يقع كثر من العمالة الأجنبية ضحية تجار الإقامات في الكويت، الذين يستغلّون العمال الباحثين عن لقمة العيش والمستعدين لدفع المال في مقابل الحصول على الإقامة والعمل، قبل رميهم في الشارع
كشفت أزمة فيروس كورونا عن وجه قبيح لتجارة الإقامات في الكويت، والتي أدّت إلى كارثة إنسانية وقع ضحيتها الآلاف من العمال الذين وجدوا أنفسهم منذ الأيام الأولى لتوقف الأعمال التجارية من دون عمل ومأكل ومشرب، وسط سعي من الحكومة الكويتية للقضاء نهائياً على هذه المشكلة. ويقول المصري أيمن أحمد، الذي دخل الكويت بعد دفعه 1200 دينار كويتي (نحو 3800 دولار أميركي) إلى سمسار من الجنسية نفسها في مقابل إدخاله الكويت والعمل سائق شاحنة، إنه فوجئ بأن الشركة التي قدم على كفالتها وهمية وتعمل في تجارة الإقامات.
واضطرّ أيمن للعمل في مجال المقاولات بأجر يومي سعياً لتأمين ما يعينه على العيش في الكويت وإرسال المال إلى عائلته التي تعتمد عليه، إضافة إلى سداد القرض المالي الذي اضطر إلى استدانته لتغطية نفقات مجيئه إلى الكويت، وشرائه الإقامة من تاجر إقامات كويتي عبر سمسار مصري.
قصة أيمن هي واحدة من آلاف القصص للعمالة المصرية والهندية والبنغلادشية التي وجدت نفسها ضحية عصابات منظمة من تجار الإقامات بإشراف سماسرة من بلادهم وآخرين كويتيين يتقاضون مبالغ عالية نظير هذا العمل، في إطار شركات وهمية.
وبعدما انتهى عقد محمد محمد مياه، وهو عامل نظافة من الجنسية البنغلادشية، مع إحدى شركات التنظيف المتعاقدة مع الحكومة، عرض عليه موظف كويتي في إحدى الوزارات نقل إقامته إلى شركة يملكها. لكن مياه فوجئ بعد أشهر بأن إقامته قد جمدت بسبب إغلاق الشركة على الرغم من المبالغ المالية الطائلة التي دفعها لها، ما اضطره للعيش مخالفاً لقانون الإقامة والعمل بأعمال غير قانونية، مثل بيع الخضار في شوارع منطقة جليب الشيوخ حيث يسكن.
وبينما اضطرّ ضحايا تجارة الإقامات من الذكور إلى العمل ببدل أجر يومي أو البيع في الشوارع، اضطرّت نساء كثيرات من ضحايا تجارة الإقامات، خصوصاً من الجنسيات الأفريقية، إلى العمل في الدعارة والسرقة، فيما تعمل المحظوظات منهن في صالونات الحلاقة النسائية والتي أُغلقت مؤخراً بسبب فيروس كورونا، بحسب محامٍ متابع لقضايا الإقامة.
ويقول محمد خالد العجمي، وهو عضو في جمعية حقوق الإنسان الكويتية، لـ"العربي الجديد": "زرتُ مع ناشطين منطقة جليب الشيوخ، التي تمثّل معقل العمالة الوافدة المخالفة لقوانين الإقامة في الكويت، والتي لا تستطيع الشرطة دخول بعض أزقتها بسبب العشوائية في البناء، وشاهدت مشاهد مروعة للمتضررين من تجارة الإقامات. بعضهم لم يأكل منذ يومين قبل أن تتدخل الجمعيات الخيرية وتقدّم وجبات طعام للمتضرّرين". يضيف العجمي أن "هذا المشهد واحد من مئات المشاهد للمتضررين من تجارة الإقامات"، مشيراً إلى "تهاون بعض القطاعات الحكومية المعنية بشؤون العمال، مثل الهيئة العامة للقوى العاملة مع الشركات التي تخلت عن الأشخاص الذين جاؤوا إلى البلاد على كفالتها".
اقــرأ أيضاً
ويرفض كثير من هؤلاء العمال العودة إلى بلدانهم قبل أن يسترجعوا تكاليف الإقامة التي دفعوها لصالح السماسرة وتجار الإقامات والذين وعدوهم بالحصول على رواتب مغرية في الكويت. ويقول المحامي أحمد الصليلي، وهو خبير قانوني متخصص في قضايا تجارة الإقامات لـ"العربي الجديد" إن "تجارة الإقامات ھي نتیجة أخطاء سیاسات حكومیة متراكمة لمدّة طویلة من الزمن، والتي دائماً ما یتم إخفاؤھا بقصد أو من دون قصد من قبل السیاسیین، وسببھا الأساسي ھو استغلال النفوذ أو الواسطة". وعلى الرغم من وجود قانون یجرم الاتجار بالبشر، إلا أن المشكلة تكمن في تطبيق هذا القانون وجدية الحكومة في إجراءاتها.
يضيف الصليلي الذي تولّى مجموعة من القضايا المتعلقة بتجارة الإقامات أنه "لولا فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية التي لحقت بالبلاد، لما تجرأ العمال على تقديم شكاوى بحق تجار الإقامات والشركات التي يديرونها". واتخذت الحكومة الكويتية عدداً من الإجراءات لإنهاء أزمة تجارة الإقامات، أبرزها إسقاط الغرامات المترتبة على مخالفة قانون الإقامة للمخالفين والتكفل بنفقات إعادتهم إلى بلادهم مع السماح لهم بالعودة للكويت وفق إقامات جديدة بعد انتهاء الأزمة، على أن يسلموا أنفسهم لمراكز مخصصة للإيواء. وتبلغ الغرامة المفروضة على المقيم المنتهية إقامته في البلاد دينارين كويتيين (نحو 6 دولارات) يومياً.
وسلم أكثر من 31 ألف مخالف لقانون الإقامة، غالبيتهم من ضحايا تجار الإقامات، أنفسهم، للاستفادة من المهلة القانونية التي منحت لهم طوال شهر إبريل/ نيسان الماضي. وعمدت وزارة الداخلية إلى التحقيق مع ضحايا تجار الإقامات، والحصول على أسماء سماسرة تجارة الإقامات والتجار الرئيسيين من الجنسية الكويتية الذين تورطوا في إدخالهم إلى البلاد عبر التحايل على قوانين الكفالة والإقامة. واعتقلت السلطات الكويتية على الفور أكثر من 20 مواطناً كويتياً، بينهم ضباط كبار في وزارة الداخلية، وقد اعترف المتضررون من تجارة الإقامات بأسمائهم. كما اعتقلت 60 سمساراً غالبيهم من الجنسية المصرية، كانوا يقومون بإنشاء الشركات الوهمية وجلب العمالة في مقابل مبالغ مالية، ثم يتركون العمال في الشوارع بلا عمل.
اقــرأ أيضاً
وقال وزير الداخلية أنس الصالح إن وزارة الداخلية تواصل بشكل أسبوعي إحالة ملفات الشركات المخالفة والمتورطة في تجارة الإقامات إلى النيابة العامة واعتقال أصحابها والمسؤولين عنها تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة الاتجار بالبشر وفق قانون 91/2013 الذي يعرّض المتاجرين بالإقامات للسجن لمدة تصل إلى 10 أعوام.
من جهته، يقول النائب في مجلس الأمة، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان عادل الدمخي لـ"العربي الجديد" إن "الحزم الحكومي في مواجهة تجارة الإقامات مطلوب، على الرغم من أن الحكومة وعدت منذ أكثر من 20 عاماً بالقضاء على هذه الظاهرة التي قهرت البسطاء والفقراء، وأدت إلى تشويه صورة الكويت دولياً وتوجيه أكثر من ملاحظة لها من قبل منظمات إنسانية ودولية".
ويرى الدمخي أن الحل الجذري لا يتمثل في سجن تجار الإقامات فحسب بل في إقرار قوانين جديدة للكفالة والإقامة وآليات منح تأشيرات الدخول إلى الكويت، أو إلغاء نظام الكفالة كلياً كما فعلت قطر، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي ألغت قانون الكفالة. ويقول إن إقرار قانون مثل هذا له تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية ويحتاج إلى تعاون مجلس الأمة والحكومة وانتداب خبراء متخصصين بحقوق الإنسان وبالتركيبة السكانية لإنهاء هذه المشكلة التي تمثل حالة صداع كبيرة للبلاد.
واضطرّ أيمن للعمل في مجال المقاولات بأجر يومي سعياً لتأمين ما يعينه على العيش في الكويت وإرسال المال إلى عائلته التي تعتمد عليه، إضافة إلى سداد القرض المالي الذي اضطر إلى استدانته لتغطية نفقات مجيئه إلى الكويت، وشرائه الإقامة من تاجر إقامات كويتي عبر سمسار مصري.
قصة أيمن هي واحدة من آلاف القصص للعمالة المصرية والهندية والبنغلادشية التي وجدت نفسها ضحية عصابات منظمة من تجار الإقامات بإشراف سماسرة من بلادهم وآخرين كويتيين يتقاضون مبالغ عالية نظير هذا العمل، في إطار شركات وهمية.
وبعدما انتهى عقد محمد محمد مياه، وهو عامل نظافة من الجنسية البنغلادشية، مع إحدى شركات التنظيف المتعاقدة مع الحكومة، عرض عليه موظف كويتي في إحدى الوزارات نقل إقامته إلى شركة يملكها. لكن مياه فوجئ بعد أشهر بأن إقامته قد جمدت بسبب إغلاق الشركة على الرغم من المبالغ المالية الطائلة التي دفعها لها، ما اضطره للعيش مخالفاً لقانون الإقامة والعمل بأعمال غير قانونية، مثل بيع الخضار في شوارع منطقة جليب الشيوخ حيث يسكن.
وبينما اضطرّ ضحايا تجارة الإقامات من الذكور إلى العمل ببدل أجر يومي أو البيع في الشوارع، اضطرّت نساء كثيرات من ضحايا تجارة الإقامات، خصوصاً من الجنسيات الأفريقية، إلى العمل في الدعارة والسرقة، فيما تعمل المحظوظات منهن في صالونات الحلاقة النسائية والتي أُغلقت مؤخراً بسبب فيروس كورونا، بحسب محامٍ متابع لقضايا الإقامة.
ويقول محمد خالد العجمي، وهو عضو في جمعية حقوق الإنسان الكويتية، لـ"العربي الجديد": "زرتُ مع ناشطين منطقة جليب الشيوخ، التي تمثّل معقل العمالة الوافدة المخالفة لقوانين الإقامة في الكويت، والتي لا تستطيع الشرطة دخول بعض أزقتها بسبب العشوائية في البناء، وشاهدت مشاهد مروعة للمتضررين من تجارة الإقامات. بعضهم لم يأكل منذ يومين قبل أن تتدخل الجمعيات الخيرية وتقدّم وجبات طعام للمتضرّرين". يضيف العجمي أن "هذا المشهد واحد من مئات المشاهد للمتضررين من تجارة الإقامات"، مشيراً إلى "تهاون بعض القطاعات الحكومية المعنية بشؤون العمال، مثل الهيئة العامة للقوى العاملة مع الشركات التي تخلت عن الأشخاص الذين جاؤوا إلى البلاد على كفالتها".
ويرفض كثير من هؤلاء العمال العودة إلى بلدانهم قبل أن يسترجعوا تكاليف الإقامة التي دفعوها لصالح السماسرة وتجار الإقامات والذين وعدوهم بالحصول على رواتب مغرية في الكويت. ويقول المحامي أحمد الصليلي، وهو خبير قانوني متخصص في قضايا تجارة الإقامات لـ"العربي الجديد" إن "تجارة الإقامات ھي نتیجة أخطاء سیاسات حكومیة متراكمة لمدّة طویلة من الزمن، والتي دائماً ما یتم إخفاؤھا بقصد أو من دون قصد من قبل السیاسیین، وسببھا الأساسي ھو استغلال النفوذ أو الواسطة". وعلى الرغم من وجود قانون یجرم الاتجار بالبشر، إلا أن المشكلة تكمن في تطبيق هذا القانون وجدية الحكومة في إجراءاتها.
يضيف الصليلي الذي تولّى مجموعة من القضايا المتعلقة بتجارة الإقامات أنه "لولا فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية التي لحقت بالبلاد، لما تجرأ العمال على تقديم شكاوى بحق تجار الإقامات والشركات التي يديرونها". واتخذت الحكومة الكويتية عدداً من الإجراءات لإنهاء أزمة تجارة الإقامات، أبرزها إسقاط الغرامات المترتبة على مخالفة قانون الإقامة للمخالفين والتكفل بنفقات إعادتهم إلى بلادهم مع السماح لهم بالعودة للكويت وفق إقامات جديدة بعد انتهاء الأزمة، على أن يسلموا أنفسهم لمراكز مخصصة للإيواء. وتبلغ الغرامة المفروضة على المقيم المنتهية إقامته في البلاد دينارين كويتيين (نحو 6 دولارات) يومياً.
وسلم أكثر من 31 ألف مخالف لقانون الإقامة، غالبيتهم من ضحايا تجار الإقامات، أنفسهم، للاستفادة من المهلة القانونية التي منحت لهم طوال شهر إبريل/ نيسان الماضي. وعمدت وزارة الداخلية إلى التحقيق مع ضحايا تجار الإقامات، والحصول على أسماء سماسرة تجارة الإقامات والتجار الرئيسيين من الجنسية الكويتية الذين تورطوا في إدخالهم إلى البلاد عبر التحايل على قوانين الكفالة والإقامة. واعتقلت السلطات الكويتية على الفور أكثر من 20 مواطناً كويتياً، بينهم ضباط كبار في وزارة الداخلية، وقد اعترف المتضررون من تجارة الإقامات بأسمائهم. كما اعتقلت 60 سمساراً غالبيهم من الجنسية المصرية، كانوا يقومون بإنشاء الشركات الوهمية وجلب العمالة في مقابل مبالغ مالية، ثم يتركون العمال في الشوارع بلا عمل.
وقال وزير الداخلية أنس الصالح إن وزارة الداخلية تواصل بشكل أسبوعي إحالة ملفات الشركات المخالفة والمتورطة في تجارة الإقامات إلى النيابة العامة واعتقال أصحابها والمسؤولين عنها تمهيداً لمحاكمتهم بتهمة الاتجار بالبشر وفق قانون 91/2013 الذي يعرّض المتاجرين بالإقامات للسجن لمدة تصل إلى 10 أعوام.
من جهته، يقول النائب في مجلس الأمة، رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان عادل الدمخي لـ"العربي الجديد" إن "الحزم الحكومي في مواجهة تجارة الإقامات مطلوب، على الرغم من أن الحكومة وعدت منذ أكثر من 20 عاماً بالقضاء على هذه الظاهرة التي قهرت البسطاء والفقراء، وأدت إلى تشويه صورة الكويت دولياً وتوجيه أكثر من ملاحظة لها من قبل منظمات إنسانية ودولية".
ويرى الدمخي أن الحل الجذري لا يتمثل في سجن تجار الإقامات فحسب بل في إقرار قوانين جديدة للكفالة والإقامة وآليات منح تأشيرات الدخول إلى الكويت، أو إلغاء نظام الكفالة كلياً كما فعلت قطر، وهي الدولة الخليجية الوحيدة التي ألغت قانون الكفالة. ويقول إن إقرار قانون مثل هذا له تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية ويحتاج إلى تعاون مجلس الأمة والحكومة وانتداب خبراء متخصصين بحقوق الإنسان وبالتركيبة السكانية لإنهاء هذه المشكلة التي تمثل حالة صداع كبيرة للبلاد.