في خضم تفاعلنا العجيب الغريب مع قضايا الشأن العام على وسائل التواصل الاجتماعي، انقدحت في رأسي اﻷقرع فكرة، ربما يلتقطها بعضُ السيّارة من مبرمجي برامج الجوال، فيخترع لنا برنامجاً يُنفّذها.
بما أننا شعوب تتكلم عن الديمقراطية أكثر من أولئك الذين يمارسونها، ولو جزئياً، ونحلل القضايا اﻹقليمية كتحليل طفلين لمباريات الدوري اﻹسباني وهما ينتظران "الكيدز ميل" في المطعم، ولنا رأي في كل صغيرة وكبيرة، وإن كان هذا التفاعل الزائد ليس منقبةً إلا أنه لا يمكن أن يكون عيباً محضاً في الوقت نفسه، فالناس تتفاعل ﻷنها حصلت على ما يُكبّر أصواتها الكترونياً، أو لأنها تريد أن تقول، ولا تستطيع: يا أيها الذي لا يُرينا إلا ما يرى.. هذا ما نراه، فالعبارة كثيراً ما تكون في القضايا الإقليمية والمعنى حيثُ الوطن نفسه.
الفكرة، أن نُوجد لنا حياةً إلكترونية رديفة لحياتنا الواقعية، كما يفعل الكُتّاب في رواياتهم، فضاءً موازياً ليومياتنا وهمومنا وأفكارنا، ولكن تلك التي تتعلق بداخل الوطن لا خارج حدوده، نحقق فيه مشاركة أكبر في صنع القرار، وسلطة أقوى في مراقبة المال العام وأداء الأجهزة الحكومية، وفسحة أرحب للتعبير الحر عن الرأي، وذلك عن طريق برنامج نحمله في هواتفنا الجوالة، تضمنا في أحزابٍ افتراضية إن شئنا الانضمام، نتواصل لكتابة برامج انتخابية، وتفتح لنا صناديق اقتراع افتراضية أيضاً لنُرشّح أو نترشح لمناصب قيادية، تُطرح البرامج، وتُفتح المساحات للنقاش، على أن يُربط البرنامج في كل بلد بمؤسساته وأخباره، ليتماهى اللاعبون -وسأقول لاعبون لأننا نريده أن يكون لعبة، وأن نخترع فيه بعض المزايا البوكيمونية الداعية للإثارة واﻹدمان- مع الواقع، كتفاعل مباشر مع قضايا الشأن المحلي ولكن في نفس الوقت يكون تفاعلاً افتراضياً، بعيداً عن أي سلطة إلا سلطة الرأي والفكرة وقوانين اللعبة المستمدة من أرقى التجارب الإنسانية في مجال إدارة الدول وسياستها.
تتطور اللعبة، لتشبك وطنا بآخر، عبر تحالفات واتفاقيات، تُعرض على البرلمانات المنتخبة في كل وطن، ويتم التصويت عليها، ويُلتزم بها بحكم قانون اللعبة الدولي، صادرات وواردات، عملات وأسعار صرف، أسواق مفتوحة وأخرى مغلقة، وغيرها الكثير والكثير تمكن إضافته.
تخيلوا شاباً في عمر الخامسة عشرة، يتعلم قراءة الموازنة الحكومية، ويدخل مع أصحابه في مفاوضات تجارية، أو يقترح برامج ومشاريع، أو يثير تساؤلاً حول أرقام غريبة، ويدقق على أداء مؤسسات وطنه الافتراضي، عن طريق لعبة في هاتفه الجوال!
قد يدفعنا برنامج كهذا للالتفات إلى الجار المُضطهد بسبب رأي قبل أن تُحارب بنا مواقفنا عند قضايا تبعُد عنا آلاف الكيلومترات، ربما نجعل من هوس المتابعة والتفاعل أكثر فائدة وتأثيرا فنراقب أداء الوزارات وسياسة الهيئات وعمل المسؤولين عن مصالحنا ومصالح المواطنين المباشرة، قبل أن ننتقد تشكيلة حكومة بلد لا نجرؤ على زيارته، أو أن نغوص في مناكفات بيزنطية عن الفرق بين حزبٍ وآخر يقع كلاهما في بلدين منفصلين لا ننتمي لأيٍ منهما!
قد يقول قائل إن "هاشتاغ" تويتر يكفي، ولكن "الهشتغه" في رأيي لا تتجاوز في أغلب أحيانها ثقافة التسطيح ومبارزات إثبات الرأي، ولكن اللعبة، ذات الأمد الطويل والتي تُتابع باستمرار، كتلك التي يبني بها المتسابقون مدنهم، أو يزرعون ويحصدون حقولهم، أو يكوّنون جيوشهم ويدخلون في تحالفات مع أخرى، ينغمس فيها المتسابقون بفكرهم وتفاعلهم ومتابعتهم، لعبة كهذه ستكون أكثر تأثيراً، وربما ينعكس أثرها على أرض الواقع.. ربما!
لم أتعب ذهني في اﻵثار الاجتماعية المترتبة على تدشين لعبة كهذه، وليس بالضرورة أن تكون إيجابياتها أكثر من سلبياتها، فمواقع التواصل الاجتماعي مثلاً، قربتنا فعلاً، لكنها لم تزد علاقة المتخاصمين غالباً إلا خصومة وشقاقاً! أقول رغم ذلك، تظل فكرة جديرة بالالتفات، فليرسلها أحدكم لمشاركين في مسابقات الهاكاثون، مع التنبيه إلى ضرورة أن تكون خوادمها في ملاذات "معلوماتية" آمنة، تحفظ خصوصية اللاعبين، فلا يخفى عليكم أنها -الخصوصية- في لعبة كهذه تزداد وتتأكد حاجتها.
أعداد المواطنين في الدول العربية في ازدياد، وتفاعلهم مع المتغيرات المتسارعة والخطيرة في ازدياد أيضاً، الأمر الذي يدفع موصدي الأبواب إلى إغلاقها خوفاً وتوجساً وريبة، قد تكون لعبة "أوطان" المقترحة هنا حلاً، يبني المواطنون المتسابقون فيها أوطانهم، ويمارسون وطنيتهم، بالطريقة التي يشعرون أن كرامتهم وإنسانيتهم تدعوهم لها. هل الكرامة افتراضية؟
(البحرين)
بما أننا شعوب تتكلم عن الديمقراطية أكثر من أولئك الذين يمارسونها، ولو جزئياً، ونحلل القضايا اﻹقليمية كتحليل طفلين لمباريات الدوري اﻹسباني وهما ينتظران "الكيدز ميل" في المطعم، ولنا رأي في كل صغيرة وكبيرة، وإن كان هذا التفاعل الزائد ليس منقبةً إلا أنه لا يمكن أن يكون عيباً محضاً في الوقت نفسه، فالناس تتفاعل ﻷنها حصلت على ما يُكبّر أصواتها الكترونياً، أو لأنها تريد أن تقول، ولا تستطيع: يا أيها الذي لا يُرينا إلا ما يرى.. هذا ما نراه، فالعبارة كثيراً ما تكون في القضايا الإقليمية والمعنى حيثُ الوطن نفسه.
الفكرة، أن نُوجد لنا حياةً إلكترونية رديفة لحياتنا الواقعية، كما يفعل الكُتّاب في رواياتهم، فضاءً موازياً ليومياتنا وهمومنا وأفكارنا، ولكن تلك التي تتعلق بداخل الوطن لا خارج حدوده، نحقق فيه مشاركة أكبر في صنع القرار، وسلطة أقوى في مراقبة المال العام وأداء الأجهزة الحكومية، وفسحة أرحب للتعبير الحر عن الرأي، وذلك عن طريق برنامج نحمله في هواتفنا الجوالة، تضمنا في أحزابٍ افتراضية إن شئنا الانضمام، نتواصل لكتابة برامج انتخابية، وتفتح لنا صناديق اقتراع افتراضية أيضاً لنُرشّح أو نترشح لمناصب قيادية، تُطرح البرامج، وتُفتح المساحات للنقاش، على أن يُربط البرنامج في كل بلد بمؤسساته وأخباره، ليتماهى اللاعبون -وسأقول لاعبون لأننا نريده أن يكون لعبة، وأن نخترع فيه بعض المزايا البوكيمونية الداعية للإثارة واﻹدمان- مع الواقع، كتفاعل مباشر مع قضايا الشأن المحلي ولكن في نفس الوقت يكون تفاعلاً افتراضياً، بعيداً عن أي سلطة إلا سلطة الرأي والفكرة وقوانين اللعبة المستمدة من أرقى التجارب الإنسانية في مجال إدارة الدول وسياستها.
تتطور اللعبة، لتشبك وطنا بآخر، عبر تحالفات واتفاقيات، تُعرض على البرلمانات المنتخبة في كل وطن، ويتم التصويت عليها، ويُلتزم بها بحكم قانون اللعبة الدولي، صادرات وواردات، عملات وأسعار صرف، أسواق مفتوحة وأخرى مغلقة، وغيرها الكثير والكثير تمكن إضافته.
تخيلوا شاباً في عمر الخامسة عشرة، يتعلم قراءة الموازنة الحكومية، ويدخل مع أصحابه في مفاوضات تجارية، أو يقترح برامج ومشاريع، أو يثير تساؤلاً حول أرقام غريبة، ويدقق على أداء مؤسسات وطنه الافتراضي، عن طريق لعبة في هاتفه الجوال!
قد يدفعنا برنامج كهذا للالتفات إلى الجار المُضطهد بسبب رأي قبل أن تُحارب بنا مواقفنا عند قضايا تبعُد عنا آلاف الكيلومترات، ربما نجعل من هوس المتابعة والتفاعل أكثر فائدة وتأثيرا فنراقب أداء الوزارات وسياسة الهيئات وعمل المسؤولين عن مصالحنا ومصالح المواطنين المباشرة، قبل أن ننتقد تشكيلة حكومة بلد لا نجرؤ على زيارته، أو أن نغوص في مناكفات بيزنطية عن الفرق بين حزبٍ وآخر يقع كلاهما في بلدين منفصلين لا ننتمي لأيٍ منهما!
قد يقول قائل إن "هاشتاغ" تويتر يكفي، ولكن "الهشتغه" في رأيي لا تتجاوز في أغلب أحيانها ثقافة التسطيح ومبارزات إثبات الرأي، ولكن اللعبة، ذات الأمد الطويل والتي تُتابع باستمرار، كتلك التي يبني بها المتسابقون مدنهم، أو يزرعون ويحصدون حقولهم، أو يكوّنون جيوشهم ويدخلون في تحالفات مع أخرى، ينغمس فيها المتسابقون بفكرهم وتفاعلهم ومتابعتهم، لعبة كهذه ستكون أكثر تأثيراً، وربما ينعكس أثرها على أرض الواقع.. ربما!
لم أتعب ذهني في اﻵثار الاجتماعية المترتبة على تدشين لعبة كهذه، وليس بالضرورة أن تكون إيجابياتها أكثر من سلبياتها، فمواقع التواصل الاجتماعي مثلاً، قربتنا فعلاً، لكنها لم تزد علاقة المتخاصمين غالباً إلا خصومة وشقاقاً! أقول رغم ذلك، تظل فكرة جديرة بالالتفات، فليرسلها أحدكم لمشاركين في مسابقات الهاكاثون، مع التنبيه إلى ضرورة أن تكون خوادمها في ملاذات "معلوماتية" آمنة، تحفظ خصوصية اللاعبين، فلا يخفى عليكم أنها -الخصوصية- في لعبة كهذه تزداد وتتأكد حاجتها.
أعداد المواطنين في الدول العربية في ازدياد، وتفاعلهم مع المتغيرات المتسارعة والخطيرة في ازدياد أيضاً، الأمر الذي يدفع موصدي الأبواب إلى إغلاقها خوفاً وتوجساً وريبة، قد تكون لعبة "أوطان" المقترحة هنا حلاً، يبني المواطنون المتسابقون فيها أوطانهم، ويمارسون وطنيتهم، بالطريقة التي يشعرون أن كرامتهم وإنسانيتهم تدعوهم لها. هل الكرامة افتراضية؟
(البحرين)