يبقى الرهان الكبير على المثقف المستقل الذي يؤمن بحق الشعب الفلسطيني في أرضه، وحق العودة لجميع المهجّرين. نراهن على المثقف الذي يحتفظ بمسافة كبيرة من المؤسسات، ويملك الضمير الفكري وينتصر للقضية ويندّد بمجازر "إسرائيل".
أُدرّب حواسي على اليتم/ وأرتجل الابتسامات دفاعاً عن أشياء غير واضحة/ أطهو الأيام بقليل من الإحباط/ وأجمع الحطام بمكنسة/ دون أن أجد ما يغري بالتقاط صورة/ أنا من هناك واقفاً على الضفة أسرق بحواسي برتقالةً/ من الضفة الأخرى.
في حين كان شكري مستعدّاً للإفصاح إلى أبعد حدّ وهو يكتب سيرته الذاتية، نجد ابن جلّون يتحدّث واضعاً يده على فمه خشية أن يسمعه أحد، كما لو أن هناك من يقف عند رأسه ويُملي عليه السطور. هل هي سلطة الرقيب؟
لم يعُد لديّ ما أُعطيه/ بعدما سَردْتُ حياتي بما يُغيظ الشِّعر/ وبما يكفي لأرتّبَ وليمةً تليقُ بغيابي/ وأقتسم الميراث مع أبناء عمومة: قمصاني المُضطهدة في دولابٍ ضيّق/سراويلي القديمة بنظارات طبيّة/ دون أن أكون قد استدرتُ يومًا أو رأيت شيئًا.
بالرغم من أنّ الحياة صارت أرقامًا رياضية وآلات حاسبة، فإن لا يزال بمستطاع الشعر أن يؤرّخ لآلام وانتكاسات الشعوب وتقلّبات الذات وتطلّعاتها؛ أن يُشيع قيَم الجمال وعناصر التسامح والتعايش فوق كوب الأرض؛ ويستدرج وجدان الإنسان ويفضح بشاعة العالم.
هناك قوات الشرطة تُرابط على مدار الوقت في محيط الحيّ وجنب حائط المدرسة، لذلك يحلم التلاميذ بالانضمام إلى الشرطة، وأقلُّهم طموحًا يريد أن يصير جنديًا في الصفوف الأمامية. لديهم استعداد فطري للدخول في اشتباكٍ واعتقال غريمهم أو إطلاق الرصاص عليه.
ننسى فيافي ومغارات أدونيس المظلمة، وتفاصيل سعدي يوسف التي يصعب أن تتلمّسها دون ميكروسكوب، وتخلّص من ظلال مجلّة "شعر"، من كلب شارلز بوكوفسكي وجحيمه... أن نترجل عن مركب رامبو ونخطو منتبهين صوب من يُشعروننا أنّنا رائعون.
شكّلت نصوص جبران خليل جبران النثرية مساهمةً حقيقية في ترسيخ "الشعر المنثور"، والذي يُعتبَر من إرهاصات قصيدة النثر العربيّة. لكنّ هذا الدور يخبو عندما نعود إلى ما كتبه من قصائد ظلّت وفيّة لعناصر القصيدة التقليدية من وزن وقافية.
الجوع درجات ورُتبٌ مثله مثل سلّم الوظيفة العموميّة. وأخطر درجاته هو انعدام الطعام وارتقاب الموت، وفي هذه الحالة ننتظر من الجيّاع أسوأ ردود الفعل. وننتظر من الكتّاّب والشعراء، كلّ شيء إلّا أن يشحذوا أقلامهم ومخيّلتهم.