نقطة نظام

18 سبتمبر 2015
+ الخط -
قبل أيام تابعنا، وتابع النَّاس، مقطعَ فيديو لشاب في السعودية، كان الشاب ينطلق بصوت ظريف ينتشر في الشارع، ويملأ الحي الهاديء في وقت باكر جداً وغير معتاد، كان الصوت أغنية يُردد الشاب كلماتها: "يا لولو يا لولو"، ثم يرتاح "يا لولو يا لولو"...إلخ. الغريب أن ذلك الصوت كان يخرج من مكبرات المسجد.
بدأ تصوير المقطع من خارج المسجد، ثم انتقل الى الداخل، حيث اندفع النَّاس ليروا الرجل ويوقفوا هذه المهزلة. يظهر الفيديو أن النَّاس كانت تتجمهر حول الرجل فضولاً لا أكثر، بعد أن أغلقوا السماعة الخارجية، وكان صغيرهم ينتظر كبيرهم، ليقول أو يفعل شيئاً، ومكثوا على ذلك بعض الوقت، قبل أن يخرج أحد المتحمسين، وينهال بالضرب على الرجل المخمور. عند ذلك كفـَّه النَّاس، وقال أحد الأصوات الحكيمة والظاهر أنه مسجل الفيديو: "يا ناس تراه موب صاحي"، وهكذا توقف الضَّارب، وأخليَ سبيل المغني المخمور. هذه العبارة "يا ناس تراه موب صاحي" أنهت المشكلة التي كان من الوارد أن تستمر، ومنعت مزيداً من اللكمات لا داعي لها، فالرجل لم يقصد ما فعل، وهو لم يرمِ إلى الاستهزاء بالمسلمين وبمشاعرهم عند التأمل، وهذا واضح.
قبل أيام أيضاً، انشغل الشارع الأردني بفيديو في برنامج فكاهي في قناة رؤيا الفضائية، كان المقطع غريباً عن المشهد، إذ نشاهد الممثلة تؤدي دور راوية قصص للأطفال، تتكلم عن شخوص القصص، وتسير في الأحداث بشكل طبيعي، حتَّى تصل إلى إيحاءات جنسية، لتفغر الراوية فاهها وتصمت باندهاش، كأنها تشير إلى عدم رضاها، بينما هناك خلف الكواليس تمتد عصا طويلة وهي تُشير إلى الراوية بإغفال الأجزاء التي لا تحوي إيحاءً جنسياً، في إشارة لما تصنعه بعض القنوات من تعمد بث هذه السموم في برامجها من دون مراعاة للأعمار. ولم ينته الجدل بين النَّاس إلى السَّاعة حول مضمون ذلك الفيديو. وبينما كانت تتعالى أصوات لإغلاق القناة، ووصمها باللاأخلاقية، كانت أصوات أخرى على الجانب الآخر تؤكد سمعة القناة النظيفة، وتوضح أنَّ ما جرى سوء فهم، وكان فريق ثالث حائر بين الفريقين، يريد أن يطعن فيقلع، ويريد أن يبرَّئ فينثني.
لم يكن برنامج "قنوات مرفوضة" الذي بدأ بثه قبل وقت قريب يُذكرُ قبل أن يحصل ما حصل. هكذا وفجأة، بدأ النَّاس يتناقلون الحلقة الجدلية، وذلك المقطع الخاص بالخوخ وبالنَّجار. لكن ألم تكن "رؤيا" قبل هذا الوقت تتجاوز الحدود مع المُشاهد؟ ألم تكن تبثُّ برنامج "نكت شوارع" المليء بمثل هذه الايحاءات؟ بلى! لكن الموضوع كان مجرد نكتة واضحة، تجلب الضحك وتنزع الجدية والحساسية عن النَّاس.
الأمر هنا مختلف. لم يكن برنامج "قنوات مرفوضة" واضحاً في نكتته، كان مغلّفا بالنقد وبالكوميديا السوداء، أضِف إلى ذلك أن قناة رؤيا المجدة محاطة بعدد لا بأس به من الحُسَّاد والمتصيدين من القنوات والمواقع الإعلامية الأخرى، وهكذا كان! وكان من الممكن أن تصبح هذه الحالة تسويقاً جيداً للقناة وللبرنامج المعني، من خلال البلبلة والحديث المتواصل عما حصل، لولا أن جاءت أخبار مؤكدة عن نية بعضهم رفع قضية على القناة بتهمة خدش الحياء العام.
فعلاً لم يكن البرنامج للصغار، ومن المرجح جداً أن يكون ّموجهاً بالأصل لنقد الإيحاءات الجنسية في القنوات العربية الكثيرة التي تغفل الرقابة على برامجها، وهكذا وجدت القناة نفسها ضحية سوء الفهم الذي جعلها في خانة واحدة مع قنوات أخرى حاولت انتقاد ممارساتها من خلال البرنامج.
ما لم تفكر به القناة، ولا أظن أنها أتعبت نفسها فيه، هو أخذ حساسية المواطن الأردني الأخلاقية والدينية في الحُسبان. أكثر المواطنين المعترضين كانوا يُرددون: "لدينا بنات وفتيات يُشاهدن التلفاز"، وهذا المعيار البسيط لا يزال صالحاً للقياس عليه في معرفة المقبول محليا.
كان من السَّهل أن تجتنب القناة كل هذه الإشكالات، لو فكَّرَتْ بهذا المعيار، أو بحجم المتصيِّدين، أو أن تدرس البرنامج جدياً، وأن تستخدم وسائل أخف وطأة ورسائل أقل فجاجةً، لتوضيح فكرة ما أو تبنيها.
دلالات
avata
avata
محمد الطريمات (الأردن)
محمد الطريمات (الأردن)