هل انتهى عهد الدولار الرخيص ودخل العالم في دورة جديدة من انكماش السيولة الدولارية وربما حدوث ارتفاع جنوني في الورقة الخضراء، بسبب نهاية سياسة "التيسير الكمي" وتوجه أوروبا نحو تشديد السياسة النقدية خلال الفترة المقبلة؟
هذا السؤال بدأ يثير القلق في سوق الائتمان العالمي الذي يتزايد اعتماده على الدولار.
حسب البروفسورة كارمن رينهارت، من جامعة هارفارد الأميركية، في تعليقات نشرتها هذا الأسبوع، فإن أسواق المال دخلت فعلياً في أزمة شح دولارات، رغم مرونة أسعار الصرف وحرية حركة رأس المال في أنحاء العالم.
ومن علامات النقص المريع في الدولار في أسواق المال الرئيسية، ارتفاع سعر الفائدة على عقود الدولار الآجلة في العديد من اقتصادات العالم، والضغوط المتزايدة على خطوط الائتمان في المصارف التجارية في أنحاء العالم، لدرجة اضطرت بعض البنوك المركزية للتدخل وضخ دولارات في السوق المالي.
وفي لندن، ارتفع سعر الفائدة بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر، وهو سعر الفائدة الذي يطلق عليه ليبور، إلى 0.88%.
ولاحظ مصرفيون في العاصمة البريطانية، أن هنالك تسابقاً بين المصارف والمستثمرين الكبار على اكتناز الدولارات قبل رفع سعر الفائدة الأميركية، خاصة بعد التحسن الكبير في معدل نمو الاقتصاد الأميركي، والذي يؤشر إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي)، قد يرفع الفائدة قريباً.
كما لاحظوا أيضاً ارتفاع كلفة الاقتراض في معظم أسواق المال الرئيسية.
وكان بنك التسويات الدولية، الذي يوجد مقره في سويسرا وينظر إليه على أنه البنك المركزي للعالم، قد حذر خلال الشهر الماضي من تداعيات ارتفاع كلفة الاقتراض بالدولار على سوق الائتمان العالمي.
اقــرأ أيضاً
ومن المعروف أن أية تغييرات في سعر الفائدة الأميركية ستؤثر لحظياً على كلفة القروض المصرفية في أنحاء العالم، التي تقدر قيمتها بحوالي 5 ترليونات دولار.
وترى رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي)، جانيت يلين، في أحد تعليقاتها، أن رفع سعر الفائدة الأميركية سيفيد ملايين الأفراد في أميركا، وهو تعليق نظرت له أسواق المال على أساس أنه مؤشر على أن الفيدرالي الأميركي يتجه نحو رفع سعر الفائدة.
وتقدر أوساط مالية أن 60% من اقتصادات العالم مرتبطة بالدولار، إما بشكل مباشر عبر ربط عملاتها بالعملة الأميركية، كما هو الحال بالنسبة للسعودية وباقي دول الخليج، أو بشكل غير مباشر، كما هو الحال في مصر والعديد من دول العالم النامي.
ويرى بنك التسويات الدولية، أن كلفة الإقراض بالعملات المحلية في دول آسيا وأميركا اللاتينية والمنطقة العربية وأفريقيا وحتى الصين سترتفع خلال الفترة المقبلة، تبعاً لكلفة الاقتراض بالدولار، سواء كانت عملاتها مرتبطة بالدولار أو ليست مرتبطة.
ومن علامات النقص المريع في الدولار، ارتفاع كلفة معدل المقايضة لمدة سنة في حي المال البريطاني إلى 2.71% على الدولار، وهي آلية تستخدم للاستفادة من التغيّرات المتوقعة في أسعار الفائدة على عقود العملات.
كما ارتفع معدل الفائدة على القروض السيادية خلال الأسبوع الجاري إلى المستويات التي شهدها في العام الماضي في فترة انهيار البورصة الصينية.
وتشير إحصائيات يابانية إلى أن بنك اليابان (البنك المركزي)، ضاعف من القروض الدولارية للمصارف التجارية مستغلاً في ذلك رصيده الأجنبي، وذلك في استباق لأزمة النقص في السيولة الدولارية.
وفي السعودية، ارتفعت الفائدة بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر إلى 2.4%، وهو ما يعني أن البنوك التجارية بدأت تعاني من النقص في الدولارات المتاحة للاقتراض.
وترى البروفسورة كارمن رينهارت، في بحث عن نقص الدولارات، نشرته في بداية الأسبوع الجاري، أن السبب الرئيسي في نقص الدولارات في أسواق الائتمان العالمية يعود إلى تدهور أسعار النفط والسلع الأولية خلال السنوات الماضية، حيث كانت هذه الدول ترفد المصارف التجارية العالمية بفوائض الدولارات حينما كانت أسعار الطاقة والسلع الأولية مرتفعة.
ولكنها قالت إن هذه الدول تحولت من دول ممولة لأسواق الائتمان إلى دول مستهلكة للدولارات، حيث سحبت العديد منها جزءاً من ادخاراتها بالنقد الأجنبي.
يذكر أن تراكم فوائض "البترودولار"، كانت من أهم آليات توفير السيولة الدولارية في أسواق المال العالمية.
وفي لحظات ذروة ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية راكمت بعض الدول فوائض دولارية بلغت أكثر من 4 ترليونات دولار بالنسبة للصين، وترليون دولار لكل من اليابان وتايوان، كما أن الرصيد الدولاري لكل من صندوق أبوظبي السيادي وصندوق النرويج تجاوز ترليون دولار.
وترى أوساط أميركية أن الأموال المتاحة للاقتراض بالدولار انخفضت بحوالي 560 مليار دولار خلال الشهر الماضي، مقارنة بمستوياتها في العام الماضي. كما أن زيادة الفارق بين سعر الإقراض بالدولار في لندن وسعر الفائدة على أوراق الخزينة الأميركية قصيرة الأجل لمدة ثلاثة أشهر، تنذر بأزمة دولارات تتفاعل في المراكز المالية الرئيسية في العالم.
ويبدو أن العالم أدمن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الاعتماد على الدولار، كما أن أميركا ومنذ إلغاء النظام الذهبي في تسعير العملة الخضراء وتعويم سعر صرف الدولار، أدمنت الاستدانة بالدولار.
ومنذ أزمة المال الأخيرة في العام 2008، دخل العالم في الدائرة الخطرة، ألا وهي أن أميركا يجب أن تواصل تكبد عجز ضخم في الميزان التجاري، حتى تسمح للعالم بالحصول على الدولارات اللازمة لتمويل المشاريع والتجارة والاستثمار.
وفي المقابل، لا بد للعالم من شراء سندات الخزانة الأميركية حتى يسمح لأميركا بتمويل العجز في الميزانية الذي يراكم من الدين العام الأميركي الذي فاق حالياً 19 ترليون دولار. وهي دائرة تهدد بإفلاس العالم وإفلاس أميركا، ما لم يوجد حل لهذه المشكلة المستعصية.
ويلاحظ أن أميركا تمكنت من إغراء العالم وإجباره على الاعتماد على الدولار، عبر وسيلتين، ألا وهما توظيف الدولار كعملة احتياط دولية والعملة الأفضل للحفاظ على قيمة الموجودات من جهة.
ومن جهة أخرى، جعل سوق سندات الخزانة الأميركية كأكبر سوق للأدوات المالية والوسيلة الأسهل لتحويل الموجودات إلى سيولة في العالم.
وبناء على هذه المعادلة التي ربطت بها أميركا العالم بالدولار، لم يعد شركاء أميركا الرئيسيون في التجارة يرون أن هنالك حاجة لتحويل فوائض ميزانهم التجاري مع أميركا من الدولارات إلى الذهب كما كان في السابق، حيث إنهم باتوا يجدون أن الحفاظ على فوائضهم بالدولار أو بالسندات أفضل من وضعها في قنوات مالية أخرى.
وبهذه المعادلة اكتملت الدائرة الخطرة التي تتشكل من اعتماد أميركا على شركائها التجاريين في تمويل عجز الميزانية المستمر دون منح أي اعتبار لتراكم الدين العام، وفي المقابل جعلت هؤلاء الشركاء في حاجة دائمة للدولارات لتمويل التجارة والاستثمار والتنمية.
ويرى اقتصاديون أن هذه الدائرة الخطرة التي تواجه النظام المالي العالمي، إما أن تترك للاستمرار بلا نهاية أو يجب تفكيكها تدريجياً قبل أن تنفجر وتفجر معها الاقتصاد العالمي برمته.
اقــرأ أيضاً
هذا السؤال بدأ يثير القلق في سوق الائتمان العالمي الذي يتزايد اعتماده على الدولار.
حسب البروفسورة كارمن رينهارت، من جامعة هارفارد الأميركية، في تعليقات نشرتها هذا الأسبوع، فإن أسواق المال دخلت فعلياً في أزمة شح دولارات، رغم مرونة أسعار الصرف وحرية حركة رأس المال في أنحاء العالم.
ومن علامات النقص المريع في الدولار في أسواق المال الرئيسية، ارتفاع سعر الفائدة على عقود الدولار الآجلة في العديد من اقتصادات العالم، والضغوط المتزايدة على خطوط الائتمان في المصارف التجارية في أنحاء العالم، لدرجة اضطرت بعض البنوك المركزية للتدخل وضخ دولارات في السوق المالي.
وفي لندن، ارتفع سعر الفائدة بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر، وهو سعر الفائدة الذي يطلق عليه ليبور، إلى 0.88%.
ولاحظ مصرفيون في العاصمة البريطانية، أن هنالك تسابقاً بين المصارف والمستثمرين الكبار على اكتناز الدولارات قبل رفع سعر الفائدة الأميركية، خاصة بعد التحسن الكبير في معدل نمو الاقتصاد الأميركي، والذي يؤشر إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي)، قد يرفع الفائدة قريباً.
كما لاحظوا أيضاً ارتفاع كلفة الاقتراض في معظم أسواق المال الرئيسية.
وكان بنك التسويات الدولية، الذي يوجد مقره في سويسرا وينظر إليه على أنه البنك المركزي للعالم، قد حذر خلال الشهر الماضي من تداعيات ارتفاع كلفة الاقتراض بالدولار على سوق الائتمان العالمي.
وترى رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي)، جانيت يلين، في أحد تعليقاتها، أن رفع سعر الفائدة الأميركية سيفيد ملايين الأفراد في أميركا، وهو تعليق نظرت له أسواق المال على أساس أنه مؤشر على أن الفيدرالي الأميركي يتجه نحو رفع سعر الفائدة.
وتقدر أوساط مالية أن 60% من اقتصادات العالم مرتبطة بالدولار، إما بشكل مباشر عبر ربط عملاتها بالعملة الأميركية، كما هو الحال بالنسبة للسعودية وباقي دول الخليج، أو بشكل غير مباشر، كما هو الحال في مصر والعديد من دول العالم النامي.
ويرى بنك التسويات الدولية، أن كلفة الإقراض بالعملات المحلية في دول آسيا وأميركا اللاتينية والمنطقة العربية وأفريقيا وحتى الصين سترتفع خلال الفترة المقبلة، تبعاً لكلفة الاقتراض بالدولار، سواء كانت عملاتها مرتبطة بالدولار أو ليست مرتبطة.
ومن علامات النقص المريع في الدولار، ارتفاع كلفة معدل المقايضة لمدة سنة في حي المال البريطاني إلى 2.71% على الدولار، وهي آلية تستخدم للاستفادة من التغيّرات المتوقعة في أسعار الفائدة على عقود العملات.
كما ارتفع معدل الفائدة على القروض السيادية خلال الأسبوع الجاري إلى المستويات التي شهدها في العام الماضي في فترة انهيار البورصة الصينية.
وتشير إحصائيات يابانية إلى أن بنك اليابان (البنك المركزي)، ضاعف من القروض الدولارية للمصارف التجارية مستغلاً في ذلك رصيده الأجنبي، وذلك في استباق لأزمة النقص في السيولة الدولارية.
وفي السعودية، ارتفعت الفائدة بين البنوك لأجل ثلاثة أشهر إلى 2.4%، وهو ما يعني أن البنوك التجارية بدأت تعاني من النقص في الدولارات المتاحة للاقتراض.
وترى البروفسورة كارمن رينهارت، في بحث عن نقص الدولارات، نشرته في بداية الأسبوع الجاري، أن السبب الرئيسي في نقص الدولارات في أسواق الائتمان العالمية يعود إلى تدهور أسعار النفط والسلع الأولية خلال السنوات الماضية، حيث كانت هذه الدول ترفد المصارف التجارية العالمية بفوائض الدولارات حينما كانت أسعار الطاقة والسلع الأولية مرتفعة.
ولكنها قالت إن هذه الدول تحولت من دول ممولة لأسواق الائتمان إلى دول مستهلكة للدولارات، حيث سحبت العديد منها جزءاً من ادخاراتها بالنقد الأجنبي.
يذكر أن تراكم فوائض "البترودولار"، كانت من أهم آليات توفير السيولة الدولارية في أسواق المال العالمية.
وفي لحظات ذروة ارتفاع أسعار النفط والسلع الأولية راكمت بعض الدول فوائض دولارية بلغت أكثر من 4 ترليونات دولار بالنسبة للصين، وترليون دولار لكل من اليابان وتايوان، كما أن الرصيد الدولاري لكل من صندوق أبوظبي السيادي وصندوق النرويج تجاوز ترليون دولار.
وترى أوساط أميركية أن الأموال المتاحة للاقتراض بالدولار انخفضت بحوالي 560 مليار دولار خلال الشهر الماضي، مقارنة بمستوياتها في العام الماضي. كما أن زيادة الفارق بين سعر الإقراض بالدولار في لندن وسعر الفائدة على أوراق الخزينة الأميركية قصيرة الأجل لمدة ثلاثة أشهر، تنذر بأزمة دولارات تتفاعل في المراكز المالية الرئيسية في العالم.
ويبدو أن العالم أدمن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية الاعتماد على الدولار، كما أن أميركا ومنذ إلغاء النظام الذهبي في تسعير العملة الخضراء وتعويم سعر صرف الدولار، أدمنت الاستدانة بالدولار.
ومنذ أزمة المال الأخيرة في العام 2008، دخل العالم في الدائرة الخطرة، ألا وهي أن أميركا يجب أن تواصل تكبد عجز ضخم في الميزان التجاري، حتى تسمح للعالم بالحصول على الدولارات اللازمة لتمويل المشاريع والتجارة والاستثمار.
وفي المقابل، لا بد للعالم من شراء سندات الخزانة الأميركية حتى يسمح لأميركا بتمويل العجز في الميزانية الذي يراكم من الدين العام الأميركي الذي فاق حالياً 19 ترليون دولار. وهي دائرة تهدد بإفلاس العالم وإفلاس أميركا، ما لم يوجد حل لهذه المشكلة المستعصية.
ويلاحظ أن أميركا تمكنت من إغراء العالم وإجباره على الاعتماد على الدولار، عبر وسيلتين، ألا وهما توظيف الدولار كعملة احتياط دولية والعملة الأفضل للحفاظ على قيمة الموجودات من جهة.
ومن جهة أخرى، جعل سوق سندات الخزانة الأميركية كأكبر سوق للأدوات المالية والوسيلة الأسهل لتحويل الموجودات إلى سيولة في العالم.
وبناء على هذه المعادلة التي ربطت بها أميركا العالم بالدولار، لم يعد شركاء أميركا الرئيسيون في التجارة يرون أن هنالك حاجة لتحويل فوائض ميزانهم التجاري مع أميركا من الدولارات إلى الذهب كما كان في السابق، حيث إنهم باتوا يجدون أن الحفاظ على فوائضهم بالدولار أو بالسندات أفضل من وضعها في قنوات مالية أخرى.
وبهذه المعادلة اكتملت الدائرة الخطرة التي تتشكل من اعتماد أميركا على شركائها التجاريين في تمويل عجز الميزانية المستمر دون منح أي اعتبار لتراكم الدين العام، وفي المقابل جعلت هؤلاء الشركاء في حاجة دائمة للدولارات لتمويل التجارة والاستثمار والتنمية.
ويرى اقتصاديون أن هذه الدائرة الخطرة التي تواجه النظام المالي العالمي، إما أن تترك للاستمرار بلا نهاية أو يجب تفكيكها تدريجياً قبل أن تنفجر وتفجر معها الاقتصاد العالمي برمته.