15 اغسطس 2015
الأزهر ومعركة الإنسانية
أسماء عبد اللطيف (السودان)
في هذا الوقت المملوء والمشحون بالفوضى، والفائض بالفتنة، أو قل الفتن، والمتدافع بالتحريض وبالأصوات المرتفعة، سباً وشتماً وقذفاً وقسوة. كيف لك أن تختار، وكيف لك أن تنحاز إلى فئة أهل الحق والعدل والجمال والرؤية المستقيمة والمضيئة، بعيدا عن ظلمات من أوشكوا أن يأخذوا بمقاليد كل شيء، وهم أبعد عن كل حق وخير وجمال، لكنه التضامن بالكذب والدجل والانحراف جعل من أصحاب هذه الأصوات في علو وظهور.
كان لابد من هذه المقدمة، لأدلف إلى ما صرح به الأزهر الشريف، أخيراً، حينما رأى سقوط تدمر في أيدي داعش، وما أدراك ما داعش، هذا النمو الغريب للقتل والسحل والدمار وتخريب كل شيء، قال الأزهر الشريف إن الدفاع عن مناطق الآثار في تدمر هي معركة الإنسانية بأكملها.
كيف لي أن أجعل دماغي نابضاً، وكيف لي أن أثبت نفسي في مواجهة الألم والبشاعة في هذا الزمان الممتلئ بالتناقض، فيا أزهرنا الشريف، نسألك: هل أنت الموقع النظيف الذي عهدنا أن نستقي كلماته، ونتخذها مناراً للتوجه إلى معركة الإنسانية؟ أين كنت يا أزهرنا الشريف، يوم أن فضت رابعة وسقط الآلاف. وحين تم كنس الجثث مع بقايا القمامة في يوم فظيع ومريع في تاريخ مصر، ومهما قيل عن رابعة، فإننا يجب أن نقف بشرف وبسالة، دفاعا عن رأي من يخالفنا الرأي، لنكون معا في الساحة نفسها، وأن لا نكون إقصائيين لأحد، كائنا من كان. والفكر لا يفله إلا الفكر، فهل الأزهر الشريف التزم الحياد، وكان أساس بناء لجمع شمل بلد لو انفجر فيه العداء لتدمر تدميرا كبيراً.
ويتحدث الأزهر عن معركة الإنسانية تجاه ما سيجري لآثار وحجارة، وهو يرى أبناء سورية، والأسد المتعنت أهلك منهم ما يقارب الثلاثمئة ألف نفس، وشرد منهم ملايين، في أكبر عملية نزوح وهجرة وإفراغ للبلد، لعلها ما كانت مع فئة أخرى عبر التاريخ، لكن الفجر سينبلج ويهلك كل الطغاة، فهل ارتفع صوت الأزهر الشريف منادياً لإيقاف الحرب. والحق واضح، إن موقف الأزهر المتخاذل تجاه الدم السوري لا يجعله أميناً، يتحدث عن آثار وحجارة، وإننا لنعلم أن تاريخ المسلمين الأوائل أصحاب الأدب والجمال بحق، وقد أتوا مصر ووجدوا آثار الفراعين الطغاة فيها، فلم يمسوها ولم يعملوا على تحطيم شيء فيها. إننا نحن المسلمون مدعوون للنهوض بالقلب تزكية ونماء وعلما وأدباً.
ثم أين الأزهر الشريف مما يجري مع أهل غزة، ليقول إنها معركة الإنسانية، ويدلنا كيف نفعل مع المعبر، وآخر الأنباء المؤسفة تأتينا بأن مسنة فاضت روحها وهي في انتظار أن يُمَن عليهم بفتح المعبر! وفي ذلك انحياز مع الصهيوني ضد المسلم في غزة وإنها الآن لسجن كبير يموج بالفقر ونقص الغذاء والدواء وعذابات ما أنزل الله بها من سلطان، فهل الحجر في تدمر أهم من غزة ومعاناة أهلها؟
وهل الحجر في تدمر أهم من الآلاف المكدسة في السجون المصرية، رجالا ونساء، فتية وفتيات وأطفالاً، مع صدور أحكام إعدام وتأبيد بالجملة، ولا كلمة أو حكمة تصدر من أزهرنا الشريف، لإغلاق هذا المنعطف السيء، في تاريخ مصر وحاضرها. أفلا يحق لنا أن ننادي بأن الدفاع عن سجناء الرأي في مصر هو معركة الإنسانية بأكملها، أم أن الانسياق وراء أفكار لسياسيين أرادوا الوصول إلى منصب أو سلطة هو أهم من الدعوة لوقف الاستخفاف الذي يجري في مصر.
الانقلاب فاضح ومشين يقف إلى جواره أصحاب أقلام وظفوا كل طاقاتهم لبناء شخص يعتقدون إنه المنقذ. وبعد عامين من صعوده السيء، لا يبدو أن الأمور تسير إلى انفراج. أفيدوني، ما الفرق بين البغدادي والسيسي؟ البغدادي وزمرته يحطم ويهلك ويسحل ويفعل الغرائب، والسيسي يمضي قتلا ودمارا وتدليسا. ولكن، ما تتعجب له وتألم له أن يباركه الأزهر، وأن يخرج علينا من يعدون علماء كبار فيجعلونه في مصاف الأنبياء. يا مثبت القلوب، ثبت قلوبنا على الحق.
مقالات أخرى
04 اغسطس 2015
10 يونيو 2015
07 يونيو 2015