باستثناء الماريجوانا التي يحث بوب مارلي على تعاطيها كجزء من معتقده "الراستا/ الرستفاريا"، وأمور أخرى يفعلها ويشاركه في فعلها الكثيرون، على رأسهم مثقفون عرب، فإنه من الصعب إخفاء الإعجاب الكبير بهذا الفنان الحقيقي صاحب الرسالة، والذي كان بحق رسولاً، عبر عن مبادئه بكل جد وعزم وإخلاص، وبفهم عميق وإيمان دقيق بمعتقداته وقيمه الإنسانية المناهضة للتمييز العنصري، ثم مات في ريعان شبابه، رغم أن العلاج كان متوفراً سهلاً، حيث كان من الممكن أن يعيش أكثر لو قبل أن يُبتر إصبعه المصاب بنوع نادر من السرطان، ولكنه لم يفعل ذلك لأن دينه لا يبيح له هذا الأمر!
الفنان الحقيقي يعد جزءا من منظومة المجتمع الثقافية، ويمكنه بفنه المتقن أن يصنع تحفة فنية تقدم الأفكار العظيمة بأسلوب ساحر يدغدغ المشاعر الجمالية داخل الإنسان ثم ينغرس في أعماقه، وهكذا فعل بوب مارلي حينما جعل مساحة كبيرة من أغانيه لنصرة قضايا الإنسانية، كما في أغنية Get up.. Stand up، أو أغنية Buffalo soldier، هذا بخلاف أغانيه المناهضة للتمييز العنصري، والتي تنادي بالحرية للعرق الأسود الذي تعرض للكثير من الاضطهاد عبر التاريخ الإنساني الطويل.
قد تبدو مقارنة بوب مارلي بمئات الفنانين العرب خاسرة، من حيث الجوهر والشكل، فلدينا كثافة عالية في المغنين والمغنيات، شريحة لا يستهان بها من أصحاب الأصوات المتواضعة، منهم إسلاميون. ولو تحدثنا عن الإنتاجات الفنية، فخلافاً لأغاني الحب والغزل والعذل، سنجد ندرة في الفن المبدع في أسلوبه، والهادف في طرحه، والبناء في محتواه صاحب الرسالة القيمة الحقيقية.
ولسنا هنا بصدد الحديث عن الفن "الهابط"، لأن المجال لا يتسع لسرد تلك الأرقام المهولة عن حجم المأزق الأخلاقي الذي يروج له في مشاهد "video clip" كما أفادت دراسة أجريت على 100 أغنية فيديو كليب أظهرت أنها احتوت على أكثر من 7500 لقطة، بلغ عدد لقطات الرقص 2000 لقطة، و1400 لقطة تركز على المناطق المثيرة في الجسد، و2400 لقطة قريبة من المناطق المثيرة و146 لقطة تلامس، و126 لقطة عناق. ولعل بوب مارلي يعد في سياق هذه المقارنة قديساً أو من الإخوان المسلمين في احتشامه!
أما على مستوى المواقف المحورية للأمم والشعوب العربية، وحينما هبت رياح الحرية ضد الاستبداد كانت صدمتنا كبيرة في كل تلك الرموز الفنية، فقد لاحظنا انحيازاً بشعاً لصالح الاستبداد، وعملاً دؤوباً، من أجل إرباك المشهد وخلط الأوراق.
لاشك أن هذا الرجل، بوب مارلي، الذي تمسك بمبادئه ومعتقداته، رغم اختلافنا معها، يستحق الاحترام والتقدير، خصوصاً أننا نشاهد اليوم من يعتنقون ديننا، ويدعون وصلاً بمنهج خير الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه، ولكنهم يشاركون الولوغ في دماء الآلاف من خيرة أهل الأرض ممن رفعوا كلمة الحق أمام مغتصب فاجر لا يرقب في مؤمن إلاً ولا ذمة.
في النهاية لا يسعني إلا تمني أن ترزق شعوبنا بفنانين مخلصين وأصحاب رسالة ولو كانوا حشاشين!
(البحرين)