25 أكتوبر 2015
القنطار والمُشاهِدُ المحتار
محمد الطريمات (الأردن)
لم يصدر تصريح رسمي إسرائيلي، حتى الآن، يُفيد بالمسؤولية عن مقتل سمير القنطار، كما هي العادة في اغتيالات الصهاينة، إلا أنَّ الجميع يتنبأ بمسؤولية إسرائيل، استنادا لمصادر صهيونية غير رسمية وترحيب إسرائيلي باغتيال الرجل، واحتداد من حسن نصر الله الذي توعد دولة صهيون.
سمير القنطار الذي خرج من الأسر بعد صفقة عام 2008 صرَّح فوراً أنه على استعداد للمزيد من العمليات، ليخرج الجانب الصهيوني، وقتذاك، ويُحَذِّرَ الرجل من لسانه، كُنَّا نسأل أنفسنا في مراسم الاحتفال بإطلاق الأسرى عن هذا الرجل بالبزة العسكرية الخضراء: كيفَ صبر ثلاثين عاماً في سجون الاحتلال، بعد تنفيذه عملية اختطاف صهاينة، وكُنَّا نقارن ما تعلمناه من آبائنا عن حِيَادية الدروز عموماً، وبين هذا التَّاريخ المقاوم المتمثل في رجل واحد اسمه سمير القنطار، فنراجع أنفسنا، ونسترجع صور عن سليمان باشا الأطرش في مقاومة الفرنسيين.
عندما توسعت آفاقنا شيئاً ما، تعلمنا أنَّ هناك نوعاً من المقاومة، لا يرتكز بالضرورة على اعتقادٍ مُتحيِّز، وكان سمير القنطار مثالا حيَّاً عليه، فهو رجل قاد عمليته المشهورة في السادسة عشر من عمره مع جبهة التحرير الفلسطينية، ثم قبَّل الرجل يد حسن نصر الله في مراسم إطلاق سراحه من المعتقل، ثم توالت أحداث لم تخطر على بال بشر، ليتفاجأ الجميع بالقنطار وقد أُعلن نبأ مقتله اغتيالا في سورية مع مجموعة من الحزب والعسكريين الإيرانيين، ليختلط الحابل بالنابل، ويعود العرب المشاهدون إلى حالتهم الأصلية "حيص بيص"، ليذموا ويَمدحوا، ويرفعوا ويخفضوا، ويؤكدوا ويُشكِّكوا، وقد كُنتُ لأرتاح شخصياً لو سكتُّ كما فعل كثيرون آخرون، إلا أنَّني سأتكلم، وسأقول بوضوح:
أعظم مصيبة وإشكالية وحسرة في حياة هذه الأمة التعيسة أن يكون المنافحون الوحيدون الحقيقيون المتبقون عن شرف فلسطين من خارج فلسطين، هم أنفسهم الذين يدور حولهم الإشكال في الوضع السوري، أعني حزب الله وخصومه، وإذا كُنَّا قد اتفقنا على دناءة النظام السوري وانحطاطه، وغلط المتعاونين معه لقتل العُزَّل وبث الطائفية، فعلينا أيضاً أن لا ننكر التَّاريخ، ولا نتنكَّر لمجهودات هذا الحزب المتواضع في مُقاومة المُحتل والتنغيص عليه، وبذل الجهد في تحرير الأسرى وتخليص رفات العرب الشُّهداء، اعتراف قاسٍ في هذه اللحظة الشديدة، إلا أنُّه واجب على كل حال، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وقلِ الحقَّ ولو على نفسك"، كما أني أسجل، بعد هذا الاعتراف، اعترافاً آخر مِني للحزب نفسه بانَّه حزبٌ يمارسُ الطائفية الآن خارج حدوده، ويبعثُ الرجال بعد أن يعبث بعقولهم تارة ً باسم الزهراء، ولحمايةِ قبرها أفراده المتشيعين، وتارة ً بِحُجَّةِ أن الطريقَ إلى القدس يمرُّ بالزبداني، لرجالات الطوائف الأخرى! وأودُّ أن أضيف أنَّ كل السمعة الحسنة التي اكتسبها الحزب في سنين مقاومته تتبدد الآن، ويشيخ الحزب كما شاخت مِن قبلهِ فتح، ويلتفتُ عنه النَّاس، كما التفتوا إليه من قبل وصفقوا له.
درسٌ جيِّدٌ ممكن أن نتعلمه الآن من هذه الحادثة هو أنَّ سورية أصبحت، الآن، مسرحاً لتصفية الحسابات القديمة أيضاً، فالأطراف الزاعمون للمُشاركة في الحرب على الإرهاب وداعش والتحرير، لا يفوتون في هذه المعمعة فرصة للنيل من عدو قديم، وهكذا تُسقط تركيا طائرة روسية، وتتساهل الحكومات العربية في موضوع خروج المُجاهدين التكفيريين منها إلى سورية، وتقدمهم على طبق من ذهب للنظام السوري، للقضاء عليهم وإراحة رأسها منهم، وتقتلُ الدولة الصهيونية القنطار، وتتسلط الطوائفُ على بعضها بشكل رمزي، بالانضمام إلى النظام أو المقاومة، كلٌ على هواه، وتُضحي سورية، في النِّهاية، في فوضى عارمة، تتعالى فيها الأصوات إلا صوتها، ولا ينتصر في النهاية إلا الدمار.
وإذا كان للسيد حسن نصر الله، في النهاية، كلمة أخيرة يتوعَّدُ فيها القتلة، فنحنُ نتمنَّى منه أيضاً أن لا يكون ذلك في الأرض السورية، وعلى حِساب السوريين الذين لم يتوانَ عن الفتك بهم، فإذا كان للسيد أن يتوعد، فيجب أن ينفذ وعده هناك، حيث يجب أن تُخاضَ الحرب في فلسطين التي نسيها كما نسيها إخوته العرب من قبله، فأصبحوا سواءً لدى النَّاس، أولئك العرب المُعمَّمون وغير المُعمَّمين الذين لم يُحركوا أسلحتهم لمُحاربة الإرهاب الصهيوني، بينما تَفنَّنوا في تَشكيل التحالفات لمحاربة الإرهاب الإسلامي، وقتله بطريقة جعلت النَّاس يتأكدون من إمكاناتهم وخيانتهم في الوقت نفسه.
سمير القنطار الذي خرج من الأسر بعد صفقة عام 2008 صرَّح فوراً أنه على استعداد للمزيد من العمليات، ليخرج الجانب الصهيوني، وقتذاك، ويُحَذِّرَ الرجل من لسانه، كُنَّا نسأل أنفسنا في مراسم الاحتفال بإطلاق الأسرى عن هذا الرجل بالبزة العسكرية الخضراء: كيفَ صبر ثلاثين عاماً في سجون الاحتلال، بعد تنفيذه عملية اختطاف صهاينة، وكُنَّا نقارن ما تعلمناه من آبائنا عن حِيَادية الدروز عموماً، وبين هذا التَّاريخ المقاوم المتمثل في رجل واحد اسمه سمير القنطار، فنراجع أنفسنا، ونسترجع صور عن سليمان باشا الأطرش في مقاومة الفرنسيين.
عندما توسعت آفاقنا شيئاً ما، تعلمنا أنَّ هناك نوعاً من المقاومة، لا يرتكز بالضرورة على اعتقادٍ مُتحيِّز، وكان سمير القنطار مثالا حيَّاً عليه، فهو رجل قاد عمليته المشهورة في السادسة عشر من عمره مع جبهة التحرير الفلسطينية، ثم قبَّل الرجل يد حسن نصر الله في مراسم إطلاق سراحه من المعتقل، ثم توالت أحداث لم تخطر على بال بشر، ليتفاجأ الجميع بالقنطار وقد أُعلن نبأ مقتله اغتيالا في سورية مع مجموعة من الحزب والعسكريين الإيرانيين، ليختلط الحابل بالنابل، ويعود العرب المشاهدون إلى حالتهم الأصلية "حيص بيص"، ليذموا ويَمدحوا، ويرفعوا ويخفضوا، ويؤكدوا ويُشكِّكوا، وقد كُنتُ لأرتاح شخصياً لو سكتُّ كما فعل كثيرون آخرون، إلا أنَّني سأتكلم، وسأقول بوضوح:
أعظم مصيبة وإشكالية وحسرة في حياة هذه الأمة التعيسة أن يكون المنافحون الوحيدون الحقيقيون المتبقون عن شرف فلسطين من خارج فلسطين، هم أنفسهم الذين يدور حولهم الإشكال في الوضع السوري، أعني حزب الله وخصومه، وإذا كُنَّا قد اتفقنا على دناءة النظام السوري وانحطاطه، وغلط المتعاونين معه لقتل العُزَّل وبث الطائفية، فعلينا أيضاً أن لا ننكر التَّاريخ، ولا نتنكَّر لمجهودات هذا الحزب المتواضع في مُقاومة المُحتل والتنغيص عليه، وبذل الجهد في تحرير الأسرى وتخليص رفات العرب الشُّهداء، اعتراف قاسٍ في هذه اللحظة الشديدة، إلا أنُّه واجب على كل حال، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وقلِ الحقَّ ولو على نفسك"، كما أني أسجل، بعد هذا الاعتراف، اعترافاً آخر مِني للحزب نفسه بانَّه حزبٌ يمارسُ الطائفية الآن خارج حدوده، ويبعثُ الرجال بعد أن يعبث بعقولهم تارة ً باسم الزهراء، ولحمايةِ قبرها أفراده المتشيعين، وتارة ً بِحُجَّةِ أن الطريقَ إلى القدس يمرُّ بالزبداني، لرجالات الطوائف الأخرى! وأودُّ أن أضيف أنَّ كل السمعة الحسنة التي اكتسبها الحزب في سنين مقاومته تتبدد الآن، ويشيخ الحزب كما شاخت مِن قبلهِ فتح، ويلتفتُ عنه النَّاس، كما التفتوا إليه من قبل وصفقوا له.
درسٌ جيِّدٌ ممكن أن نتعلمه الآن من هذه الحادثة هو أنَّ سورية أصبحت، الآن، مسرحاً لتصفية الحسابات القديمة أيضاً، فالأطراف الزاعمون للمُشاركة في الحرب على الإرهاب وداعش والتحرير، لا يفوتون في هذه المعمعة فرصة للنيل من عدو قديم، وهكذا تُسقط تركيا طائرة روسية، وتتساهل الحكومات العربية في موضوع خروج المُجاهدين التكفيريين منها إلى سورية، وتقدمهم على طبق من ذهب للنظام السوري، للقضاء عليهم وإراحة رأسها منهم، وتقتلُ الدولة الصهيونية القنطار، وتتسلط الطوائفُ على بعضها بشكل رمزي، بالانضمام إلى النظام أو المقاومة، كلٌ على هواه، وتُضحي سورية، في النِّهاية، في فوضى عارمة، تتعالى فيها الأصوات إلا صوتها، ولا ينتصر في النهاية إلا الدمار.
وإذا كان للسيد حسن نصر الله، في النهاية، كلمة أخيرة يتوعَّدُ فيها القتلة، فنحنُ نتمنَّى منه أيضاً أن لا يكون ذلك في الأرض السورية، وعلى حِساب السوريين الذين لم يتوانَ عن الفتك بهم، فإذا كان للسيد أن يتوعد، فيجب أن ينفذ وعده هناك، حيث يجب أن تُخاضَ الحرب في فلسطين التي نسيها كما نسيها إخوته العرب من قبله، فأصبحوا سواءً لدى النَّاس، أولئك العرب المُعمَّمون وغير المُعمَّمين الذين لم يُحركوا أسلحتهم لمُحاربة الإرهاب الصهيوني، بينما تَفنَّنوا في تَشكيل التحالفات لمحاربة الإرهاب الإسلامي، وقتله بطريقة جعلت النَّاس يتأكدون من إمكاناتهم وخيانتهم في الوقت نفسه.