عن الأمن والأمان

07 أكتوبر 2015
+ الخط -
عندما تسأل أردنيين كثيرين عن الِّنِعَمِ التي يعيشونَها، فإنَّهم دائماً ما يشتكون، فالرواتب قليلة، والتكاليف باهظة، والحال "مستور". ولكن، عندما يتعلق الأمر بالأردن نفسه، فإنَّ كثيرين يسارعون إلى قول العبارة المَشهورة: "أمن وأمان". ولكثرة ما سمعتُ الكلمتين معاً، ظننتهما نعمتين مختلفتين. ولكن، بعد مراجعتي قواميس اللغة، وجدتُ الأمر على خلاف ما ظننت، فالأمن والأمان واحد، ومصدران للجذر نفسه "أمِنَ". يذكر صاحب لسان العرب: "آمنتُ غيري من الأمن والأمان"، كما أنه ينقل عن أبي زياد قوله: "أنت في أمن من ذلك، أي في أمان"، ويقول صاحب القاموس المُحيط: "أمِنَ كفَرِحَ أمناَ وأماناً"، فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا يُصرُّ الناس على هذه المزاوجة؟
عند الحديث مع الناس، يُركّزون على "مشاهدة ما حولك" في البلاد المجاورة، وينسونَ وهم يقولون ذلك أنَّهم باتوا معتادين في الآونة الأخيرة على كثيرٍ مِن أخبار القتل بأنواعه ومقدماته: سرقة وقتل، اغتصاب وقتل، العثور على وليد ميت قرب حاوية، شجار بين عائلتين يوقع مُصابين وقتلى، إطلاق أعيرة نارية في عرس يودي بحياة...إلخ، هذا إضافةً إلى الأحداث الأخرى الأقل أهمية، والتي تَعجُّ بِها المَحَاكم، كالسرقة والنَّشل النَّصب، ووجود قلّة من المتزعمين البلطجية الذين يهيمنون على مناطق شعبية، والغريب أنه، حينما يدور نقاش حول هذه الجرائم البشعة التي أوشَكَت أن تُشَكِّلَ ظاهرة في الشَّارِعِ الأردني، نلاحظ أنَّ المتحمسين للأمن والأمان هُم من يبدأؤون نِّقاش هذه الأحداث، والخوض في تفاصيلها، مظهرين قَلَقاً واضحا منها، ومؤكدين أن "النَّاس فقدت عقولها"، وأن "الدنيا أصبَحَتْ آخر وقت"، في تناقضٍ عجيب بين إثبات الأمن ونفيه، في وقتٍ واحد، يَحصلُ هذا وأنتَ تُحاولُ الحصول على تعريف لهذا الأمن والأمان الموجود. لكن، من دون فائدة.
وعندما ينتهي النَّاسُ، هُنا، مِن أعمالهم، ويَذهبونَ إلى المقاهي مساءً، يبدأون كلاماً لا ينتهي عن كُلِّ شيءٍ، وربَّما ستكون موَفَّقاً لتَسمَعَ تعريفاً آخرَ جديداً لهذا الأمن والأمان. يقولُ الكهل الأصلع ذو الشوارب أمامي، وهو يتناول أوراق الشدة: "الأمن والأمان هو أن تقارننا بدول كسورية والعراق!"، أهزُّ رأسي على الطاولة قبالته، وأصغي دقائق مِنَ المُقارنة، لكنني أجدُ الأمر إضاعة ً للوقت أن تتم المُقارنة، هُنا، مع أسوأ البلاد سُمعة ً فيما يتعلقُ بأمن المواطنين، أي بلد آخر كان ليكسب الرهان، لو تمت مقارنته مع العراق وسورية، حتَّى لو كان مملوءاً عَن آخره بتجار المُخَدَّرات والمافيا والسِّلاح.
يروي زياد قاسم، رحمه الله، في روايته (الزوبعة)، أنه حينما أخبر النَّاس الرقيب البريطاني، كلوب باشا، أنَّ القهوجي سرور دائماً ما يسكر في الليل، ويعربدُ على النَّاس ويملؤهم خوفاً، كان الرقيب البريطاني يضحَكُ، ويؤكدُ للمشتكي أنَّ هذه علامة ُ خير على أنَّ عمَّان لم تعد قرية، بل أصبحت مدينةً حقيقية. أقول: صحيحٌ أنَّ الكثافة السكانية تحتملُ شَرَّاً أكثر وخوفاً أكثر، إلا أنَّ الحالة تفاقمَت، أخيراً، ووصلتْ إلى مستويات جديدة؛ فقبل أيَّام قُتِلَ شرطي أردني وأصيب آخر إصابةً بليغة في أثناء أدائهما الواجب، وقد أكدت هذه الحالة للنَّاس أن الشرَّ وصل حتَّى للساهرين على الأمان أنفسهم.
ليس بالإمكان إنكارُ أنَّ الأردنَّ الآن يُشكِّلُ موقعاً هادئاً بين جيرانه، وأنَّهُ معبر مرغوب فيه للاجئين، قبل أن ينتقلوا إلى دول أوروبية أخرى أوفر رزقاً، وأكبر حجماً، وأنَّ سُمعَتَهُ الجيِّدة في الأمن أتت مِنَ المُقارنة مع الصفيح السَّاخن، وأن جهوداً كثيرة تُبذَلُ للمحافظة على هذه السُمعة، لكن حجمَ المشكلات المتزايد في هذه الرقعة الصَّغيرة، يَجعَلنا نَقلق مِن حجم الدعاية المتزايد على الأمن والأمان في الإعلام الرَّسمي، إذ يكفي أن تَعَتَرفَ الدَّولةُ بالمشكلة، وأن تقف على مُسبِّباتها التي يحتل العامل الاقتصادي دوراً بارزا فيها، كي نلج طريق الحل.
avata
avata
محمد الطريمات (الأردن)
محمد الطريمات (الأردن)