يستعد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الاثنين المقبل، لمناقشة أزمة شرق المتوسط والخلاف الحاد بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة ثانية بشأن حقوق التنقيب عن النفط والغاز، وذلك ضمن عدد من الملفات المطروحة أمام قمة قادة الاتحاد الأوروبي التي ستنعقد يومي 24 و25 سبتمبر/ أيلول الحالي.
ويأتي ذلك فيما نشر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم السبت، تغريدة بالفرنسية والتركية على حسابه في موقع "تويتر"، مشيراً فيها إلى الاجتماع غير الرسمي الذي عقدته سبع دول أوروبية بقيادة فرنسا مطلع الشهر الحالي، قائلاً "لقد وجهنا لتركيا رسالة واضحة، فلنذهب من جديد إلى حوار مسؤول وحسن النية دون سذاجة، وهي أيضاَ دعوة إلى البرلمان الأوروبي".
À Ajaccio, nous avons adressé un message clair à la Turquie : réouvrons un dialogue responsable, de bonne foi, sans naïveté. Cet appel est désormais aussi celui du Parlement européen. Il semble avoir été entendu. Avançons.
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) September 18, 2020
Ajaccio'da, Türkiye'ye net bir mesaj gönderdik: iyi niyetli, naiflik olmaksızın sorumlu bir diyaloğu yeniden açalım. Bu çağrı bundan böyle Avrupa Parlamentosu’nun da çağrısı. Görünüşe göre de işitilmiş. İlerleyelim.
— Emmanuel Macron (@EmmanuelMacron) September 19, 2020
تصريح ماكرون الذي يبدو أنه يمثل تحذيراً أخيراً لأنقرة قبل قمة الاتحاد الأوروبي، جاء عقب عدد من التصريحات التركية خلال الأيام الماضية التي تحدثت عن الدور الفرنسي السلبي في الأزمة، ومساهمته في تحريض اليونان وقبرص ضد قبول دعوات الحوار. ويرى الجانب التركي أن الهدف الفرنسي من هذا الدور هو تعزيز قوتها في قيادة الاتحاد الأوروبي ومنافسة ألمانيا وبيع المزيد من الأسلحة في المنطقة.
وتتسارع منذ أيام الجهود الدبلوماسية لإحداث اختراق في جدار الأزمة، وسط محاولات تركية لتخفيف حدة التوتر وتثبيت موقفها في المنطقة بعد سحب سفينة الأبحاث "عروج ريس" من المناطق المتنازع عليها مع اليونان، و"عودتها إلى السواحل التركية للصيانة"، بهدف سحب الذريعة من يد الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على أنقرة. وهو الأمر الذي ساهم في خفض منسوب القلق لدى الجانب اليوناني، لكن استمرار عمل سفينة الأبحاث "ياوز" التركية في الجرف القاري لجزيرة قبرص بالاتفاق مع الإدارة التركية من الجزيرة، ما زال يشكل مصدر قلق لقبرص اليونانية العضو في الاتحاد الأوروبي، والتي تتحالف مع فرنسا للضغط على اجتماعات الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات على تركيا بسبب أنشطتها للتنقيب عن الطاقة في المتوسط.
جهود ألمانية مغايرة
وتؤدي ألمانيا دوراً محورياً في الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل لفض الأزمة شرق المتوسط، وخصوصاً بسبب وجود برلين في رئاسة الاتحاد الأوروبي الدورية. وهذا ما انعكس في توالي الاتصالات الثنائية بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان من جهة، ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس من جهة أخرى.
ويتوقع أن تواصل ألمانيا، التي تحظى بثقة الجانب التركي، اتصالاتها إلى ما قبل اتخاذ قادة الاتحاد الأوروبي قراراتهم في القمة التي ستنعقد في بروكسل، في محاولة لصياغة موقف موحد خصوصاً في ظل الموقف الفرنسي الداعم لفرض العقوبات على تركيا، والتي وصفته الأخيرة بأنه موقف "يصب الزيت على النار" في البحر المتوسط بحسب وصف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار.
وبحسب معلومات حصلت عليها صحيفة "ملييت" التركية عن مصادر أوروبية نُشرت اليوم السبت، فإن ألمانيا دعت قبرص اليونانية لاجتماع طارئ في محاولة لثنيها عن مطالبها بموضوع العقوبات على تركيا، والتي اشترطت فرض عقوبات على أنقرة مقابل الموافقة على فرض العقوبات الأوروبية المرتقبة على بيلاروسيا.
من جانب أخر، ذكرت وكالة "الأناضول" مساء الجمعة أن تركيا أطلقت إشعار "نافتكس" للبحارة قبالة سواحل جزيرة قبرص، يفيد بمواصلة سفينة الأبحاث "بارباروس خير الدين باشا"، أعمال التنقيب عن النفط والغاز، من 18 سبتمبر/ أيلول الجاري، حتى 18 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. وهو ما يعد خطوة تركية ضاغطة لتثبيت وجودها على الأرض يمكن أن تستخدمه في حال الدخول في أي مفاوضات قريبة مباشرة.
وجاء الإعلان التركي الجديد بعد ساعات من تصريحات لأردوغان، أكد خلالها أن عودة سفينة الأبحاث "عروج ريس" إلى ساحل مدينة أنطاليا "خطوة لها مغزاها"، لكنه أكد أن السفينة ستعود لعملها شرقي المتوسط بعد انتهاء أعمال الصيانة.
سيناريو العقوبات المشروطة
وبحسب تقارير إعلامية فإن ممثل السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، سيقدم قائمة بخيارات فرض العقوبات على أنقرة في التقرير الذي سيقدمه إلى وزراء الخارجية يوم الاثنين، والتي ستشمل سيناريوهات لعقوبات معلقة أو مشروطة، ستدخل حيز التنفيذ في حال قيام تركيا بأي خطوة تعتبرها بروكسل مخلة بالاتفاقيات أو حقوق أعضائها.
ويهدف الاتحاد الأوروبي من هذا السيناريو إن رأى النور المحافظة على خطوط التواصل والحوار مع أنقرة بصفتها مرشحة لنيل عضوية النادي الأوروبي وشريك سياسي واقتصادي مهم، ورمي الكرة في الملعب التركي لاتخاذ القرار المناسب.
وفي المقابل، فإن أنقرة لا تنتظر فرض عقوبات أوروبية عليها في الاجتماع المذكور، بحسب تصريحات لوزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو في لقاء تلفزيوني سابق، والذي قال إن أعضاء الاتحاد يعارضون فرض العقوبات على تركيا باستثناء فرنسا واليونان وقبرص اليونانية. لكنه أكد في المقابل أنه يجب الاستعداد لكل الاحتمالات، لأنه في حال وضعت هذه الدول أمام الاختيار فإنها ستختار في النهاية الوقوق إلى جانب الدول صاحبة العضوية في الاتحاد.
ومن المتوقع أن تناقش قمة الاتحاد الأوروبي طبيعة العقوبات المقترحة ضد تركيا، والتي يمكن "أن تشمل سفناً أو غيرها من الأصول المستخدمة في عمليات التنقيب التركية، إضافة إلى حظر استخدام موانئ ومعدات الاتحاد الأوروبي وفرض قيود على البنى التحتية المالية والاقتصادية المرتبطة بهذه الأنشطة"، بحسب تصريحات سابقة لجوزيف بوريل نهاية الشهر الماضي. وأشار في حينه إلى أنه قد يتم النظر كذلك في فرض عقوبات واسعة ضد قطاعات بأكملها في الاقتصاد التركي، لكنه استدرك أن ذلك لن يتم إلا في حال لم تثبت التدابير المحددة ضد عمليات التنقيب فعاليتها.