"المدرسة مش حلوة". هكذا يجيب نصّار عند سؤاله عن سبب وجوده في متجر للدهانات وليس في المدرسة. والصبي الصغير لا يعمل بائعاً في ذلك المتجر في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، جنوبيّ لبنان، إنّما مع أحد جيرانه في طلاء الورش. صحيح أنّ تلك المهنة ليست سهلة على ابن الأعوام الاثنَي عشر، غير أنّه يمارسها منذ مدّة قصيرة ويبدو أنّه متمسّك بها، أقلّه اليوم.
في منزل متواضع في ذلك المخيّم، يعيش نصّار حسن سليمان الذي تعود أصوله إلى قرية غوير أبو شوشة الواقعة إلى شمال مدينة طبريا، مع عائلته التي لم تستطع أن تؤمّن له مستقبلاً في المدرسة. هو تسرّب منها مذ كان في الصف الثاني الأساسي، وصارت شوارع المخيّم مرتعه، إلى حين عرض أحد الجيران عليه وعلى أهله أن يعمل معه دهاناً. وهذا ما كان، فراح يتعلّم مهنة من شأنها أن تردّ عنه شرّ استجداء الناس وشرّ الشارع. وصار بالتالي يتقاضى أجراً أسبوعياً تختلف قيمته بحسب حجم العمل.
نصّار لا يجيد القراءة ولا الكتابة، على الرغم من المدّة التي قضاها في المدرسة. ولا يخفي أنّه لطالما عاقبه المدرّسون بالضرب. لذلك، قرّر التخلّي عن التعليم. لم يستطع تحمّل الأمر. يقول إنّه كان يخبر أهله بما يفعله المدرّسون به، فيقصدون مدرسته للاستفسار عما يحصل. لكنّ ذلك كان من دون جدوى. وهكذا، صار نصّار يكره مدرسته، في حين عجز أهله عن تأمين مدرسة أخرى له بسبب وضعهم المتردّي مادياً.
يخبر نصّار "العربي الجديد" بأنّ "أحداً لم يكن يعتني بي ويعمل على تدريسي. أهلي لم يكونوا قادرين على ذلك. لم يكن ذلك في استطاعتهم. وبالتالي، لم أكن قادراً على إنجاز واجباتي المدرسية بمفردي. وهذا الأمر عرّضني كثيراً للعقاب، لا سيّما من خلال الضرب. وصرت أهرب من المدرسة". ويؤكد: "أنا لا أحب المدرسة. لا أرغب في العودة إليها. وهي ليست جميلة". يضيف: "بعدما تركت المدرسة، رحت أجول في الشوارع وأبحث عن التسلية. لم أكن أعلم ماذا أفعل أو بماذا أعمل". ويتابع أنّه "قبل فترة، بدأت بالعمل في الدهان مع جار لنا. ومهمّتي هي أن أحفّ بالفرشاة الأمكنة التي يشير إليها صاحب الورشة، خصوصاً تلك المساحات الضيقة التي لا يستطيع الجميع الوصول إليها. فحجمي الصغير يساعد على ذلك". ويتابع الصغير الذي يبدو كأنّه كبر فجأة: "أحبّ العمل وأرغب فيه. هو حماني من الشارع وسوف يجعلني أؤمن مستقبلي".