كانت الشابة السورية سعاد العبد الله تودّع ذكرياتها وأحلامها خلال نزوحها الثاني، إذ غادرت حمص في نزوح أول إلى ريف إدلب. احتضنت طفلتيها بقوة، ثم تطلعت إلى منزلها الذي حوّله القصف إلى كومة من الركام، ودفن تحته جثة زوجها.
وقالت العبد الله لـ"العربي الجديد": "حين بدأ القصف، لم أكن أعرف أن زوجي فراس قد استشهد؛ كنت في الغرفة المجاورة مع طفلتي، وبعد خروجنا تحول المنزل إلى كومة من الركام، ودفن تحته زوجي، وكل ما أملك".
عاشت سعاد لحظات قاسية، إذ تحولت من زوجة إلى أرملة تعيل طفلتين وحدها في مواجهة مستقبل غامض، وتزاحمت في رأسها كومة من الذكريات المؤلمة قبل الوصول إلى مخيم "الضياء" الواقع على الحدود السورية التركية.
وقالت: "أرغب في الخروج من المنطقة، فطائرات النظام تحلّق فوقنا. أجر طفلتي الكبيرة بيد وأحضن الصغرى بالأخرى، وأفكر كيف تركت زوجي تحت الركام، فلم أستطع الانتظار حتى إخراجه. لست الوحيدة هنا التي عاشت تلك التجربة، فالشوارع تمتلئ بالفارين من الموت نتيجة الحملة التي تشنها قوات النظام للسيطرة على شمال غرب سورية".
استقلت سعاد سيارة مع طفلتيها، ولم تكن تملك رفاهية حزم أمتعتها قبل النزوح، وتكرر أنها كانت ترجو أن يتمكن زوجها من مرافقتها في رحلتها، وتتذكر حديثه عن العودة إلى مدينتهم حمص. "الآن، أنا وحيدة، وحزينة. لم يعد فراس معنا، فالغارة الجوية قتلته، وقتلت أحلامنا معه".
وصلت سعاد إلى المخيم بعد معاناة، لتبدأ رحلة البحث عن خيمة تقيها وطفلتيها البرد والمطر. "ليتني مت قبل هذا". كان هذا شعورها في مواجهة ما تمرّ به، فهي عاجزة عن إعالة طفلتيها، وما تقدمه المنظمات لا يسد رمقهن.
وقالت: "برودة الطقس زادت المعاناة، والمنخفض الجوي الأخير زاد من سوء حالتنا، إذ إن درجة الحرارة دون الصفر، ولا توجد وسائل تدفئة، ونحن نفترش الأرض، ونلتحف قطعاً من الأقمشة صنعت منها خيمة لا تقي البرد ولا تمنع تسرب المطر".
وتقول النازحة الأربعينية، أم أحمد: "خلال الأسبوع الماضي، سمعنا خبر وفاة عائلة كاملة اختناقاً بدخان المدفأة، فانتابتني رغبة في الخروج من المخيم. لكن إلى أين؟ فأنا غير قادرة على تكلفة الإيجار، ما اضطرنا إلى البقاء".
وأضافت أم أحمد: "ألا نستحق غرفة في مكان آمن بعد ما مرّ علينا من مصائب؟ ألا تكفي السنوات الماضية التي عانينا فيها الأمرين؟ لم تعد في جعبتنا قدرة على التحمل، فقد دمرت الحرب قدرتنا على مواجهة أعباء الحياة".
ليس حال مالك ومنصور حمادة أفضل من بقية النازحين، إذ يقولان لـ"العربي الجديد" إن "الوضع في المخيم مأساوي، وموجة الصقيع يصعب تحملها. اضطررنا إلى اللجوء للمخيم بسبب ارتفاع الإيجارات التي تصل إلى 200 دولار في الشهر الواحد، وهي تكلفة لا نستطيع تحمّلها".
وقال مدير مخيم خير الشام الواقع على الحدود السورية التركية، أيمن قاسم، لـ"العربي الجديد"، إن "520 عائلة تقيم في المخيم، ولا تحصل أي منها على مساعدات. يجمع سكان المخيم أغصان الأشجار والقمامة والأحذية والألبسة البالية لاستخدامها في التدفئة، والواقع المعيشي صعب، في ظل انعدام فرص العمل التي تعينهم على الحياة الكريمة وعدم انتظار المساعدات الإنسانية".
وأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير أنها وثقت مقتل 258 مدنياً، بينهم 79 طفلاً و33 سيدة، منذ بدء هجمات النظام السوري على شمال غرب سورية في 12 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وقالت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشيه، إن "900 ألف مدني، معظمهم من الأطفال والنساء، نزحوا بسبب الهجمات الأخيرة على ريفي حلب وإدلب، لتشهد سورية أكبر حالة نزوح منذ عام 2011"، وأعربت عن قلقها إزاء ارتفاع عدد النازحين في ظل تقدم النظام السوري، ما يشكل كارثة إنسانية في جميع المناطق الحدودية التي تكتظ بالنازحين.