكلة الخصوبة موجودة في السودان في ظل الاستخدام الخاطئ للمبيّضات وغيرها. وترى أن عزوف الشباب يحرمهم من إشباع رغباتهم الجنسية، أو إشباعها خارج النطاق الشرعي، علماً أن الأسرة هي عماد الاستقرار النفسي والاجتماعي.
حدث ذلك قبل نحو عامين. لكن في العام الماضي، دخل خالد في علاقة عاطفية مع فتاة أخرى، وأعلنا خطوبتهما وبدآ التجهيز للزواج. يشار إلى أنه في نهاية العام الماضي، دخل السودان في أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، ما أدى إلى عرقلة حياة خالد، أقلّه كما كان يخطط لها. يقول لـ "العربي الجديد": "كنتُ أنوي الزواج مع بداية العام الحالي. لذلك، شاركت في صندوق مشترك مع أفراد عائلتي حتى أتمكن من شراء كل ما أحتاج إليه من تجهيزات للبيت الذي أحلم به".
الكارثة، كما يصفها، وقعت حين استلم نصيبه من الصندوق، ووجد أن الأسعار زادت بنسبة 100 في المائة. حتى إن سعر غرفة النوم ارتفع إلى 26 ألف جنيه (نحو 1400 دولار)، بعدما كان في بداية العام 12 ألف جنيه (نحو 660 دولاراً)، وكذلك بقية المستلزمات، ما جعله يشعر بإحباط، وقرّر وخطيبته تأجيل موعد الزفاف إلى أجل غير مسمّى.
ويحمّل خالد مسؤولية تأخير زواجه للظروف الاقتصادية والعادات المجتمعية التي تفرض طقوساً مكلفة جداً، مبيناً أنه عُرض عليه الزواج الجماعي، الذي يزف عشرات الشباب في حفل واحد بدعم من جهات خيرية. يضيف خالد أنه على الرغم من قناعته بالفكرة، يدرك أن عائلته وعائلة خطيبته سترفضان الفكرة جملة وتفصيلاً، "كون هذا الأمر عيباً". يضيف: "لم يعد أمامنا من خيار سوى التفكير في تبسيط طقوس الزواج"، وقد اتفق مع خطيبته على إلغاء تقديم الذهب، وقضاء شهر عسل خارج السودان. كما اتفق وشقيقه، وهو مغنٍ شاب، على الاستعانة ببعض أصدقائه للغناء في حفل الزفاف.
وغالباً ما يجمع أصدقاء العريس في السودان مبالغ مالية لدعمه. لكن خالد يقول إنه في ظلّ تصاعد سعر الدولار وارتفاع الأسعار، طلب من أصدقائه تقديم هدايا عينية مثل مكواة أو تلفزيون وغيرهما.
قصّة خالد لا تختلف كثيراً عن قصة أحمد سعيد (33 عاماً)، الذي حدد يوم 22 سبتمبر/ أيلول المقبل موعداً لحفل زفافه. اشترى ذهباً بمبلغ 100 ألف جنيه (نحو خمسة آلاف دولار)، وعطوراً بـ 10 آلاف جنيه (نحو 550 دولاراً) من مدينة نيالا غرب السودان، حيث أسعار العطور الباريسية أقل بكثير من الخرطوم. كما دفع نحو 120 ألف جنيه (نحو 6600 دولار) بدل إيجار صالة الأفراح التي سيقام فيها الزفاف، ويشمل كلفة وجبة العشاء التي سيقدمها للضيوف، في حين يتوجب عليه تأمين مبلغ 20 ألف جنيه (نحو ألف ومائة دولار) لمغني الحفل، عدا عن الشيلة (كل احتياجات احتفالات الزواج والضيوف، وفيها عدد من جوالات السكر والشاي والصابون والفحم وصفائح الزيوت وغيرها من الاحتياجات)، وكلفتها 70 ألف جنيه (نحو 3800 دولار).
يعترف سعيد أن كل ما سبق يدخل في إطار البذخ، لكنّ هذا ما تفرضه عليه العادات والتقاليد. ويبيّن أن مصاريف ما بعد الزواج وبدل إيجار الشقة هما أكثر ما يؤرقه. أما محمد النور (47 عاماً)، فيقول لـ "العربي الجديد" إنّه يئس تماماً من جمع أموال تمكنه من الزواج. لذلك، فإما أن يكون زواجه بسيطاً أو يعزف عن الزواج.
ما قاله الشباب الثلاثة يعكس حال الشباب السوداني مع الزواج، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية. وتضاعفت أسعار السلع بنسبة تفوق المائة في المائة. وفي حديث مع صاحب "أولاد الحواتة" في سوق ليبيا غرب الخرطوم، وهو محل يبيع مستلزمات العرائس أو ما يعرف بـ "الشيلة"، عبد السميع محمود، قال لـ "العربي الجديد": "الإقبال على الشراء ضعيف جداً منذ بداية العام الحالي، بعد تدهور سعر الجنيه السوداني، في مقابل العملات الأجنبية والغلاء الطاحن في الأسواق السودانية". ويشير إلى أنه بات لا يبيع في اليوم أكثر من 5 شيلات وبسعر يصل إلى 25 ألف جنيه (نحو 1300 دولار). كما أن سعر الثوب السوداني الواحد يقدّر بما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف جنيه (ما بين 110 دولارات و166 دولاراً). وهناك أسعار أقل بكثير لكن قد لا تناسب العروس".
إلى ذلك، تقول الباحثة الاجتماعية ثريا إبراهيم إن أسباباً أخرى غير العاملين الاقتصادي والمعيشي تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج، أهمهما سلوك الشباب نفسه و"التقليد" في الممارسات الاجتماعية، وعدم رغبتهم في التحايل على الأوضاع الاقتصادية والاستسلام الكامل للظروف، وعدم قدرتهم على التخطيط والترتيب لحياتهم، فضلاً عن مسببات أخرى خارج إرادتهم، مثل العنصرية واستغلالهم اقتصادياً من قبل أسرهم، وعدم تشجيعهم على الزواج.
وحذرت إبراهيم من الآثار السلبية لعزوف الشباب عن الزواج، مشيرة إلى أن الفتاة هي الأكثر تضرراً، لأن تأخرها عن الزواج سيؤدي إلى عدم إنجابها مستقبلاً، خصوصاً أن مشكلة الخصوبة موجودة في السودان في ظل الاستخدام الخاطئ للمبيّضات وغيرها. وترى أن عزوف الشباب يحرمهم من إشباع رغباتهم الجنسية، أو إشباعها خارج النطاق الشرعي، علماً أن الأسرة هي عماد الاستقرار النفسي والاجتماعي.