ماكرون في المغرب: الأزمة الخليجية والاقتصاد يخيمان على الزيارة الـ"عائلية"
يحلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مساء اليوم الأربعاء، ضيفاً على العاصمة المغربية الرباط في زيارة خاصة تعدّ الأولى لدولة عربية منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية في 7 مايو/أيار الماضي، ومن المنتظر أن يجري خلالها بحث موضوع الأزمة الخليجية.
ويتعلق الأمر بزيارة "خاصة وعائلية" للرئيس الفرنسي، كما جاء في بيان لقصر الرئاسة الفرنسية، تلبية لدعوة من العاهل المغربي محمد السادس، كان وجهها له خلال اتصال هاتفي لتهنئته بالفوز في الرئاسة. غير أنّ الأزمة الخليجية ستحضر كطرف ثالث في محادثات الزعيمين.
وترمي الزيارة إلى تعزيز العلاقة بين ماكرون ومحمد السادس اللذين سيتعرفان واحدهما إلى الآخر في إطار خاص. وسيكون ماكرون مصحوباً بزوجته بريجيت فقط من دون أي وفد وزاري أو اقتصادي. كما أن برنامج هذه الزيارة لا يتضمن أي لقاءات مع شخصيات سياسية أو من المجتمع المدني.
الأزمة الخليجية
وسيعقد ماكرون محادثات ثنائية مع الملك محمد السادس فور وصوله إلى الرباط، مساء اليوم، ثم يعقد مؤتمراً صحافياً قبل أن يشارك في مأدبة إفطار رمضانية تقام على شرفه بالقصر الملكي.
أيضاً تتقاسم باريس والرباط علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع كل أطراف الأزمة الخليجية ما يؤهلهما للعب دور مهم في الوساطة بين أطراف الأزمة، وقد تكون محادثات ماكرون مع الملك محمد السادس فاتحة ترسي ملامح مبادرة دبلوماسية مشتركة في الخليج.
وتلعب باريس والرباط، كل على حدة، أدواراً مهمة في معالجة الأزمة الخليجية. فقد أطلق المغرب وساطة دبلوماسية بين أطراف الأزمة وبعث وزير الخارجية ناصر بوريطة، منذ الاثنين الماضي، في جولة إلى العواصم الخليجية محملاً برسائل شفوية من الملك محمد السادس إلى قادة دول الخليج تتعلق بالأزمة.
كما بعث المغرب بطائرة محملة بالمواد الغذائية، في بادرة إنسانية وسياسية تعكس التضامن مع الشعب القطري ورفض الحصار الاقتصادي المفروض على الدوحة. وشدّد بيان لوزارة الخارجية المغربية على أن الهاجس الرئيسي للمغرب يبقى هو "تدعيم الاستقرار في الخليج ليظل مجلس التعاون الخليجي محافظاً على مكانته المتميزة كنموذج ناجح للتعاون الإقليمي".
بدورها، تلعب باريس دوراً نشيطا في المبادرات الرامية إلى التوصل إلى حل للأزمة الخليجية منذ اندلاعها ورفضت التجاوب مع الرواية السعودية داعية إلى الحوار من أجل تجاوز الأزمة.
كما تشارك باريس في مبادرة تركية أعلنها الرئيس رجب طيب أردوغان من أنقرة بعد اتصالات ثلاثية مكثفة بينه وبين ماكرون وأمير قطر. واستقبلت باريس، الاثنين الماضي، وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الذي أطلعها على آخر تطورات الأزمة.
ملفات أخرى في أجندة ماكرون
ويراهن الرئيس الفرنسي على التنسيق مع العاهل المغربي بخصوص العديد من الملفات والقضايا وفي مقدمتها، مواجهة التهديدات الأمنية المحدقة بفرنسا وبمنطقة شمال أفريقيا، بحسب الخبير في الشأن الاستراتيجي والأمني، محمد عصام لعروسي.
وشرح الخبير، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ماكرون سيواصل النهج الواقعي للسلوك الخارجي الفرنسي ذاته، الذي يعطي الزخم الكبير لدور المغرب في محاربة التطرف والإرهاب والتنسيق مع المصالح الأمنية بخصوص لوائح المتطرفين أفراداً وجماعات، والبحث في سبل القضاء على جذور العنف والتطرف والإرهاب والجريمة المنظمة.
والملف الآخر، الذي يحمله ماكرون في زيارته للمملكة، أضاف لعروسي، مناقشة دور المغرب الإقليمي في أفريقيا ومكانته كفاعل إقليمي مؤثر في حل العديد من الأزمات والنزاعات المسلحة.
وأشار المتحدث إلى تقييم الدور العسكري والدبلوماسي المغربي في العديد من مناطق التوتر، بداية بالصراع في ليبيا، وقيام المغرب بدور الوساطة بين الفرقاء الليبيين ودور المغرب أيضاً في حفظ السلام سواء في مالي أو أفريقيا الوسطى.
أيضاً قضية الصحراء المغربية، ستكون في حقيبة ماكرون، ويتوقع لعروسي من زيارة ماكرون للمغرب التأكيد على الموقف الفرنسي الذي يشكل استمراراً للسياسة الفرنسية إزاء هذا الملف.
المغرب قبل الجزائر
وبزيارته للمغرب في أول تحرك دبلوماسي للمنطقة المغاربية بعد انتخابه، خرج ماكرون عن عرف دبلوماسي فرنسي تقليدي تكون بموجبه الجزائر وجهة أول زيارة للمنطقة كما حصل خلال عهود الرؤساء السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند.
وفي هذا الشأن، قال لعروسي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن زيارة ماكرون الأولى للمغرب تحمل، بعد نجاحه داخلياً في كسب حزبه الجديد موقعاً مركزياً في الساحة السياسية الفرنسية، العديد من الدلالات الرمزية والفعلية.
وتشكل هذه الزيارة، وفق لعروسي، حلقة استمرارية وتواصل للسياسة الخارجية الفرنسية إزاء المغرب وعمقها الاستراتيجي الأفريقي الذي تتشبث به فرنسا"، مبرزاً أن المغرب يعد الفاعل الإقليمي المتميز والمتجدد والمفتاح لقضايا الأمن والاستقرار السياسي والشراكة الاقتصادية.
كما تحرص السلطات الفرنسية على إقامة علاقات متوازنة بين المغرب والجزائر نظراً للبرود الذي يعتري العلاقات بين الرباط والجزائر وتحاول التخفيف من "التأويلات المفرطة" للتحركات الفرنسية في المنطقة المغاربية. لذا أكدت الرئاسة أن ماكرون اتصل هاتفياً بالرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة وأنه سيقوم في "الأسابيع القليلة المقبلة" بزيارة إلى الجزائر.
كذلك، حرص ماكرون على إرسال وزير خارجيته جان إيف لودريان إلى الجزائر، أمس الثلاثاء، في زيارة تمحورت حول تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي والتحضير لزيارة ماكرون المقبلة التي سيكون تاريخها مرهوناً بطبيعة الوضعية الصحية للرئيس بوتفليقة.
وزار ماكرون الجزائر عندما كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي الزيارة التي أسالت حبراً كثيراً بسبب تصريحات اعتبر فيها أن الاستعمار الفرنسي للجزائر يرقى إلى مصاف جريمة ضد الإنسانية.