إعلام فرنسا تحت الصدمة: نيس مضرّجة بالدماء

باريس

أحمد عيساوي

avata
أحمد عيساوي
16 يوليو 2016
0CAFB57C-FF55-4162-A112-6856D55F3833
+ الخط -
على وقع اجتماع مجلس الدفاع الأعلى في الإليزيه ودعوة رئيس الحكومة الفرنسية مانويل فالس للوحدة الوطنية ونبذ العنف والعنصرية، استيقظت مدينة نيس في الكوت دازور على حصيلة مخيفة لضحايا العمل الإجرامي الذي وقع ليل أول من أمس في الوقت الذي كان يحتفل به سكان المدينة في الذكرى السنوية لانتصار الثورة الفرنسية. الحادث الذي استحوذ على اهتمام وسائل الإعلام، عالجته الصحافة الفرنسية مستذكرة تقجيرات العراق وبنغلادش والسعودية الأخيرة، كاشفة عن ملابسات الجريمة والتحقيقات الأولية التي توصّل إليها القضاء الفرنسي.

تحليلات الصحف

وبحسب صحيفة "الإكسبرس" فإنّ عدد الضحايا وصل إلى 84 قتيلاً و292 جريحا (18 منهم في حال الخطر الشديد) ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم قسم الجراحة في مشفى "لانفال" للأطفال في مدينة نيس أنّ طفلين توفيا صباحا متأثرين بجراحهما، وأنّ 50 طفلا تم نقلهم منذ ساعات الليل الأولى إلى قسمي الطوارئ والجراحة؛ ما يعني أنّ حصيلة الضحايا من بين الأطفال مرجحة للارتفاع.
في الشق الأمني، تداولت وسائل الإعلام هوية منفذ العملية، سائق الشاحنة، وهو فرنسي-تونسي يبلغ من العمر 31 سنة وهو مقيم في مدينة نيس. وذكرت "الأوبسرفتور" في تقرير نشرته صباح الجريمة أنّ "محمد لاحويج بوحليل لا يحمل سجّله الأمني ملف S "أمن الدولة" (sûreté d'état) ما يعني أنّ سائق الشاحنة ليس لديه سوابق إرهابية"، وأضافت الأوبس "قبل أن تتمكّن الشرطة من قتله، أطلق بوحليل الرصاص على عناصر الشرطة من مسدس عيار 7.65 ملم وكانت الشاحنة التي يقودها تحوي عددا من الأسلحة الوهمية وقنابل معطلة غير معدة للتفجير".

تفاصيل الهجوم

وفي نفس السياق نقلت "الأوبسرفتور" عن شهود عيان أنّ سائق الشاحنة عمد إلى تغيير مسار الشاحنة مرتين في الشارع، ليتمكّن من قتل أكبر عدد من المواطنين الذي تجمعوا بكثافة في المنطقة المجاورة لـ promenade des anglais حيث مراكز اللهو والمطاعم.
يقول نادر على BFMTV، وهو من الأشخاص الذين حضروا للمشاركة في احتفالات 14 يوليو/تموز، "خِلتُ للحظة أنّ السائق فقد السيطرة على الشاحنة بسبب ثقل الوزن، حاولت أنا وصديقي التحدث إليه، لكنه كان مندفعا بسرعة جنونية ومتجهما تبدو عليه علامات الغضب، دفعني صديقي إلى جانب الطريق وقفز تلقائيا إلى الجانب الآخر..كنت أرى الناس تحت عجلات الشاحنة ولا أدري ما إذا كنت أحلم فعلا!".
أمنيا أيضا، داهمت وحدات من الشرطة التقنية والعلمية منزل الشاب الذي يقطن في حيّ شعبي في شرق المدينة، وذكرت مصادر أمنية أنّ التحقيقات مستمرة لكشف خلفيات الجاني، وما إذا كانت هنالك جهة إرهابية وراء الحادث.
أما "لوموند" فقد كشفت أنّ المدينة كانت تتحضّر لمثل هذا العمل. وكتب مراسل الصحيفة في نيس بول باريلي "تشهد نيس سنويا احتفالا ضخما في شهر فبراير، يعدّ الأضخم في فرنسا ومن بين ثلاثة مهرجانات عالمية الأكثر مشاهدة (مع ريو وفينيسيا) لذلك استبقت السلطات المحلية في المدينة أي عمل إرهابي، وعملت منذ يناير الماضي على وضع برنامج أمني بالتنسيق مع وزير الداخلية برنار كازنوف، لتجنّب وقوع حوادث أمنية تؤدي إلى وقوع ضحايا".
وأضاف باريلي "اجتازت نيس بنجاح عقبة كارنفال فبراير، وتحضّرت ليورو 2016 بشكل جدي، فملعب المدينة الأليانز ريڤيرا استقبل 4 مباريات في الدور الأول للبطولة؛ لذلك كان لزاما على المسؤولين توخي الحذر، خاصة مع تزامن بداية اليورو مع مهرجان كان السينمائي، وتوافد السيّاح إليها، عدا عن التشديد على تفعيل نظام مركزي للتواصل مع مرفأ المدينة؛ خوفا من هجمات تنطلق من البحر؛ ولذلك تمت الاستعانة بخبرات جنرال إسرائيلي اسمه نيتزان نورييل، استلهم جهاز حماية مركزية للبحر من تجارب هجمات الفنادق قي بومباي ومحطات القطار في مدريد". وختم الكاتب مقاله "كل هذه الخطط والتجهيزات لم تنفع، شاحنة اجتاحت مئات المواطنين وحطّمت معايير الأمن والوقاية وحالة الطوارئ".
في ردّ رسمي أولي على الهجوم الإرهابي في نيس، قرّرت الدولة الفرنسية تمديد حالة الطوارئ في البلاد ثلاثة أشهر إضافية. وعبّر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي قطع احتفالات الثورة في أفينيون ووصل بعد منتصف الليل إلى نيس، عن تضامنه ودعمه الكامل لعائلات الضحايا. وفي مؤتمر مشترك صباح اليوم مع مانويل فالس وبرنار كازنوف تحدّث هولاند عن خطة "الاحتياط التشغيلي" (Réserve opérationnelle) التي ستشمل تنظيم متطوعين ومتدرّبين من المجتمع المدني، ليس لديهم أية خبرة عسكرية، للمساهمة في تفعيل الخلايا العاملة أثناء وبعد الهجمات الإرهابية.
ومن ضمن ردود الفعل، استنكرت الشخصيات السياسية والحزبية هذا العمل الإرهابي، وعبّرت عن حزنها وتضامنها مع عائلات الضحايا في تغريدات على موقع تويتر، كما هو حال عمدة باريس آن هيدالغو، والرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، ورئيس الحكومة الحالي مانويل فالس ونائب منطقة الألب-ماريتيم اريك سيوتي.
وفي نفس السياق شكّلت الإدانة الكبيرة للجاليات العربية والإسلامية على لسان المتحدثين باسمها ارتياحا كبيرا في الساحة الفرنسية. فقد عبّر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية (CFCM) عن عميق حزنه ودعا محمد موسوي، رئيس تجمع مساجد فرنسا لصلاة جمعة من أجل وحدة الفرنسيين والسلام في العالم، وقال موسوي للوموند "إنّ مواجهة الإرهاب تبدأ عبر التربية والتنشئة الإسلامية السليمة للشباب التي لا تحض على كراهية الآخرين. هؤلاء الشباب الذين تحولوا إلى أسلحة وأدوات للإرهاب".

القنوات ومشاهد الدهس

وفي ما يخص التغطية الإعلامية، انتقادات شديدة تعرّضت لها وسائل الإعلام الفرنسية التي واصلت نقل احتفالات الألعاب النارية في باريس، مع بث شريط إخباري عن تطورات المجزرة في نيس. ولم تكتف بعض القنوات في تجاهل الجريمة بل صنعت الحدث في تغطيتها اللامهنية، إذ شاركت في تصوير جثث الضحايا وعرضها مرفقة بمقابلات مباشرة مع عائلات الضحايا. بينما أصدر التلفزيون الفرنسي اعتذاره عن نقله "لمشاهد عنيفة وقاسية من هجوم نيس"، تحديدا بعدما بثّت قناة "فرانس 2 مشهد الشاحنة وهي تخترق الجموع وتدهسهم، بعدما حصلت على الشريط من مواقع التواصل الاجتماعي، فقرّرت عرضه كما هو.
وغرّد الصحافي نيكولاس حنين في هذا الصدد ساخرا من تغطية فرانس 2 "مرحبا سيدي، فقدت زوجتك منذ قليل، ما شعورك؟"، مرفقا التغريدة بصورة الرجل التي غزت مواقع التواصل الاجتماعي منذ وقوع الهجوم الإرهابي. بدورها نشرت TF1 وBFMTV صورا للضحايا والدماء التي تغطي أجسادهم، ورفعت مقطعا مصوّرا يظهر اجتياح الشاحنة للمواطنين مع اعتمادها على تقنية الـ Zoom على عجلات الشاحنة، الأمر الذي فجّر غضب المغرّدين وأجبر شبكة تلفزيون فرنسا والمجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع لإصدار بيان مشترك، عبّترت فيه عن اعتذارها عما بثّ من صور للضحايا وعائلاتهم، ودعت لتوخّي الحذر والالتزام بمبادئ الصحافة المهنية حفاظا على مشاعر العائلات واحتراما للضحايا.

ذات صلة

الصورة
معرض يورونيفال في فرنسا، 27 أكتوبر 2008 (Getty)

سياسة

بعد منع فرنسا مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض الأسلحة يوروساتوري، ها هي تمنع الآن أيضاً مشاركة إسرائيل في معرض يورونافال.
الصورة
امرأة في منطقة الصحراء، 3 فبراير 2017 (Getty)

سياسة

دخلت العلاقات بين فرنسا والجزائر في أزمة بعد إعلان فرنسا دعمها مخطط الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب بشأن الصحراء وهو ما قد لا يساعد في حل القضية.
الصورة

منوعات

أمرت النيابة العامة الإسرائيلية بإجراء تحقيقات جنائية مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين ينشرون تعليقات على مواقع التواصل تتضمن كلمة "شهيد"
الصورة
الدرس انتهى لموا الكراريس

منوعات

أحيا مصريون وعرب على مواقع التواصل الذكرى الـ54 لمذبحة مدرسة بحر البقر التي قصفها الاحتلال الإسرائيلي يوم 8 إبريل/نيسان عام 1970 في مدينة الحسينية.
المساهمون