28 يناير 2024
"عبوات" الثورة الإيرانية
يا لخيبة الزعماء العرب الذين أمضوا أكثر من خمسة وثلاثين عاماً تحت وطأة الرعب من تصدير الثورة الإيرانية إلى بلادهم.
حدث ذلك، منذ العام 1979، عقب انتصار ثورة إيران، وكان أول ما وعد به الخميني الشعوب العربية تصدير نسخ متطابقة من ثورته إليهم، للخلاص من "طغاتهم"، فكان أن أصبحت إيران العدو رقم واحد لمعظم الأنظمة العربية، باستثناء نظام حافظ الأسد الذي أدرك المقصد من التلويح الإيراني بـ"تصدير الثورة"، فتحالف مع أصحاب الثورة في عقر دارهم، وآزرهم على الحكام العرب الآخرين، وفي مقدمتهم صدام حسين، في أثناء حربه الطويلة مع إيران.
كان الأسد الراحل يدرك خفايا ثورة الملالي في إيران، وأبعادها، وطبيعة تركيبتها، ففهم جيدًا أن المقصود هو تصدير ثورة الحكام على الشعوب، وهو عين ما يرنو إليه طغاة العرب، فعقد حلفًا لم تنفصم عراه مع ملالي إيران، لأنه كان يدرك أن نظامه المستبد سيحتاج، يومًا، إلى ثمرات هذه المؤازرة التي محضها لإيران من دون حساب.
وإذا كان القدر لم يسعف الأسد الأب في جني ثمرات تحالفه الطويل مع إيران، فقد حظي الابن بها، في "ثورته" على شعبه الذي تجرأ على المطالبة بحريته، فكان أن أصبح دوام بشار على رأس السلطة معركةً مصيريةً لنظام الملالي في إيران الذي صدّر، هو الآخر، "ثورته"، بكل ما فيها من أسلحة وعتاد، وفيالق كانت معدّة "لتحرير القدس"، غير أن الأولويات تغيّرت، فأصبح تحرير طاغية الشام من شعبه هو المصير كله.
وقبل بشار، كان نوري المالكي في العراق، والنظام الطائفي من بعده، إذ تم تصدير "عبوات" من الثورة الإيرانية، محشوةٍ بما لذ وطاب من الحرس الثوري الإيراني الذي أسهم بترسيخ الطائفة على حساب الوطن، وجعل القرار العراقي كله محكومًا بخيمة المرشد الأعلى في طهران... وهكذا أسهمت إيران بتصدير ثورةٍ عكسية أخرى، لتثبيت طغاة جدد في بغداد.
على المنوال نفسه، آزرت إيران الرئيس الذي خلعته ثورة الشعب اليمني في صنعاء، علي عبدالله صالح، فصدّرت إليه "عبوة ثورة"، من لدن فائضها، لتعيده إلى الحكم من نافذة الفتن الطائفية التي أيقظتها مع الحوثيين، وها هو اليمن يرزح تحت وطأة حربٍ أهلية ضروس، بفضل النسحة الإيرانية من الثورة التي وصلت إليه بالبريد المستعجل.
على هذا النحو، اكتشفنا، نحن الشعوب العربية المخدوعة بثورة الملالي، معنى تصدير الثورة الإيرانية، وهي الثورة التي صفقنا لها، قبل أزيد من ثلاثة عقود، وآزرها بعضنا حتى في حربها مع العراق، وظننا أن "عبوات الثورة" لا بد ستأتي عما قريب، لتحرّرنا من طغاتنا، فإذ بها "عبوات ناسفة" لكل طموحاتنا بالحرية، وبأنها ثوراتٌ علينا لا لنا، فبشار الأسد الذي كان موشكًا على السقوط قبل عام لم تنقذه غير الثورة الإيرانية المصدّرة، و"طالح" اليمن تعيده إلى رقاب اليمنيين، نسخة أخرى من هذه الثورة، والعراق الذي حلم بالثورة على الظلم أجهضت ثورته "ثورة" أخرى مضادة قادمة من إيران، وكأن الثورة الإيرانية كلها ما كانت، منذ مهدها، إلا مشروعًا مؤجلاً لقطع الطريق على الربيع العربي.
أيضاً فهمنا أن الثورة الإيرانية برمتها، ماتت في مهدها، وفي بلد الثورة نفسها، حين عمد الخميني وأنصاره إلى تكريس اللون الأسود الواحد في نظام الحكم، وأعني به عباءة الملالي، أما مصير التيارات الأخرى من يمين ووسط ويسار، فكانت الإعدامات والسجون والاغتيال حتى في بلاد المهجر، على الرغم من أن بعضهم كان أطول باعاً وعمرًا في مناهضة نظام الشاه، على غرار حزب تودة.
أما الزعماء العرب الآخرون، المخدوعون عكسيًّا بالثورة الإيرانية المصدرة، فإن جلّ ما أخشاه أن يكتشفوا حقيقة هذه الثورة المزيفة، فيسارعون إلى استدراك ما فاتهم من تحالفاتٍ معها، لمؤازرتهم في رحلة الطغيان المستمرة، على غرار ما فعله ثالوث برمودا: الأسد وصالح والمالكي، وعندها سيكون على هذه الشعوب المبتلاة أن تعقد ثورتين في الآن نفسه، واحدة ضد طغاتها، وأخرى ضد الطغيان المصدر إليها في عبوات مسماة زورًا "الثورة الإيرانية".
حدث ذلك، منذ العام 1979، عقب انتصار ثورة إيران، وكان أول ما وعد به الخميني الشعوب العربية تصدير نسخ متطابقة من ثورته إليهم، للخلاص من "طغاتهم"، فكان أن أصبحت إيران العدو رقم واحد لمعظم الأنظمة العربية، باستثناء نظام حافظ الأسد الذي أدرك المقصد من التلويح الإيراني بـ"تصدير الثورة"، فتحالف مع أصحاب الثورة في عقر دارهم، وآزرهم على الحكام العرب الآخرين، وفي مقدمتهم صدام حسين، في أثناء حربه الطويلة مع إيران.
كان الأسد الراحل يدرك خفايا ثورة الملالي في إيران، وأبعادها، وطبيعة تركيبتها، ففهم جيدًا أن المقصود هو تصدير ثورة الحكام على الشعوب، وهو عين ما يرنو إليه طغاة العرب، فعقد حلفًا لم تنفصم عراه مع ملالي إيران، لأنه كان يدرك أن نظامه المستبد سيحتاج، يومًا، إلى ثمرات هذه المؤازرة التي محضها لإيران من دون حساب.
وإذا كان القدر لم يسعف الأسد الأب في جني ثمرات تحالفه الطويل مع إيران، فقد حظي الابن بها، في "ثورته" على شعبه الذي تجرأ على المطالبة بحريته، فكان أن أصبح دوام بشار على رأس السلطة معركةً مصيريةً لنظام الملالي في إيران الذي صدّر، هو الآخر، "ثورته"، بكل ما فيها من أسلحة وعتاد، وفيالق كانت معدّة "لتحرير القدس"، غير أن الأولويات تغيّرت، فأصبح تحرير طاغية الشام من شعبه هو المصير كله.
وقبل بشار، كان نوري المالكي في العراق، والنظام الطائفي من بعده، إذ تم تصدير "عبوات" من الثورة الإيرانية، محشوةٍ بما لذ وطاب من الحرس الثوري الإيراني الذي أسهم بترسيخ الطائفة على حساب الوطن، وجعل القرار العراقي كله محكومًا بخيمة المرشد الأعلى في طهران... وهكذا أسهمت إيران بتصدير ثورةٍ عكسية أخرى، لتثبيت طغاة جدد في بغداد.
على المنوال نفسه، آزرت إيران الرئيس الذي خلعته ثورة الشعب اليمني في صنعاء، علي عبدالله صالح، فصدّرت إليه "عبوة ثورة"، من لدن فائضها، لتعيده إلى الحكم من نافذة الفتن الطائفية التي أيقظتها مع الحوثيين، وها هو اليمن يرزح تحت وطأة حربٍ أهلية ضروس، بفضل النسحة الإيرانية من الثورة التي وصلت إليه بالبريد المستعجل.
على هذا النحو، اكتشفنا، نحن الشعوب العربية المخدوعة بثورة الملالي، معنى تصدير الثورة الإيرانية، وهي الثورة التي صفقنا لها، قبل أزيد من ثلاثة عقود، وآزرها بعضنا حتى في حربها مع العراق، وظننا أن "عبوات الثورة" لا بد ستأتي عما قريب، لتحرّرنا من طغاتنا، فإذ بها "عبوات ناسفة" لكل طموحاتنا بالحرية، وبأنها ثوراتٌ علينا لا لنا، فبشار الأسد الذي كان موشكًا على السقوط قبل عام لم تنقذه غير الثورة الإيرانية المصدّرة، و"طالح" اليمن تعيده إلى رقاب اليمنيين، نسخة أخرى من هذه الثورة، والعراق الذي حلم بالثورة على الظلم أجهضت ثورته "ثورة" أخرى مضادة قادمة من إيران، وكأن الثورة الإيرانية كلها ما كانت، منذ مهدها، إلا مشروعًا مؤجلاً لقطع الطريق على الربيع العربي.
أيضاً فهمنا أن الثورة الإيرانية برمتها، ماتت في مهدها، وفي بلد الثورة نفسها، حين عمد الخميني وأنصاره إلى تكريس اللون الأسود الواحد في نظام الحكم، وأعني به عباءة الملالي، أما مصير التيارات الأخرى من يمين ووسط ويسار، فكانت الإعدامات والسجون والاغتيال حتى في بلاد المهجر، على الرغم من أن بعضهم كان أطول باعاً وعمرًا في مناهضة نظام الشاه، على غرار حزب تودة.
أما الزعماء العرب الآخرون، المخدوعون عكسيًّا بالثورة الإيرانية المصدرة، فإن جلّ ما أخشاه أن يكتشفوا حقيقة هذه الثورة المزيفة، فيسارعون إلى استدراك ما فاتهم من تحالفاتٍ معها، لمؤازرتهم في رحلة الطغيان المستمرة، على غرار ما فعله ثالوث برمودا: الأسد وصالح والمالكي، وعندها سيكون على هذه الشعوب المبتلاة أن تعقد ثورتين في الآن نفسه، واحدة ضد طغاتها، وأخرى ضد الطغيان المصدر إليها في عبوات مسماة زورًا "الثورة الإيرانية".