النظام السوري يحوّل الرعب إلى استثمار تجاري

24 نوفمبر 2014
الخوف يسيطر على سكان سورية (سامر دوغان/الأناضول)
+ الخط -
هنا أرض الخوف. الموت يلاحق المواطنين من الأرض والبحر والسماء. حتى الهواء هنا ملوّث بالمواد الكيميائية. هنا، لا يمكن عدم تلمّس الخوف في الأجساد والعيون وحتى طريقة السير. السوريون خائفون، هذا ليس سراً. إلا أن لخوفهم ثمنا فعليا، ثمنا يُدفع من جيبهم الخاص.

الإستثمار في الخوف
وفي سورية نظام يستثمر حتى بالخوف الذي يبثه. هكذا، اندفعت السلطة السورية، وهي المسبب الأبرز للخوف في البلاد، لدعم تأسيس شركات أمنية عبر مقربين منها. ففي شهر أغسطس/آب من العام الماضي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد مرسوماً تشريعياً يسمح بمنح التراخيص لشركات "خدمات الحماية والحراسة الخاصة".
وبناء على ذلك تأسست خلال العام الحالي شركتان أمنيتان تابعتان للنظام. الأولى هي شركة "الحصن لخدمات الحراسة والحماية"، ويقع مقرها في بلدة جرمانا على أطراف العاصمة دمشق، معلنة أنها ستقدم الحماية والحراسة لقطاع المصارف والاتصالات ومقرات الشركات النفطية في دمشق.
وقبل نحو ستة أشهر تأسست شركة "قاسيون للمنظومات والخدمات الأمنية" واتخذت من جرمانا أيضاً مقرا لها من أجل تقديم "الحماية والحراسة للمنشآت الصناعية ونقل الأموال والمجوهرات والمعادن الثمينة، إضافة لحماية وحراسة الأنابيب النفطية وتجهيزاتها".
من جهة أخرى، شكل الإقبال الفردي على شراء السلاح أحد التكاليف التي تكبدها قسم من السوريين مدفوعا بعامل الخوف. ورغم أن "نسبة كبيرة من السوريين في مناطق سيطرة النظام تخشى اقتناء سلاح من دون رخصة، إلا أن الطلب ارتفع على الأسلحة الفردية، ما زاد سعرها أكثر من 300%".
كذلك، ازدهرت سوق الأسوار الحديدية. ويقول عدي، وهو صاحب ورشة لتصنيع الحديد في دمشق، أن عمله ازدهر خلال عامي 2012 و2013. وذلك لأن "الطلب على الحديد ارتفع بوتيرة متسارعة مع تدهور الأوضاع الأمنية في محيط العاصمة دمشق". ويضيف عدي لـ "العربي الجديد": "اندفع السوريون لتعزيز الحماية الخارجية لمنازلهم، فازداد الطلب على الأسوار الحديدية، وكذلك فعلت العديد من الشركات الخاصة والمحال التجارية حيث فضلت استبدال الأبواب الضعيفة بأخرى حديدية".
وبحسب سامر، الذي عمل على حماية منزله بعد نحو عام ونصف على اندلاع الثورة، فقد "بلغت تكلفة تركيب سور حديدي حول حديقة منزلي الذي يقع في الطابق الأرضي نحو 150 ألف ليرة سورية، أي ما يقارب 1600 دولار". ويضيف سامر لـ "العربي الجديد": "تكبدت مصاريف كبيرة لتعزيز أمن المنزل الذي يقع في ضاحية حرستا، لكنني عدت وتركته بسبب خطورة التنقل بين منزلي وعملي في وسط العاصمة. ما دفعني لاستئجار بيت صغير في محيط عملي، لأتكبد تكاليف إضافية في حين تركت منزلي شاغراً".
عشرات آلاف السوريين اضطروا لتغيير مكان إقامتهم بسبب الخوف من تدهور الوضع الأمني في مناطقهم، وكذلك فعلت الشركات. يشرح أبو رامي وهو مدير شركة لتصدير الخضار والفواكه كيف نقل مقر شركته "في وقت مبكر بعد اندلاع الثورة من إحدى بلدات ريف دمشق الساخنة إلى بلدة أخرى هادئة نسبية".
ويضيف لـ "العربي الجديد": "تحملنا تكاليف كبيرة بسبب الخوف من توقف العمل، أو حدوث عمليات سرقة. وفضلاً عن تغيير مقر الشركة، قمنا بشراء نظام للإنذار مع كاميرات مراقبة، كما رفعنا عدد موظفي الأمن في فرعي الشركة".
يؤكد المهندس سامر السيد الذي يدير شركة متخصصة بأجهزة الإنذار والمراقبة في دمشق أن "الإقبال على أنظمة الحماية شمل الشركات والمحال التجارية ومراكز التسوق والمطاعم والفنادق والمستشفيات".
وحول التكلفة يقول السيد لـ "العربي الجديد" إنها "تتفاوت بحسب أهمية المؤسسة وحجمها من جهة، ونوعية الأنظمة التي تطلبها من جهة أخرى، ولكنها تراوح بين مائة ألف ليرة سورية للمحال الصغيرة وصولاً إلى ثلاثة ملايين ليرة للمؤسسات الكبيرة".
وفي سوق الخوف، ظهرت مهنة جديدة في سورية. "الخوف على فقدان البضائع دفعنا للتعاقد مع سائقين باتوا خبراء بالطرق وبالحواجز العسكرية التي تقتطع مبالغ طائلة منا من أجل السماح بمرور البضائع، وقد ارتفعت تكاليف النقل لدينا من جراء ذلك بمعدل 150%" يؤكد أبو رامي.
دلالات