مارتن: زميلتك؟
إيما: الأم... خنقها بيديه. المُقعَدون يمتلكون أيدٍ قوية، ويستطيعون خنق شخص في دقيقة واحدة. الأب المسكين حاول أن ينقذ ابنه من الشرطة فأخبرهم أنه هو من قتل زوجته، لكن الشرطة وجدت بصمات الابن، وماذا يمكننا أن نفعل؟ الشاب اليافع سجن، ثم بدأ الخراء الحقيقي. أخبرتني ليركا أنه عندما أصبح الشاب اليافع يستمني، صار يرى بين يديه رأس أمه، بعينيها الجاحظتين، تماماً كما كانتا عندما خنقها. في النهاية، جرى نقله من السجن إلى مستشفى المجانين. لو أن الأم لم تتصرّف مثلما فعلت، كان ذلك الشاب سيعيش حياة شبه طبيعية، وكانت إحدى زميلاتنا ستزوره، مثلاً، كل شهر، وكل شيء كان سيكون بخير. لذلك قلت إنّ الأمهات ربما يكن أكثر خطورة.
مارتن: لا تقلقي، أمي غادرت هذا الصباح مع مجموعة من مرتادي الكنيسة للحج إلى مجوغوريي***
إيما تشرب... صمت.
إيما (تنهي شربها): أعذرني على السؤال... لكن ما هو مرض أمك؟
مارتن: ليست مريضة. لماذا تظنين ذلك؟
إيما: عادة يذهب إلى هناك الناس الذين لديهم مشاكل.
مارتن: ذهبت إلى هناك لأجلي.
إيما: لأجلك؟
مارتن: نعم. أنا مريض.
إيما (بقلق): حسناً، إذا كان الأمر كذلك، سامحني، لا تغضب، سوف أعيد لك نقودك... (تفتح حقيبة نقودها) تستطيع أن تتفهّم، تعرف... لديّ أطفال.
مارتن: عليكِ أن لا تخافي.
إيما: لا أعرف. المرض هو المرض. لا أريد أن أجد نفسي مثل الأوكرانية من بوسوشيا... لا يوجد مرض لا تحمله.
مارتن: أنا مريض سرطان.
صمت.
تنظر إيما إليه. تشعر بعدم الراحة لأنها لا تتوقّع أن يكون هذا هو المرض الذي يحمله.
مارتن: آمل أن السرطان لا يشكّل مشكلة لديك؟
إيما (مرتبكة): لا، ليس مشكلة... أعني، أنه غير معدٍ. هذا هو المهم. أرجوك، لا تغضب، لكنك تعرف كيف هي الأمور.
مارتن: أعرف. أعرف. أنا لست غاضبا. لو كنت مكانك لتصرّفت مثلك.
إيما تشرب.
مارتن: هل أنت جائعة؟
إيما: حسنا، لأنك سألت.
مارتن: لديّ بعض الدجاج. أمي شوته لي، حتى يكون لديّ طعام في غيابها. لكن يمكننا أن نطلب البيتزا إذا كنت تفضّلين؟
إيما: لا، لا... الدجاج جيد.
مارتن: تفضلي واجلسي. سوف أجلبه لك الآن.
إيما (تنظر إلى الساعة) يجب أن أكلّم ليركا، إذا كان ذلك ممكناً.
مارتن: تفضّلي.
إيما: شكراً.
تتحرّك إيما نحو التلفون وتطلب الأرقام. خلال ذلك يذهب مارتن ليحضر لها العشاء.
إيما (تتّصل): هلو... جاك... أنا إيما. هل ليركا موجودة؟ أخبرها أن تتّصل بي عندما تعود. تستطيع أن تتّصل بهذا الرقم (تنظر إلى مارتن وتحرّك رأسها لتتلقّى الموافقة من مارتن، ومارتن يشير إليها بالموافقة) أخبرها أني أبحث عنها للمبادلة. نلتقي. (تضع سمّاعة الهاتف): هذه الليلة كان لدي اتفاق مع زبون دائم، لذلك سأسأل ليركا حتى تأخذه.
مارتن (يضع طبقاً وشوكةً على طاولة صغيرة بجانب الصوفا): حسناً، تستطيعين أن تكلّمي أي أحد بحرية.
إيما: ليس لدي أحد آخر أكلّمه.
مارتن: قلت إن لك أطفالاً.
إيما: أخبرتك ذلك لأني كنت أعتقد أنك تحمل مرضا آخر غير السرطان.
مارتن: إذن ليس لديك أطفال؟
إيما: لديّ، ثلاثة، لكنني لن أتصل بهم. لم يكلّموني من فترة طويلة لم أعد أتذكّرها، لذلك لن أكلّمهم.
إيما تشرب.
إيما: ابني ليس سيئاً إلى ذلك الحد، لكن زوجته هي المشكلة. تتصرّف كأنها ملكة.
مارتن: تفضّلي، خذي بعض الطعام.
إيما: شكراً.
تجلس إيما على الصوفا.
إيما: وماذا عنك؟ لن آكل وحدي، غير مناسب؟
مارتن: لقد تناولت عشائي، لكن كلي أنت.
تبدأ إيما بالأكل.
مارتن: هل لك ولد واحد أو؟
إيما: لديّ ابنتان أيضاً؛ الكبيرة تعيش مع عائلة ليس لديها أولاد، إنها متبنّاة، والصغرى مريضة. هي تعيش في بيت يوفّر عناية خاصة. إنها الأفضل. في النهاية لا تشعر بالعار بسببي مثلما يفعل ولدَيّ الآخران. دائماً تكون مسرورة عندما أزورها، لكن ابني رفض أن يفتح لي الباب عندما ذهبت لعيد ميلاد حفيدي، اضطررت لترك هديتي عند الباب. لاحقاً سألته: لماذا لم تفتح لي الباب، فأخبرني أنه لم يكن في البيت، بل في مكان آخر، لكني كنت قد سمعت صوته وضحكته عندما كنت أضغط على الجرس، ثم بدأ يخفض صوته. لماذا أهتم، المهم أن يكون بصحّة جيدة.
صمت.
إيما تأكل.
مارتن ينظر إليها.
إيما: عندما كنت في المستشفى لم يأت لزيارتي ولا مرة خلال الأشهر الثلاثة. أعرف أنه كان خائفاً من أن تسبّب له زوجته المشاكل، لكنه استطاع أن يأتي لمرّة واحدة في النهاية. لم يكن من الضروري أن تعرف.
مارتن: بِمَ كنت مريضة؟
إيما: عصاب. في ذلك الوقت كنت أشرب كثيراً، لذلك جرحت نفسي قليلاً. لا تقلق عندما ينطفئ الضوء لن ترى آثار تلك الجروح.
مارتن: لماذا فعلتِ ذلك؟
إيما: لا أعرف. عندما كنت في المستشفى، سمعت بالصدفة الطبيبَ يخبر أحد التلاميذ أني أشمئز من جسدي لذلك فعلت ذلك. أعتقد أنني كنت ثملة. لو لم تعثر عليّ ليركا، لما كان بإمكانهم إنقاذي. لا تخف، هذا أيضاً مثل السرطان... ليس معدياً.
مارتن: أنا لست خائفاً (صمت) رأيتكِ هناك.
إيما: أين؟
مارتن: في المكان الذي كنت تتعافين فيه.
إيما: من أنت، طبيب؟
مارتن: لا، كنت أتعافى هناك في الوقت نفسه.
إيما: هل كنت تتعاطى المشروب أيضا؟
مارتن: لا. كنت... بعض المشاكل النفسية.
إيما: إذا كان الواحد لا يعاني من مشاكل نفسية هذه الأيام، فهو ليس طبيعيً.
مارتن: كنت أتعافى بسبب الأعشاب.
إيما: أعشاب؟ أية أعشاب؟
مارتن: أنا مريض لأني أخاف من الأعشاب والتراب، لذلك أفضّل أن أمشي على الشارع، ولذلك لم أكن أريد أن أمر من المتنزه.
إيما: إذن لا تستطيع الذهاب إلى المتنزه؟ وهكذا.
مارتن: أنا أحسن الآن. لكن، أحاول أن أتجنّبه قدر المستطاع. الشيء الوحيد الجيّد من هذا أنني أتقاضى مخصّصات بسبب ذلك (صمت) وأنتِ، هل أنت أفضل الآن، أو؟
إيما (أومأت برأسها موافقة): أنا الآن رائعة؛ أستطيع أن أتوقف عن العمل لولا أنّ لديّ طفلة صغيرة. دائماً عيك أن تحمل بعض الأشياء للأطباء والممرّضات اللواتي يعملن هناك.
مارتن: وماذا عن أبيها؟ لماذا لا يستطيع مساعدتك؟
إيما: هو في السجن، في ليبوغلافا. كان يعمل مثل رجل يعطي إشارة العبور للقطارات. ذات مرّة لم يغلق الإشارة، جاء القطار و... اصطدم بإحدى السيارات... الجميع ظنّ بأن الذين ماتوا كانوا قلّة لأن السيارة كانت صغيرة، لكن عندما بدأوا يخرجونهم منها، وجدوا ستّة. تستطيع أن تتخيّل ذلك.
مارتن: في الخردة؟
إيما: حتى القاضي لم يصدّق ذلك، فأرسل شخصاً آخر ليعدّ القتلى. ثلاثة ماتوا على عين المكان. بدلاً من معاقبة الشخص المتهور الذي ظلّ حيّاً أعطوا زوجي تسع سنوات في السجن. لاحقاً ضرب اثنين في السجن، أحدهما مات وهو في طريقه إلى المستشفى... أوه، ماذا أقول لك. سيكون محظوظاً لو خرج من السجن قبل موته.
إيما تأكل.
إيما: أمك تطبخ جيّداً...لم آكل دجاجاً مطهوّاً بهذه الطريقة منذ زمن طويل. (تواصل الأكل) وأنت، لَست متزوّجاً؟
مارتن: لا.
إيما: هذا يعني أنك منفصل؟
مارتن: لا، لم أتزوّج إطلاقاً.
إيما: هذا يعني أنه لا يوجد لديك أطفال؟
مارتن: لا.
نسمع ضغط على جرس الباب.
مارتن وإيما ينظر أحدهما إلى الآخر مندهشًا.
إيما: آمل أنها ليست أمّك. ربما ستكون غاضبة لأني آكل.
مارتن: أرجوكِ استمرّي في الأكل. لن تضغط على الجرس، لديها مفتاح.
مارتن يذهب لفتح الباب.
[يتبع]
* Mate Matišić كاتب كرواتي من مواليد 1965
** ترجمة عن الكرواتية أحلام بشارات وجوليا غالبينوفيتش
*** بلدة صغيرة غرب هيرتسيغوفينا
اقرأ أيضاً: امرأة بلا جسد (1-7)