أرقام مشجّعة
تقول مسؤولة الإعلام صوفيا شيكيرو، لـ"العربي الجديد" خلال زيارة إلى مقر الحملة، إن "تقدّم ميلانشون إلى المرتبة الثالثة في استطلاعات الرأي الأخيرة بعد مارين لوبان وإيمانويل ماكرون، منحه شهرة دولية، وهو ما دفع قنوات تلفزيونية عالمية، روسية وأميركية وصينية ويابانية وغيرها، إلى أن تراسلنا وتطلب لقاءات مع المرشح أو مساعديه وأن تشتري منا حقوق الصُوَر". وتضيف: "لقد تجاوزنا كل البلدان الأوروبية، ونحن الآن، نسبح على مستوى عالمي. ونحن نرى أنفسنا الآن في مربع القمة، وبالتالي مرشحنا أصبحت لديه مصداقية، وأصبح، فعلاً، من رؤساء فرنسا المحتملين، وهذا ما غيّر طريقة التناول الإعلامي له".
ورداً على سؤال عن استطلاعات الرأي التي باتت تبث عبر نتائجها أخباراً سارة بالنسبة إلى ميلانشون، تقول شيكيرو لـ"العربي الجديد": "الاستطلاعات لم تكن أبداً مؤشرات عندنا، ولم نثقْ قط في وسائل الإعلام. لهذا السبب خلقنا وسائل اتصال بديلة للميديا، في عالم الإنترنت"، مضيفة: "ألم تلاحظوا أن بعض وسائل الإعلام باتت تخاف منا وشرعت في حملة لتشويهنا؟ فهناك من يتحدث عن ميلانشون باعتباره هوغو تشافيز، وآخرون يصفونه بأنه تابع إلى فلاديمير بوتين، من أجل بث الخوف في صفوف الناخبين". وتعلن أن "مؤشراتنا الحقيقية هي عدد الذين يحضرون في اللقاءات والتجمّعات الانتخابية. وأرقامنا جد مشجعة، فقد حضر 25 ألف شخص في تجمّع مدينة ليل. وعدد الموقّعين على حملة ميلانشون تجاوز 400 ألف شخص وحالياً نصل إلى 10 آلاف توقيع كل يوم"، مضيفة: "إن مؤشراتنا هي تلك الأعداد من المواطنين التي تتوجه بعد كل لقاء مع المرشح إلى الإنترنت للبحث عن معلومات أكثر. صحيح أن استطلاعات الرأي تثير غبطتنا ولكننا لا نعتبرها مؤشّراً مرجعياً لدينا". ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" عن مكتب ميلانشون، توضح شيكيرو أن "ميلانشون لا يملك مكتباً في مقر الحملة وهو يفضّل أن يعمل في بيته"، قبل أن تردف قائلة: "طبعاً هو يأتي من حين لآخر لحضور الاجتماعات الدورية مع سكرتارية الحملة ومستشاريه، لكنه رجل مشغول جداً وهو يكرس وقته حالياً للمهرجانات الخطابية واللقاءات مع الناخبين".
دور وسائل التواصل
وإذا نجح ميلانشون في تلميع صورته في أوساط الشباب بشكل خاص، فإن الفضل في ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى فريق حملته الانتخابية ومديرها مانويل بومبار، وهو أستاذ في مادة الرياضيات وأحد المساهمين في تأسيس "حزب اليسار" مع ميلانشون عام 2008. ويسهر هذا الفريق الذي يعمل كخلية نحل ليل نهار، على إدارة الحملة من الألف إلى الياء وفي كل المجالات. وينقسم الفريق إلى عدة فرق فرعية، كل واحد منها يشرف على نشاط معين. فهناك فريق خاص بتنظيم حملة ميلانشون في وسائل الاتصال الاجتماعي ومد موقع ميلانشون في "يوتيوب" بالأشرطة الجديدة.
وليس سرّاً على أحد أن ميلانشون يُعتبر من بين المرشحين الذين استفادوا من شبكات التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا بشكل كبير. ولاحظت "العربي الجديد" في مكتب الفريق المشرف على الحملة الرقمية، مجموعة صغيرة تعمل في إعداد برنامج لبثّه في "يوتيوب" بعنوان: "عقلية الحملة الانتخابية". ماكسيم، وهو مسؤول حملة ميلانشون المختص في الرسوم البيانية والغرافيك، يقول لـ"العربي الجديد": "الطاقم الذي نعمل فيه يهتم بكل ما له علاقة بالاتصالات المرئية، سواء تعلَّق الأمر بالإنترنت أو الفيديو، أو التنشيط، أو المطبوعات، فنحن نطبع الملصقات والمناشير، ومختلف أنواع اللوغو... إذ إن كل وسائل الاتصالات التي تخرج إلى الحملة، نقوم بصناعتها هنا".
وكان ميلانشون أول من استخدم تقنية هولوغرام في سابقة عالمية خلال تجمّع انتخابي في 5 يناير/كانون الثاني الماضي، إذ كان موجوداً شخصياً في تجمّع بمدينة ليون، وعبر تقنية هولوغرام الرقمية في تجمّع آخر في باريس في ذات الوقت. وتحوّلت هذه المبادرة إلى حدث إعلامي بارز، ما جعل ميلانشون يقرر استعمالها مرة أخرى يوم الثلاثاء 18 إبريل/نيسان الحالي في تجمّع انتخابي في مدينة ديجون ويكون حاضراً في ستة تجمّعات بمدن فرنسية أخرى عبر تقنية هولوغرام. ويقول ماكسيم عن ذلك: "نعم إنها ضربة معلم من قِبل ميلانشون، وقد حققنا سبقاً عالمياً بهذه التقنية التكنولوجية الباهرة، وما يهمنا فيها بالأساس أنها تُمكّن مئات الآلاف من الناس من تتبّع ميلانشون بطريقة حية ومثيرة".
وعن سر النجاح الكبير للحملة الرقمية لميلانشون في وسائل التواصل الاجتماعي، يقول ماكسيم: "لقد راهنّا منذ البداية على الحضور بقوة وفاعلية في وسائل التواصل الاجتماعي عاماً كاملاً قبل انطلاق حملة الرئاسيات، ووضعنا خطة طويلة المدى بفضل فريق شاب متمكن وله تجربة في التواصل الرقمي"، مضيفاً: "لكن النجاح ليس تقنياً فقط لأن أفكار ميلانشون وشخصيته تجد نجاحاً متواصلاً في أوساط الفرنسيين باختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية وأصولهم العرقية، ونحن هنا لبذل قصارى جهودنا لنصل إلى أكبر عدد ممكن من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي".
تفاؤل كبير
في كافتيريا المقر، التي غالباً ما تتحول لقاءات أعضاء فريق الحملة فيها إلى ساحة للنقاش حول الحملة والعمل، التقت "العربي الجديد" بليلى الشيبي، وهي إحدى المتحدثات باسم "فرنسا غير الخاضعة" والمكلفة بملف السكن في الحملة. تقول الشيبي عن مسار الحملة: "نحن الآن في الخط المستقيم الأخير من الحملة، وعلينا ألا نخفف من الوتيرة بل تصعيدها حتى آخر يوم قبل الاقتراع. نحن نحضّر لجولة سيقوم بها ميلانشون على ظهر مركب في نهر السين ويتوقف خلالها في عدة بلدات تطل على ضفافه. سأكون أنا من يتولى تنشيط هذه الجولة". وتضيف: "لكن الأهم اليوم هو التحضير لورشة عمل بخصوص قانون السكن. ونحن نعمل على تحويل كل مقترح في الحملة إلى مشاريع قوانين. وفلسفتنا تقوم على أساس تعاوني وعلى انخراط المواطنين، إذ ندعو مواطنين عاديين وآخرين عملوا في جمعيات ومهنيين للعمل معنا لكتابة مسودة مشروع القانون". ورداً على سؤال عما إذا كانت متفائلة بفوز مرشح الحملة، تجيب الشيبي: "نعم أنا جد متفائلة والأمل هي الكلمة التي تتكرر في كل أحاديثنا، منذ أسابيع نشعر بنوع من الدينامية، وميلانشون قادر على الفوز في الدورة الأولى".
وعما إذا كان يجب على المرشح الاشتراكي بونوا هامون أن ينسحب من السباق الانتخابي لصالح ميلانشون لكي تتعزز حظوظ الأخير في المرور إلى الدورة الثانية، ترفض الشيبي هذه الفكرة وتعتبرها نابعة من "منطق سياسي عتيق"، وتقول: "نحن لا نريد أن نتقاسم أي كعكة، أو سرقة قسم من كعكة من يتواجد إلى جانبنا". وتضيف: "من يهمّنا هم المترددون، أي أولئك الذين لم يقرروا بعد لمن سيمنحون أصواتهم، وخصوصاً من يقولون إنهم لن يذهبوا للتصويت يوم الأحد 23 إبريل/نيسان لأن التصويت لا يغير أي شيء، أولئك الذين أحسوا بالخيبة من خمس سنوات من حكم فرانسوا هولاند، والذين يقولون إنه لا فرق بين اليمين واليسار". وفي انتقاد للنداء الذي كان قد وجَّهه هامون إلى ميلانشون، غداة فوزه في تمهيديات الحزب الاشتراكي حين كانت استطلاعات الرأي تضعه أمام مرشح "فرنسا غير الخاضعة"، تقول الشيبي: "إننا لن نفعل كما فعل معنا، حينما نادانا بشكل متعالٍ، ومن فوق... وعليه الآن أن يتحمل مسؤولياته. إذا أراد الالتحاق بنا أهلاً وسهلاً ولكن يجب أن يعرف بأننا في معسكر ميلانشون نرفض أفكاره بشأن الاتحاد الأوروبي، وهذه مسألة أساسية". هكذا هي الأجواء في أوساط أنصار معسكر ميلانشون، أملٌ جارف في تحقيق فوز تاريخي غير مسبوق يصل باليسار الراديكالي إلى الرئاسة، ونشوة لا تُخفى من الهزيمة المعلنة للحزب الاشتراكي في هذه الرئاسيات.
في أحد الأروقة لاحظت "العربي الجديد" جلبة أصوات، لتجد أعضاء الفريق المكلف باللوجستيات وتموين الحملة مستغرقين في نقاش صاخب وتكدست أمامهم صناديق مليئة بالملصقات والمناشير. وكان الأمين العام للحملة جاك بورديس يشرح لرفاقه في فريق التموين أجندة التجمّعات الانتخابية لحركة "فرنسا غير الخاضعة" أمام خريطة كبيرة لفرنسا رُسمت عليها بالخط الأحمر مواقع المناطق التي تقام فيها التجمعات. "نحن على بُعد أيام قليلة من الاقتراع ووتيرة الحملة صارت سريعة جداً وعلى فريق التموين أن يضاعف جهوده" يقول بورديس لـ"العربي الجديد". ويؤمّن الفريق نقل كل الوسائل اللازمة لإنجاح التجمّعات الانتخابية في المدن والبلدات ومنها المناشير واللافتات والملصقات والقمصان. وحسب بورديس فإن حوالي 400 صندوق تُرسل يومياً عبر البريد الخاص لتأمين حاجات الحملة وتجمعاتها في مختلف المناطق الفرنسية.
الدينامية التي تتميز بها الحملة الانتخابية لميلانشون والتي تعكسها الأجواء في مقر الحملة الانتخابية، تعود أيضاً إلى طاقم المستشارين الذين يحيطون بمرشح اليساري الراديكالي. فإضافة إلى مدير الحملة مانويل بومبار، هناك راكيل غاريدو وأليكسيس كوربيير اللذان ينوبان عن ميلانشون في السجالات التلفزيونية ويدافعان عن أفكاره. كما أن ميلانشون يستفيد من أفكار ونصائح الخبير الاقتصادي اليساري جاك جينيرو، والباحثة المتخصصة في القانون شارلوت جيرار، والاثنان ساهما في صياغة برنامج ميلانشون الرئاسي. ويستند مرشح اليسار الراديكالي أيضاً إلى مجموعة من الفنانين الذين يساندون حملته، ومنهم الممثلون إدوارد باير وريشار بورونجي وجاك فيبير وأيضاً مغنون مثل برنار لافيلييه.