100 عام على الوعد المشؤوم

01 نوفمبر 2017
وقفة ضد وعد بلفور في نابلس (نضال اشتيه/الأناضول)
+ الخط -
نجحت بريطانيا بتطبيق وتنفيذ وعد بلفور، وزرعت بالقوة دولة الاحتلال في قلب العالم العربي والإسلامي، وتسببت بعدة حروب في المنطقة، وبمعاناة متواصلة لأكثر من 12 مليون فلسطيني، عبر مجازر نجم عنها طرد وتهجير قرابة سبعة ملايين فلسطيني في منافي الأرض، دون أن يرف لبريطانيا جفن، ودون أن تعتذر بعد 100 عام عن كل ما تسبب به هذا الوعد، الذي يشبعه العرب والفلسطينيون شتماً وشجباً واستنكاراً كلما حلت ذكراه.

بعد 100 عام على وعد بلفور، ما زالت بريطانيا لا تملك رصيداً كافياً من قوة أخلاقية تدفعها للإقرار بذنبها وجريمتها بحق شعب فلسطين، وإلا كيف نفسر إصرارها على عدم الاعتذار عن وعد بلفور؟ حيث يأتي تأكيد تيريزا ماي، رئيسة وزراء بريطانيا الحالية، أنها ستحتفل بمئوية وعد بلفور، وتعبيرها عن فخرها بدور بريطانيا في إقامة دولة "إسرائيل"، دلالة واضحة على عدم الالتفات لمناشدات ومطالب العرب للاعتذار، في استخفاف واضح وبَيِّن.


كالعادة، وبعد 100 عام سيُحيي الفلسطينيون الذكرى السنوية لوعد بلفور بمسيرات غاضبة، ودعوات تطالب بريطانيا بتقديم الاعتذار عن تداعيات وآثار الوعد، ومنحهم دولة فلسطينية؛ لكن شتان بين من يطالب ويملك القوة لتحقيق مطالبه، وبين من يطالب دون قوة، فالعلاقات بين الدول تقوم على القوة، وليس على الحق والعواطف والدموع.

خلال 100 عام، استطاعت بريطانيا تمزيق العرب إلى شعوب وقبائل، ونجحت بالاستفراد وتحويل القضية الفلسطينية من قضية العرب والمسلمين الأولى، إلى قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، ومن ثم تم تقزيمها لتمثلها منظمة التحرير، التي يرى البعض أنها اعترفت بوعد بلفور عبر اتفاق "أوسلو"، واستثناء حركتي "حماس" و"الجهاد" اللتين لا تعترفان بـ"إسرائيل"، بل تعلنان في مناسبات عدة العمل على إزالة كيان الاحتلال، كما قال يحيى السنوار قائد "حماس" في قطاع غزة، قبل أيام.

بعد 100 عام، منظمة التحرير اعترفت بحق اليهود في فلسطين عبر"أوسلو"، مع أن وعد بلفور لم يطلب هذا الأمر، على أمل إقامة دولة فلسطينية، والمفارقة أن الذي أقيم مكانها هو دولة للمستوطنين في الضفة الغربية.

بريطانيا ووعدها المشؤوم والاحتلال ليسوا قدر العرب والشعب الفلسطيني، فقدرهم العمل والتضحية لكنس الاحتلال، كون العالم من حولنا لا يرحم ولا يعترف بالضعفاء؛ بل يحترم كل من يأخذ بأسباب القوة ويفرض كلمته فرضاً، وينتزع حقوقه انتزاعاً.

نجاح المقاومة اللبنانية بطرد الاحتلال من جنوب لبنان، ونجاح المقاومة الفلسطينية بطرد الاحتلال من غزة وإجباره على هدم 20 مستوطنة، ما هو إلا دليل على ضعف وهشاشة الاحتلال وقوة المقاومة، وقرب زوال الكيان المصطنع والغريب، وهو ما أقر به رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قبل أيام في جلسة دينية مغلقة في منزله حيث قال: "إن وجودنا ليس بديهياً، وإنه سيبذل كل ما في وسعه للدفاع عن الدولة، والمملكة الحشمونية – دولة يهودية قديمة دامت 80 عاماً- وإن علينا بدولة إسرائيل أن نتخطى ونمر هذه الفترة"، وكأنه يستشعر، أو يحذر جمهوره، بأن 100 عام لم تكن كافية لا لتثبيت الاحتلال وكيانه، ولا لإخماد جذوة المقاومة التي تصر على إنجاز الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.

بريطانيا عبر وفائها بوعدها، والولايات المتحدة الأميركية، بدعمها اللامشروط واللامحدود، تحاولان طيلة مائة عام توطين السرطان الاسرائيلي، وجعل الكيان الغاصب جزءاً أصيلاً من العالم العربي والإسلامي، وهو ما ينافي طبيعة الأشياء، ولا يستقيم مع حقيقة أن لاعلاج مع السرطان سوى الاستئصال.