لم تتجاوز الساعة التاسعة صباحا، إلا أن الباعة قد تواجدوا قبلها بساعتين أو أكثر، وبدأ كل منهم في تجهيز بضاعته وفرشته، وقف على منصة ميدان التحرير ناظرا إلى بضع عشرات يتحركون في الميدان، جال ببصره حول مداخل الميدان ثم ركز نظراته إلى الأمام باتجاه تمثال عبدالمنعم رياض.
رغم إرهاقه الشديد والأرق الذي لازمه طوال الليلة السابقة، إلا أنه ظل على حالته تلك من الوقوف، حتى بدأت الجماهير في الاحتشاد قبيل صلاة الجمعة. هدأ قليلا ليستمع إلى خطيب الميدان ويستسلم لشعور الراحة، بعد أن طردت الجماهير كوابيسه حول فشل دعوة المليونية.
انتهت الصلاة، فوقف متأملا الجماهير المحتشدة. سأل من يقف بجواره عن تقديره لعدد المتظاهرين إن كان قد تجاوز المائتي ألف، ثم تناول "المايك" ووقف يخطب في الجماهير بحماسة متّقدة حول الثورة وضرورة استمرارها. تحدث عن دور الميدان الذي لن ينتهي واستعادة الزخم الثوري، ثم اختتم كلامه بأن الخاسر الأكبر اليوم هو من رفض التواجد بيننا ونأى بجانبه. الخاسر هو من انقلب على رفاقه وعقد الصفقات، من باع الثورة لأجل مصالحه السياسية.
(2)
كان الكادر الإخواني الكبير حادا جدا، وتبدو على وجهه علامات التوتر والقلق، يحاول مداراتها بابتسامة بين جملة وأخرى، أصرّ في حديثه على توصيف مليونية "ثورة الغضب الثانية" بالدعوة الفاشلة الماكرة التي لا تهدف إلا إلى الوقيعة بين الشعب المصري وجيشه العظيم. تحدث عن الجماعة ودورها في الثورة من أول يوم، وانتقد دعاة الفتنة والفوضى، مسهبا في شرح فوائد الاستقرار للوطن والشعب.
عاد القيادي إلى حدته، مؤكدا عدم جدوى المليونية وفشلها المحتوم في تحقيق أي مكاسب للشعب، ثم عاد إلى ابتسامته الساخرة بالحديث عن غضب بعض القوى "العلمانية" من نتائج استفتاء "19 مارس"، ورغبتهم في الانقضاض على إرادة الشعب في تعديل دستور 1971 بعمل دستور جديد يخالف هوية الدولة والشعب، ثم اختتم كلامه: نحن لم نشق الصف الثوري، ولكن من اختار أن يعمل منفردا بمعزل عن إرادة الشعب في الاستقرار عليه أن يتحمل عواقب اختياراته.
(3)
في نفس الزمان مع اختلاف الأمكنة عقد اجتماعين لتقييم المليونية، وقف الشاب الثوري في الاجتماع الأول يشرح الإنجاز المتحقق من الدعوة، واعتبر اليوم هو شهادة ميلاد الميدان الحقيقي، بعد أن أظهر جمهور الثورة قدرته على التحرك بمعزل عن الإخوان، واستطرد كلامه بالحديث عن ضرورة إصدار بيان للرد على تصريحات الجماعة وترتيب مليونية أخرى في الأجل القريب والإعلان عنها، وتترك للجماعة حرية الاختيار في المشاركة أو المقاطعة.
وفي الاجتماع الثاني، استهل القيادي البارز حديثه بضرورة الانتباه إلى خطورة ما أقدم عليه الشباب من الدعوة إلى مليونية منفردين، وما يمكن أن يشكله ذلك من خطورة لسيناريو الجماعة. أنهى كلامه بضرورة الرد على "تجاوزات العيال" بفصل شباب الجماعة "المتورطين" في الدعوة، وتجهيز دعوة لمليونية أخرى للتيار الإسلامي بالتنسيق مع شيوخ السلفية، وليكن شعارها "الشريعة".