25 ديسمبر 2015
أسد عليّ وفي الحروب نعامَةٌ
محمد الطريمات (الأردن)
منذ عرفَت العرب الخلفاء والرؤساء، والصورة النمطية عنهم في التَّحرُّك للأحداث ونجدة النَّاس وحماية الحدود والمقدَّسات واحدة، فَهُم كما قال المتنبي: "أرانبُ غير أنَّهمو ملوكٌ/مُفتَّحة ٌعيونُهمُ نِيامُ"، اللهم إلا في حالات أخرى يستجدي فيها الشاعر، ويطلب عِوَضاً عن سكوته عن حقيقة ممدوحه. والأحداث اليوم خطيرة؛ فبساطير الجيش الصهيوني على سجاد المسجد الأقصى، إذ ليست هذه المرة الأولى التي أشعر فيها بالخزي، لكوني مواطناً في بلاد العرب، فهذا مقرَّرٌ منذ قال أمل دنقل: "كيف تنظر في عيني امرأةٍ/ أنت لا تعرف أنَّكَ لا تستطيعُ حمايَتَها؟"، لكنَّي اليوم أسطِّرُ لوماً أضيفه إلى ملامات سابقة، لا أوجهها إلى أحدٍ على وجهٍ دقيق، بل لنفسي الآثمة بين كل الصالحين، والمزايدة على كل الوطنيين الغيورين.
كل عام يُقيم الصهاينة جداراً عُنصرياً جديداً في فلسطين، ويبنون المستوطنات العملاقة على هذه الأرض الصغيرة، ثم يقتحمون الأقصى، ليمجدوا ربَّهم، ويعتلون الحوائط والقباب ليقولوا نحن ورثة الله، ولنا كلُّ شيء، وأنتم لا شيء. وفي كلَّ عام، يستفز المتدينون الصهاينة شعور المسلمين، وهم يدوسون سجاد الأقصى بالنِّعال، ويرددون أغانيهم العنصرية تحت حماية الشرطة، فيتظاهر الفلسطينيون، بعد كل هذا القمع والاستفزاز، ويرمون الحجارة البسيطة، ليتلقوا الرصاصات القاتلة. كلُّ هذا لأنهم لا يزالون يشعرون بإنسانيَّتهم وكرامتهم، وكأنَّ القتل والنفي والسجن والتعذيب ليست كافيةً لهذا الشَّعب، حتَّى تُستباح كرامته الدينية أيضاً، ولِيُجرَّد مِن كل شيء، في صمتٍ عالمي غريب وقبيح.
في الأحداث الأخيرة، لم يتحرك مع المرابطين الرجال هناك إلا المرابطات النِّساء كالعادة، اللواتي ملأن المسجد، وهن قادمات للنجدة، فمُنِعْنَ مِنَ الاقتراب، في حين أن رؤساء العرب كانوا للشجب والاستنكار والتلويح بأشياء غريبة (كالتلويح بالمسابح!)، والأغاني الشعبية والأحاديث في المقاهي وعبوس النَاس كلها تؤكدُ الغضب المحتقن في الشَّارع والسَّخط مِن هذه الردود الباردة في المستويات العُليا. وذلك كله من دون فائدة، فأيُّ محاولة جادَّةٍ للضغط تقابلها تُهمٌ جاهزة عن التَّشهير وزعزعة نظام الحُكم ومحاولة الانقلاب، وهي تهم باتت معروفة، وتوّجه إلى السجناء السِّياسيين في المحاكم العسكرية.
الأنظمة العربية غريبة جداً، فهي مُقصّرة، ولا تريد أن تسمع من أحد ما يَكشفُ عوارها، ففي الأمس القريب، كان نظام أنور السَّادات يعقد هدنته الشَّهيرة مع إسرائيل، بينما هذه تتوغل في لبنان شمالاً، واليوم يَضخُّ عبد الفتاح السيسي مياه النقمة في أنفاق غزَّة، بينما تلتهم الأدخنة الأقصى، وما حوله من ساحات، بينما الشعبُ المجرَّد يقاتل وحده، ليس معه إلا الحجارة، وقلبه النَّابض شوقاً لحياة سعيدة وكريمة.
كلَّ عام أراقب ما يَجري هناك في صمت، وأعتزل لأبكي وحدي في قهر، نعم أبكي! كم هو صعب أن تشعر بالرغبة في تقديم شيء للإنسان هناك، بينما أنت مقيدٌ تماماً هُنا، ولا تستطيع حتَّى البوح بحريَّة عمَّا تَشعُرُ به، وعمَّا يَجب أن يحصل في نظرك؟
قال فولتير، فيما يُنسَبُ له: "إذا أردت أن تعرف القواعد التي تفوقك، وتتجاوز حريتك، فأحصِ مَن ليس بإمكانكِ انتقاده"، والحقيقة أنَّ هذه الأحداث في القدس وأشباهها تَكشِفُ لنا أيَّ حريِّةٍ فعلية يعيشها الكُتَّاب والصحفيون، اليوم، في هذه البلاد، فليس السؤال الآن: "مَن عليه التَّحرك تجاه الأحداث؟"، ولكنّ "مَن يَجد في نفسه مسؤولية أخلاقية للتحرك فوراً؟"، ولن أبالغ إذا كتبت أنَّ إيقاف ما يجري يقع على مسؤولية كل العرب الذين لن يتحركوا ما دام زعماؤهم يمنعون هذا التحرك، ويصفونه بالمُهدّد لأنظِمَتِهِم، وأنا أتطلع بشوق إلى اليوم الذي تتغير فيه صورة هؤلاء الزعماء العرب في عيون النَّاس، وتصبح شيئاً مختلفاً عمَّا قاله عمران بن حِطان في الحجاج، قبل أكثر من ألف سَنة: "أسَدٌ عليَّ وفي الحُروبِ نعامَة ٌ".
كل عام يُقيم الصهاينة جداراً عُنصرياً جديداً في فلسطين، ويبنون المستوطنات العملاقة على هذه الأرض الصغيرة، ثم يقتحمون الأقصى، ليمجدوا ربَّهم، ويعتلون الحوائط والقباب ليقولوا نحن ورثة الله، ولنا كلُّ شيء، وأنتم لا شيء. وفي كلَّ عام، يستفز المتدينون الصهاينة شعور المسلمين، وهم يدوسون سجاد الأقصى بالنِّعال، ويرددون أغانيهم العنصرية تحت حماية الشرطة، فيتظاهر الفلسطينيون، بعد كل هذا القمع والاستفزاز، ويرمون الحجارة البسيطة، ليتلقوا الرصاصات القاتلة. كلُّ هذا لأنهم لا يزالون يشعرون بإنسانيَّتهم وكرامتهم، وكأنَّ القتل والنفي والسجن والتعذيب ليست كافيةً لهذا الشَّعب، حتَّى تُستباح كرامته الدينية أيضاً، ولِيُجرَّد مِن كل شيء، في صمتٍ عالمي غريب وقبيح.
في الأحداث الأخيرة، لم يتحرك مع المرابطين الرجال هناك إلا المرابطات النِّساء كالعادة، اللواتي ملأن المسجد، وهن قادمات للنجدة، فمُنِعْنَ مِنَ الاقتراب، في حين أن رؤساء العرب كانوا للشجب والاستنكار والتلويح بأشياء غريبة (كالتلويح بالمسابح!)، والأغاني الشعبية والأحاديث في المقاهي وعبوس النَاس كلها تؤكدُ الغضب المحتقن في الشَّارع والسَّخط مِن هذه الردود الباردة في المستويات العُليا. وذلك كله من دون فائدة، فأيُّ محاولة جادَّةٍ للضغط تقابلها تُهمٌ جاهزة عن التَّشهير وزعزعة نظام الحُكم ومحاولة الانقلاب، وهي تهم باتت معروفة، وتوّجه إلى السجناء السِّياسيين في المحاكم العسكرية.
الأنظمة العربية غريبة جداً، فهي مُقصّرة، ولا تريد أن تسمع من أحد ما يَكشفُ عوارها، ففي الأمس القريب، كان نظام أنور السَّادات يعقد هدنته الشَّهيرة مع إسرائيل، بينما هذه تتوغل في لبنان شمالاً، واليوم يَضخُّ عبد الفتاح السيسي مياه النقمة في أنفاق غزَّة، بينما تلتهم الأدخنة الأقصى، وما حوله من ساحات، بينما الشعبُ المجرَّد يقاتل وحده، ليس معه إلا الحجارة، وقلبه النَّابض شوقاً لحياة سعيدة وكريمة.
كلَّ عام أراقب ما يَجري هناك في صمت، وأعتزل لأبكي وحدي في قهر، نعم أبكي! كم هو صعب أن تشعر بالرغبة في تقديم شيء للإنسان هناك، بينما أنت مقيدٌ تماماً هُنا، ولا تستطيع حتَّى البوح بحريَّة عمَّا تَشعُرُ به، وعمَّا يَجب أن يحصل في نظرك؟
قال فولتير، فيما يُنسَبُ له: "إذا أردت أن تعرف القواعد التي تفوقك، وتتجاوز حريتك، فأحصِ مَن ليس بإمكانكِ انتقاده"، والحقيقة أنَّ هذه الأحداث في القدس وأشباهها تَكشِفُ لنا أيَّ حريِّةٍ فعلية يعيشها الكُتَّاب والصحفيون، اليوم، في هذه البلاد، فليس السؤال الآن: "مَن عليه التَّحرك تجاه الأحداث؟"، ولكنّ "مَن يَجد في نفسه مسؤولية أخلاقية للتحرك فوراً؟"، ولن أبالغ إذا كتبت أنَّ إيقاف ما يجري يقع على مسؤولية كل العرب الذين لن يتحركوا ما دام زعماؤهم يمنعون هذا التحرك، ويصفونه بالمُهدّد لأنظِمَتِهِم، وأنا أتطلع بشوق إلى اليوم الذي تتغير فيه صورة هؤلاء الزعماء العرب في عيون النَّاس، وتصبح شيئاً مختلفاً عمَّا قاله عمران بن حِطان في الحجاج، قبل أكثر من ألف سَنة: "أسَدٌ عليَّ وفي الحُروبِ نعامَة ٌ".