يظل الحديث عما بات يعرف باسم صفقة القرن، للتطبيع الكامل بين العرب ودولة الاحتلال، حتى قبل حل القضية الفلسطينية، مرهونا بما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية في أواسط شهر مايو/ أيار الماضي، حول تقديم "الدول العربية السنية المعتدلة"، وفق المصطلح الذي كرسه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لجهة كشف العرب المذكورين لكل أوراقهم أمام إسرائيل وكشف "الفوائد" التي يعرضونها على تل أبيب مقابل تسوية، والأصح تصفية القضية الفلسطينية للانتقال لحالة تطبيع شامل، بمجرد إطلاق عملية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين.
في المقابل وعلى مدار العامين الأخيرين، انتقل نتنياهو مدفوعا بالموافقة المصرية والأردنية العلنية، وموافقة السلطة الفلسطينية الضمنية، على أثر قمة العقبة السرية التي جمعت كلا من نتنياهو والعاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، ورئيس نظام الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، بحضور وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري، وبمعرفة، دون مشاركة، الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إلى الحديث عن مبادرة سلام إقليمية تقوم على وجوب تعجيل السلام مع العرب دون الاشتغال أولا بحل القضية الفلسطينية.
وفيما أظهر العرب، بحسب وول ستريت جورنال، "ربما كعادتهم، كرما حاتميا" في تفصيل فوائد التطبيع إذا قبلت به إسرائيل، فقد حرص نتنياهو على تقديم القليل جدا حتى على مستوى التصريح، مكتفيا بتكرار مقولة إن المبادرة العربية، وزيادة في دغدغة مشاعر النظام السعودي، المبادرة السعودية، تحمل في طياتها بعض النقاط الإيجابية، التي يمكن لها أن تكون أساسا لمبادرة إقليمية، دون تقديم أي التزام أو تصور للرؤية الإسرائيلية لطبيعة الحل أو شكله النهائي.
لكن نتنياهو ومقابل "البخل" الشديد في الكشف عن تفاصيل ما يراه، لشركائه العرب، فإنه يصر في تصريحات متكررة في الإعلام الإسرائيلي على أن ما تقبل به إسرائيل هو في شكل الحل النهائي لا يعني دولة فلسطينية مستقلة، بل أقل من ذلك، مستخدما تعبير دولة ناقصة السيادة.
وحدد نتنياهو سقف التنازلات الإسرائيلية في خطابه في متحف إسرائيل عند زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل في مايو الماضي، عندما أكد أنه في أي حل مستقبلي يجب أن تبقى السيطرة الأمنية والعسكرية الكاملة في الضفة الغربية لإسرائيل، وأن السفوح الشرقية لسلسلة جبال الضفة الغربية المطلة على غور الأردن، يجب أن تبقى الحدود الأمنية لإسرائيل. مع رفض إسرائيلي للخطة الأمنية للجنرال الأميركي، جون ألان، التي كان الجيش الإسرائيلي نفسه يعتبرها كافية لاحتياجات إسرائيل الأمنية.
وزيادة في التأكيد على السقف الإسرائيلي للتنازلات، عاد نتنياهو ووزراؤه إلى القول إن موقفهم هذا ليس ليكوديا، بل هو امتداد للموقف الرسمي المعلن لرئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، وفق آخر خطاب ألقاه أمام الكنيست في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1995، أي قبل شهر واحد من اغتياله. وفي هذا الخطاب حدد رابين الحدود التي يراها لإسرائيل، مؤكدا أن الاتفاق مع الفلسطينيين لن يفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة: "ستكون حدود إسرائيل في اتفاق الحل الدائم خلف حدود ما قبل حرب حزيران (يونيو). لن نعود لحدود الرابع من حزيران". كما أن رابين لم يتحدث مطلقا عن مسألة تبادل أراض، بل اعتبر أن الكتل الاستيطانية الكبرى ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية، بما فيها مستوطنة معاليه أدوميم، ورفض أي حديث عن عاصمة فلسطينية في القدس المحتلة، أو الانسحاب من الشطر الشرقي للمدينة.
لكن من قدم الحل في ذلك الوقت لمعضلة القدس، لم يكن أحدا غير الرئيس الفلسطيني الحالي، محمود عباس، ضمن الوثيقة التي عرفت لاحقا بوثيقة أبو مازن بيلين وتحدثت عن اعتبار قرية أبو ديس التي ضمها الاحتلال للقدس عام 1967، عاصمة إدارية وسياسية للدولة الفلسطينية، وهو ما فسر لاحقا سبب إقامة مقر للمجلس التشريعي الفلسطيني في أبو ديس.
لكن كل التنازلات التي سبقت عهد ترامب لم تكن كافية، وحتى خطاب نتنياهو في جامعة بار إيلان، تحت ضغط إدارة الرئيس السابق باراك أوباما في دورته الأولى كان الهدف منه، بحسب تسريبات مستشارين لنتنياهو، يوم خطاب ترامب في متحف إسرائيل في القدس الغربية، إضاعة الوقت وتلافي الضغوط لا غير، وهو ما كان تكرر لاحقا بين سبتمبر/ أيلول 2013 وإبريل/ نيسان 2014 خلال المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية، وفق مبادرة جون كيري، حيث كشفت النائبة آنذاك، ونائبة وزير الخارجية حاليا، تسيبي حوطيبيلي، في فبراير/ شباط من العام 2014، أن نتنياهو أبلغ أعضاء كتلة الليكود البرلمانية أن كل الهدف من المفاوضات الجارية هو كسب الوقت ومنع خطوات فعلية من المجتمع الدولي ضد دولة الاحتلال.
وبالعودة إلى صفقة القرن، فإن إطلاقها بهذا الشكل، جاء بالأساس من طرف الدول العربية "السنية المعتدلة" في عرضها تطبيعا كاملا مع إسرائيل، لمجرد قبولها بإطلاق تحرك سياسي مع الفلسطينيين، كجزء من مساعي هذه الدولة وعلى رأسها السعودية، لاستعادة وتفعيل دور أميركي في الخليج مساند لها، بعدما اعتبرت هذه الدول أن انسحاب إدارة أوباما من أي دور في الخليج وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، كشفها أمام طهران وأمام النفوذ الإيراني، وأضعفها، وهو ما فتح المنفذ عمليا أمام الغزل الإسرائيلي مع الخليج "السني والمعتدل"، بحسب التوصيف الإسرائيلي، وبدء محاولات تطبيع سرية، تمثلت بلقاءات خليجية مختلفة على مر السنوات الأخيرة، كان أبرزها زيارات متعددة لعدد من الوزراء الإسرائيليين لدول في الخليج، وخاصة دولة الإمارات العربية، أبرزها زيارة ومشاركة الوزيرين الإسرائيليين عوزي لنداو وسيلفان شالوم، في مؤتمرات في الإمارات، ناهيك عن لقاءات متعددة عقدها وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق، المقرب من نتنياهو، دوري غولد، مع عدد من المسؤولين في الخليج، إضافة إلى زيارة الجنرال المتقاعد أنور العشقي لتل أبيب، والمصافحات العلنية بين تركي الفيصل ومسؤولين إسرائيليين سواء في مؤتمر ميونخ للأمن، مع الوزيرة الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، أم في مقر الأمم المتحدة، مع السفير الإسرائيلي السابق داني أيالون.
وقد أخذ زخم التحركات الإقليمية نحو صفقة القرن زخمه الفعلي بعد زيارة ترامب للسعودية، التي أعقبتها زيارة لإسرائيل، أثنى ترامب خلالها كثيرا على "حكمة" وخبرة العاهل السعودي، فيما كرر نتنياهو لازمة الحديث عن تقاطع المصالح المشتركة بين إسرائيل ودول "المحور السني المعتدل"، وأن الطرفين يعتبران إيران العدو، وأن القضية الفلسطينية لم تعد تشكل العائق الأساسي بنظر هذه الدول بحيث تحول دون التوصل إلى اتفاق سلام وتطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل.
لكن أخطر ما تتسم به صفقة القرن، أو ما يرافق الحديث عنها، هو الاقتناع أو الرضوخ الفلسطيني الرسمي لسيناريوهاتها، وهو ما تجلى أخيرا بأكثر من موقف وتحرك، وفي آخر هذه التحركات، الاتفاق الإسرائيلي - الفلسطيني بشأن بيع المياه المحلاة من مشروع ناقل البحرين إلى الطرف الفلسطيني والأردني، والاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني بشأن بناء أربع محطات لتوليد الكهرباء في الضفة الغربية، وسبقتها كذلك اتفاقيات أردنية إسرائيلية وأردنية فلسطينية لشراء الغاز من إسرائيل. وتؤشر هذه الاتفاقيات والتحركات إلى قبول فلسطيني بالمبدأ الرسمي لسياسة حكومة نتنياهو ببناء السلام الاقتصادي أولا، ومن ثم وصولا إلى السلام السياسي، ولكن وفق سقف إسرائيلي منخفض للغاية، يكون الفلسطينيون خلال المفاوضات بشأنه في وضع لا يمكنهم الانسحاب من المفاوضات أو رفض ما يعرض عليهم، خاصة إذا كان التطبيع مع العرب قد قطع شوطا كبيرا، وعندها لن يملكوا حتى ولو ظاهريا تأييدا عربيا لمواقفهم، كما كان الحال مع الرئيس ياسر عرفات عند انهيار مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 وما تبع ذلك من اندلاع الانتفاضة الثانية.
ويبدو أن إسرائيل تراهن أكثر من أي شيء على أنه "سيكون للفلسطينيين"، والأدق طبعا للسلطة الفلسطينية وأقطابها، الكثير مما يخسرونه، وذلك بالاعتماد على تجربة الرئيس الراحل عرفات وحصاره في رام الله بعد اندلاع الانتفاضة الثانية بفعل فشل مفاوضات كامب ديفيد، إذ ظل عرفات محاصرا في المقاطعة في رام الله ولم تحرك أي من الدول العربية، بما فيها التي أقامت علاقات سلمية مع إسرائيل، الأردن ومصر، ساكنا.
هذا السلوك الأردني والمصري تحديدا، هو المنطق المحرك للسياسة الإسرائيلية في سعيها للتطبيع والسلام مع العرب قبل الفلسطينيين، وهو ما تسعى إسرائيل لتحقيقه في صفقة القرن، لأنها تعتمد على أنه في اللحظة التي توقع فيها أي دولة عربية اتفاقا معها، فإنها لن تتراجع عنه بعد ذلك، بل إن هذه الدول لن تقوم حتى باستدعاء سفراء إسرائيل المعتمدين لديها لتوبيخهم، أو حتى استدعاء سفرائها للعودة إلى الوطن، حتى لو أغلق الاحتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين ومنع الصلاة فيه ومنع رفع الأذان من مآذنه، فإن أقصى ما سيفعله العرب هو الاستنكار والمطالبة بإعادة فتح المسجد، فتحرير القدس والأقصى بات خارج القاموس العربي، وبات مصطلحا يضر بمستقبل العلاقات التي تعول عليها دول "المحور السني المعتدل"، وتتمنى أن تقبل بها إسرائيل.
اقــرأ أيضاً
وفيما أظهر العرب، بحسب وول ستريت جورنال، "ربما كعادتهم، كرما حاتميا" في تفصيل فوائد التطبيع إذا قبلت به إسرائيل، فقد حرص نتنياهو على تقديم القليل جدا حتى على مستوى التصريح، مكتفيا بتكرار مقولة إن المبادرة العربية، وزيادة في دغدغة مشاعر النظام السعودي، المبادرة السعودية، تحمل في طياتها بعض النقاط الإيجابية، التي يمكن لها أن تكون أساسا لمبادرة إقليمية، دون تقديم أي التزام أو تصور للرؤية الإسرائيلية لطبيعة الحل أو شكله النهائي.
لكن نتنياهو ومقابل "البخل" الشديد في الكشف عن تفاصيل ما يراه، لشركائه العرب، فإنه يصر في تصريحات متكررة في الإعلام الإسرائيلي على أن ما تقبل به إسرائيل هو في شكل الحل النهائي لا يعني دولة فلسطينية مستقلة، بل أقل من ذلك، مستخدما تعبير دولة ناقصة السيادة.
وحدد نتنياهو سقف التنازلات الإسرائيلية في خطابه في متحف إسرائيل عند زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإسرائيل في مايو الماضي، عندما أكد أنه في أي حل مستقبلي يجب أن تبقى السيطرة الأمنية والعسكرية الكاملة في الضفة الغربية لإسرائيل، وأن السفوح الشرقية لسلسلة جبال الضفة الغربية المطلة على غور الأردن، يجب أن تبقى الحدود الأمنية لإسرائيل. مع رفض إسرائيلي للخطة الأمنية للجنرال الأميركي، جون ألان، التي كان الجيش الإسرائيلي نفسه يعتبرها كافية لاحتياجات إسرائيل الأمنية.
وزيادة في التأكيد على السقف الإسرائيلي للتنازلات، عاد نتنياهو ووزراؤه إلى القول إن موقفهم هذا ليس ليكوديا، بل هو امتداد للموقف الرسمي المعلن لرئيس الحكومة الأسبق، إسحاق رابين، وفق آخر خطاب ألقاه أمام الكنيست في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 1995، أي قبل شهر واحد من اغتياله. وفي هذا الخطاب حدد رابين الحدود التي يراها لإسرائيل، مؤكدا أن الاتفاق مع الفلسطينيين لن يفضي إلى دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة: "ستكون حدود إسرائيل في اتفاق الحل الدائم خلف حدود ما قبل حرب حزيران (يونيو). لن نعود لحدود الرابع من حزيران". كما أن رابين لم يتحدث مطلقا عن مسألة تبادل أراض، بل اعتبر أن الكتل الاستيطانية الكبرى ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية، بما فيها مستوطنة معاليه أدوميم، ورفض أي حديث عن عاصمة فلسطينية في القدس المحتلة، أو الانسحاب من الشطر الشرقي للمدينة.
لكن من قدم الحل في ذلك الوقت لمعضلة القدس، لم يكن أحدا غير الرئيس الفلسطيني الحالي، محمود عباس، ضمن الوثيقة التي عرفت لاحقا بوثيقة أبو مازن بيلين وتحدثت عن اعتبار قرية أبو ديس التي ضمها الاحتلال للقدس عام 1967، عاصمة إدارية وسياسية للدولة الفلسطينية، وهو ما فسر لاحقا سبب إقامة مقر للمجلس التشريعي الفلسطيني في أبو ديس.
وبالعودة إلى صفقة القرن، فإن إطلاقها بهذا الشكل، جاء بالأساس من طرف الدول العربية "السنية المعتدلة" في عرضها تطبيعا كاملا مع إسرائيل، لمجرد قبولها بإطلاق تحرك سياسي مع الفلسطينيين، كجزء من مساعي هذه الدولة وعلى رأسها السعودية، لاستعادة وتفعيل دور أميركي في الخليج مساند لها، بعدما اعتبرت هذه الدول أن انسحاب إدارة أوباما من أي دور في الخليج وتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، كشفها أمام طهران وأمام النفوذ الإيراني، وأضعفها، وهو ما فتح المنفذ عمليا أمام الغزل الإسرائيلي مع الخليج "السني والمعتدل"، بحسب التوصيف الإسرائيلي، وبدء محاولات تطبيع سرية، تمثلت بلقاءات خليجية مختلفة على مر السنوات الأخيرة، كان أبرزها زيارات متعددة لعدد من الوزراء الإسرائيليين لدول في الخليج، وخاصة دولة الإمارات العربية، أبرزها زيارة ومشاركة الوزيرين الإسرائيليين عوزي لنداو وسيلفان شالوم، في مؤتمرات في الإمارات، ناهيك عن لقاءات متعددة عقدها وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية السابق، المقرب من نتنياهو، دوري غولد، مع عدد من المسؤولين في الخليج، إضافة إلى زيارة الجنرال المتقاعد أنور العشقي لتل أبيب، والمصافحات العلنية بين تركي الفيصل ومسؤولين إسرائيليين سواء في مؤتمر ميونخ للأمن، مع الوزيرة الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، أم في مقر الأمم المتحدة، مع السفير الإسرائيلي السابق داني أيالون.
وقد أخذ زخم التحركات الإقليمية نحو صفقة القرن زخمه الفعلي بعد زيارة ترامب للسعودية، التي أعقبتها زيارة لإسرائيل، أثنى ترامب خلالها كثيرا على "حكمة" وخبرة العاهل السعودي، فيما كرر نتنياهو لازمة الحديث عن تقاطع المصالح المشتركة بين إسرائيل ودول "المحور السني المعتدل"، وأن الطرفين يعتبران إيران العدو، وأن القضية الفلسطينية لم تعد تشكل العائق الأساسي بنظر هذه الدول بحيث تحول دون التوصل إلى اتفاق سلام وتطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل.
ويبدو أن إسرائيل تراهن أكثر من أي شيء على أنه "سيكون للفلسطينيين"، والأدق طبعا للسلطة الفلسطينية وأقطابها، الكثير مما يخسرونه، وذلك بالاعتماد على تجربة الرئيس الراحل عرفات وحصاره في رام الله بعد اندلاع الانتفاضة الثانية بفعل فشل مفاوضات كامب ديفيد، إذ ظل عرفات محاصرا في المقاطعة في رام الله ولم تحرك أي من الدول العربية، بما فيها التي أقامت علاقات سلمية مع إسرائيل، الأردن ومصر، ساكنا.
هذا السلوك الأردني والمصري تحديدا، هو المنطق المحرك للسياسة الإسرائيلية في سعيها للتطبيع والسلام مع العرب قبل الفلسطينيين، وهو ما تسعى إسرائيل لتحقيقه في صفقة القرن، لأنها تعتمد على أنه في اللحظة التي توقع فيها أي دولة عربية اتفاقا معها، فإنها لن تتراجع عنه بعد ذلك، بل إن هذه الدول لن تقوم حتى باستدعاء سفراء إسرائيل المعتمدين لديها لتوبيخهم، أو حتى استدعاء سفرائها للعودة إلى الوطن، حتى لو أغلق الاحتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين ومنع الصلاة فيه ومنع رفع الأذان من مآذنه، فإن أقصى ما سيفعله العرب هو الاستنكار والمطالبة بإعادة فتح المسجد، فتحرير القدس والأقصى بات خارج القاموس العربي، وبات مصطلحا يضر بمستقبل العلاقات التي تعول عليها دول "المحور السني المعتدل"، وتتمنى أن تقبل بها إسرائيل.