"هرج ومرج" عنوان فيلم سينمائي مصري للمخرجة نادين خان، يعكس تداخلات وتناقضات كثيرة حاصلة في المجتمع المصري، سواءً منذ سنوات أو في وقتنا الراهن، يصوّر الفقر، كما يلتفت إلى الحب وسط الهموم والمشاكل، هذه الصورة لا تختلف عمّا يحدث في الجزائر بعد انطلاق حملة الانتخابات البرلمانية المقرّرة في الرابع من مايو/ أيّار المقبل، حيث الهرج والمرج يسودان "لعبة" السباق نحو قبّة البرلمان ورجال المال يتصدّرون قوائم الترشيحات بدل الساسة أو العمّال البسطاء أو الأكاديميين.
قبل انطلاق الحملة الانتخابية لم يكشف المرشّحون لتشريعيات 4 مايو، عن أيّة برامج يمكنهم من خلالها إقناع المواطنين بالتصويت، مكتفين بالتصريحات والخطابات الرنانة على المنابر الإعلامية، فلا أحزاب السلطة أو المعارضة تهيّأت لهذا الموعد على صعيد البرنامج وبماذا يمكنها أن تقنع المواطن للتصويت لها، لذلك حلّت الثرثرة بدل البرنامج والاستراتيجية التي تمس قطاعات التنمية والاقتصاد والبيئة والتربية والتعليم وغيرها، كما سادت الاتهامات وسيطرت على ألسنة بعض رؤساء الأحزاب مع نوع من الخبث والتملّق والتقرّب إلى السلطة.
أسطوانة كذب تتكرّر
المارّ في شوارع العاصمة أو غيرها من مدن الجزائر العميقة، كما يحلو للجزائريين والصحافة تسميتها، لا يلمس تلك الروح أو ذاك الاهتمام الجدي بالانتخابات، بل قل إنّ كثيرًا من المواطنين لا يبالون، فهم معلّقون بين غلاء الأسعار وأزمة السكن والبطالة، أمّا وعود المرشّحين فقد سئموا منها، مع اقتراب كل موعد انتخابي.
تعليقات مواقع التواصل الاجتماعي صبّت في خيار المقاطعة: "كيف لمرشحين لم يستطيعوا تنظيم حملاتهم الانتخابية باحترافية من خلال وضع اللافتات في مكانها المخصّص لها أن يقنعوا الناس بالتصويت لهم.. وكيف لسلطة لم تتمكّن من القضاء على المضاربة في الأسواق أن تبني نموذجًا اقتصاديًا ناجحًا؟ وقال آخر: "مترشحون لا يملكون مستوى دراسياً محترماً يريدون أن يقودوا أمّة ويقدموا حلولا اقتصادية.. الغبي من يصدقهم ويثق فيهم؟..إلخ من التعليقات الساخرة الناقمة على الوضع والتي لا توحي بمؤشّرات إيجابية في الانتخابات القادمة.
الانتخابات الرئاسية الماضية عرفت أكبر نسبة مقاطعة في تاريخ الجزائر، ومن المعروف منذ الاستقلال أن الرئاسيات تشهد نسبة إقبال مرتفعة مقارنة بالتشريعيات، حيث حصد بوتفليقة ثمانية ملايين صوت (8130398) من أصل أكثر من اثنين وعشرين مليون مواطن (22880678) يحقّ له الانتخاب بما فيهم الجزائريون المقيمون في الخارج حسب إحصائيات رسمية، ما يعني أن الرئيس الحالي حصد 35.53 في المائة من أصوات الشعب فقط. حيث إن نصف الهئية الناخبة قاطعت الانتخابات، وفاز بوتفليقة بنسبة 81 في المائة من النصف الباقي. ما يطرح عدّة تساؤلات حول مصير هذه التشريعات التي يترقّب أن تسجّل أعلى مستويات للمقاطعة.
مطاردة بالسحر والسندويتشات
على ضوء قوائم المرشحين بغض النظر عن الأحزاب التي توصف بالكبرى، تبدو قوائم الأحزاب المسماّة بـ"المجهرية"غريبة نوعًا ما، نظرًا لما تحمله من تناقضات وصور استخفاف واستهتار بعقول الجزائريين، قد يقول سائل لماذا؟ الجواب بسيط أن يلفت انتباهك مجموعة من المرشحين في القائمة وبعضهم لا يضع صورته الشخصية منهم النساء وحتّى الرجال أيضًا؟ أضف إلى ذلك أنّ بعض رؤساء الأحزاب وعد بتحويل الجزائر إلى كاليفورنيا "الأميركية" سائرًا على خطى رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال الذي قال في تصريح صحافي سابق أنّ محافظة معكسر (غرب ابلاد) ستتحوّل إلى كاليفورنيا الجزائر؟
أمّا رئيس حزب آخر فلم يجد ما يتحدّث عنه في أحد لقاءاته، في إحدى المحافظات، سوى أنّه أكدّ أنّ عودته إلى مسقط رأسه تعني الكثير له كما تعني لأهل بلدته، لا لشيء سوى لاستمالتهم للتصويت له، وهو الذي نام في العسل خمس سنوات خلال عهدته البرلمانية السابقة ولم يذكرهم بسوء أو حتى بخير.
ويدور في الشارع الجزائري، أن بعض المترشّحين للانتخابات أصبحوا يطاردون المواطنين، من خلال اللجوء إلى الشعوذة والسحر وزيارة بيوت العرّافات، أو يلجؤون إلى شراء الأصوات بتوزيع السندويتشات ومبالغ زهيدة من المال. حيث عمد أحد الأحزاب المرشّحة للتشريعات القادمة، في جنوب البلاد، في حملته الانتخابية إلى استغلال المشرّدين في الشوارع من القادمين من دول أفريقيا - غالبًا ما يمتهنون التسوّل ويقيمون بطرق غير شرعية في الجزائر-، لتوزيع منشورات دعائية للحزب في المقاهي والأسواق والشوارع وذلك مقابل دراهم معدودات.
انتخابات لا تعترف بالفقراء والكفاءات
الملاحظ أنّ أغلب متصدّري القوائم الانتخابية، ولا سيما في الولايات الداخلية هم من رجال الأعمال والمال وليسوا من الأكاديميين والمثقّفين والإطارات، وغالبًا ما يفوز الأوائل في القائمة دون بقية المرشّحين لأن الحظوظ تكون بالترتيب، فـ "الشكارة" ومعناها المال بلغة الجزائريين وحدها من تسّير الانتخابات، وبالتالي لا مكان للعمّال البسطاء ومحدودي الدخل، ولا أصحاب الشهادات والكفاءات، الجميع مغيب، وإن وجدوا ففي ذيل القائمة باستثناء المنضوين تحت ألوية الأحزاب الكبرى الحاكمة كـ"حزب جبهة التحرير الوطني" و"حزب التجمع الوطني الديمقراطي" ممثلين عن السلطة أو ضمن أحزاب المعارضة، ولا سيما الأحزاب الإسلامية كحزب "حمس" أو حركة النهضة وجبهة العدالة والتنمية.