وكانت التكهنات قد شاعت بأن روسيا قد تبرم اتفاقاً مع المنظمة لكبح التراجع عندما التقى وزير طاقتها، ألكسندر نوفاك، بنظيره السعودي، علي النعيمي، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
لكن مركز أبحاث كان قد حذر نوفاك من تداعيات عدم تعاون أوبك مع مساعي روسيا لدعم الأسعار، منبهاً إلى أن التحرك بشكل فردي في هذا الاتجاه سيكون باهظ التكلفة في وقت تعاني فيه البلاد من وضع مالي بالغ السوء.
وقال فريق أبحاث يقوده خبير الطاقة، غريغوري فيغون، في تقرير أعد بطلب من وزارة الطاقة قبيل اجتماع 25 نوفمبر/تشرين الثاني في فيينا (لم ينشر من قبل): "إذا خفضت روسيا الإنتاج، فإن أوبك ستنتزع حصتنا السوقية في أوروبا".
وخلال الاجتماع، رفض نوفاك خفض إنتاج بلاده من النفط، وبعد ذلك بيومين، رفض وزير البترول السعودي علي النعيمي طلبات لخفض الإنتاج خلال اجتماع لأوبك؛ مما دفع أسعار الخام إلى أدنى مستوياتها في أربع سنوات، وأطلق معركة عالمية على حصص السوق.
وبعد ستة أشهر على هذه الأحداث، من المتوقع أن يتكرر السيناريو نفسه في الاجتماع المقبل لأوبك.
وما زال سعر الخام القياسي البالغ نحو 63 دولاراً للبرميل أقل بكثير مما كان عليه قبل اجتماع أوبك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. لكنه تعافى من مستواه المتدني 46 دولاراً الذي سجله في يناير/كانون الثاني، مما يخفف الضغوط لاتخاذ إجراء جذري.
ومن المستبعد أن تغيّر أوبك، والتي تسيطر على ثلث سوق النفط العالمية، وروسيا التي تنتج 12% أخرى، استراتيجية الإنتاج.
وجاء في التقرير السري أنه إذا قررت موسكو خفض الإنتاج أو الصادرات، فإن كمية مماثلة من خام أوبك، معظمها من السعودية إلى جانب إيران وليبيا، ستحل محل نحو مليون برميل يومياً من النفط الروسي.
وتوقع غريغوري فيغون أن ترفض السعودية خفض الإنتاج، لأنها قادرة على تحمل انخفاض سعر النفط.
ورجح التقرير سالف الذكر أن يستغل أكبر عضو في أوبك الفرصة لزيادة حصته السوقية على حساب المنتجين المنافسين والأعلى تكلفة مثل الولايات المتحدة وروسيا.
وخلص التقرير إلى أن منتجي النفط الصخري الأميركي سينجحون في المحافظة على مستويات الإنتاج حتى في ظل الانخفاض الشديد للأسعار.
توترات عالية
وإلى جانب نوفاك مثّل روسيا في محادثات 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إيغور سيتشين، رئيس شركة الطاقة العملاقة روسنفت، وحليف الرئيس فلاديمير بوتين. والتقى الاثنان بالنعيمي وبالأمين العام لأوبك، عبد الله البدري، ووزير الخارجية الفنزويلي، رفاييل راميريز، وبيدرو خواكين كولدويل، وزير الطاقة المكسيكي، علماً أن المكسيك ليست عضواً في أوبك.
وسادت توقعات وقتها تفيد بأن موسكو وأوبك ستتفقان على خفض مشترك لدعم الأسعار. فقد كان الوضع الروسي متأزماً بسبب العقوبات الغربية المفروضة على موسكو، على خلفية الأزمة الأوكرانية.
لكن بعد محادثات استمرت عدة ساعات، غادر سيتشين والنعيمي فندق غراند حياة من بابين خلفيين مختلفين. وأعلنت روسيا أنها لن تخفض الإنتاج ولو تراجعت الأسعار إلى 40 دولاراً. في حين قال النعيمي إنه حضر إلى الاجتماع من دون أي توقعات، وبعد ذلك بيومين حث سائر وزراء أوبك على عدم خفض الإنتاج.
وارتفع الإنتاج النفطي الروسي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند أكثر من 10.7 ملايين برميل يومياً في أبريل/نيسان الماضي. ويرجع ذلك أساساً إلى زيادة إنتاج شركة غازبروم التي تديرها الدولة وشركة باشنفت المؤممة حديثاً.
وحققت الشركات الروسية هذه الزيادة رغم تداول التوقعات بانهيار وشيك للاقتصاد الوطني؛ بسبب العقوبات التي أعاقت حصولها على التمويل الدولي والتكنولوجيا الغربية.
وأظهر التقرير سالف الذكر أن روسيا كانت تعلم أن حرب الإمدادات ستضعف أسعار النفط وتضر بميزانيتها، والتي تعاني من عجز يعادل 4.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
لكن مصدراً قريباً من الفريق الروسي المسؤول عن المحادثات مع أوبك، قال إن تغييرات كبيرة وقعت منذ ذلك الحين. وأضاف: "سعر النفط انتعش وروسيا تتأقلم نوعاً ما. هناك أيضاً اعتقاد بأن السعوديين لن يخفضوا كي لا تتراجع حصتهم من السوق، ولذا ينبغي على روسيا ألا تخفض هي الأخرى".