01 أكتوبر 2022
الغاضبون الجدد في مصر
ينقل الصحافي هيثم الغيتاوي، في كتابه "ميراث النكسة"، عن محاضر اجتماعات اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي في مصر، ردة فعل الرئيس جمال عبد الناصر تجاه مظاهرات الطلاب عام 1968 احتجاجاً على أحكام المتسببين بالنكسة في 1967.
كان شعور الصدمة والمفاجأة سائداً لدى أهل الحكم، فهؤلاء الشباب هم أبناء عهدهم، من كانوا أطفالاً عند إطاحة الجيش بالملك فاروق، ولم يعرفوا غير أفكار "الضباط الأحرار" وقيادتهم، وليست لهم أي علاقة بالحركات السياسية العريقة الأقدم أو معارضي عبد الناصر القدامى، بل إن عديدين من المتظاهرين كانوا من أعضاء منظمة الشباب نفسها. وكانت هذه المرة الأولى التي يُهتف فيها ضد شخص عبد الناصر "لا صدقي ولا الغول، عبد الناصر هوا المسؤول"، وذلك بعد عام واحد من مظاهرات "لا تتنحّى" المليونية التي كان يُفترض أنها طمأنت النظام تماماً لاستقراره الشعبي.
قال عبد الناصر لحاضري الاجتماع: "إحنا مش قادرين نقود الطلبة، مظاهرات فبراير أثبتت أن اتحادات الطلبة لم تكن لها أي قيمة في الجامعات.. وكنا متصوّرين إن قيادتنا ممثلة في منظمة الشباب، لكن انهارت المنظمة". وللمفارقة كانت منظمة الشباب قد رفعت مذكرة إلى الرئيس عبد الناصر في 12 فبراير/ شباط 1968، قبل عشرة أيام فقط من اندلاع المظاهرات، تقول له بصراحة تامة إنه: "لا يمكن أن نعطي الثقة للقيادات على إطلاقها، لأن الثقة التي مُنحت على مدار 15 عاماً من عمر الثورة ضاعت على أرض سيناء".
تتداعى هذه المحطات التاريخية اليوم، بينما نشهد مظاهرات طلاب الصف الأول الثانوي الذين لا تجاوز أعمارهم الخمسة عشر عاماً، وتظاهروا بشكل متزامنٍ في محافظات مختلفة، احتجاجاً على الفوضى في تجربة "الامتحان الإلكتروني". تعاملت الشرطة بالعنف المعتاد ضد أي حراكٍ في الشارع، وشاهدت مصر كلها الاعتداءات على الأطفال، ذكوراً وإناثاً، ما أنتج حالةً واسعة من الغضب، شملت قطاعات كانت تقليديا مؤيدة للسلطة، أو بعيدة عن السياسة، وهو ما أدى، بعد ساعات فقط، إلى الإفراج عن كل الطلاب المقبوض عليهم.
يمكن أن نشهد تخبط السلطة في التعامل مع هذه الظاهرة المفاجئة في تخبط التغطيات الصحافية التي تجاهلت في البداية وجود حالات قبض، ثم نشرت نقلا عن "مصدر أمني" أن وزير الداخلية أصدر أوامره بالإفراج عن كل المقبوض عليهم "حرصا على مصلحة الطلاب"، ثم لم تكد تمضي ساعات، حتى نشرت الصحف نفسها نقلا عن وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية نفياً أمنياً لإلقاء القبض على أي طالبٍ أصلا، وأن الصور المتداولة قديمة، ومن ظهروا فيها ليسوا رجال شرطة!
هذه هي المرة الثانية بعد شهرين فقط من حِراك الأول من مارس/ آذار التي تطل فيها هذه الورود الجديدة في حدائق مصر. غاضبون جدد لم يشهدوا ثورة يناير، وتسببت الضربات الأمنية في حالة "انقطاع جيلي"، فلا علاقة لهم في المجمل بنشطاء يناير، أو بالأحزاب والحركات المرتبطة بها. حين تحدّثتُ، في إطار عملي الصحافي، مع بعض المشاركين، وجدت أنهم لم يسمعوا أصلاً بالأسماء البارزة في جيلنا.
لا يغيّر هذا الانقطاع من واقع انفتاح هذا الجيل الأقوى على وسائل التواصل والمعلومات طموحهم إلى لأفضل الذي يشاهدونه في الخارج، وإلهام ثورة يناير لهم، وكذلك غضبهم مما يلمسهم بشكل مباشر، فمليون ساعة بث دعائي لن تغيّر واقع أخطاء منظومة الامتحان الإلكتروني، ومليون ضابط مثالي في المسلسلات لن يمحو صورة الضابط الذي يقيّد طفلة من الخلف.
شدّد عبد الناصر، في البرنامج الانتخابي الذي قدمه عام 1965، على أن مهمته الأساسية، في المرحلة المقبلة، تمهيد الطريق "لجيلٍ جديد يقود الثورة"، وحذّر من أنه إذا لم يتمكن من فعل ذلك "فإن كل ما صنعناه مهدّد أن يتحول إلى فورةٍ لمعت ثم انطفأت". حققت النبوءة نفسها، وانطفأت فورةٌ استحقت مصيرها بأخطائها، ولعل الزمن دوار.
كان شعور الصدمة والمفاجأة سائداً لدى أهل الحكم، فهؤلاء الشباب هم أبناء عهدهم، من كانوا أطفالاً عند إطاحة الجيش بالملك فاروق، ولم يعرفوا غير أفكار "الضباط الأحرار" وقيادتهم، وليست لهم أي علاقة بالحركات السياسية العريقة الأقدم أو معارضي عبد الناصر القدامى، بل إن عديدين من المتظاهرين كانوا من أعضاء منظمة الشباب نفسها. وكانت هذه المرة الأولى التي يُهتف فيها ضد شخص عبد الناصر "لا صدقي ولا الغول، عبد الناصر هوا المسؤول"، وذلك بعد عام واحد من مظاهرات "لا تتنحّى" المليونية التي كان يُفترض أنها طمأنت النظام تماماً لاستقراره الشعبي.
قال عبد الناصر لحاضري الاجتماع: "إحنا مش قادرين نقود الطلبة، مظاهرات فبراير أثبتت أن اتحادات الطلبة لم تكن لها أي قيمة في الجامعات.. وكنا متصوّرين إن قيادتنا ممثلة في منظمة الشباب، لكن انهارت المنظمة". وللمفارقة كانت منظمة الشباب قد رفعت مذكرة إلى الرئيس عبد الناصر في 12 فبراير/ شباط 1968، قبل عشرة أيام فقط من اندلاع المظاهرات، تقول له بصراحة تامة إنه: "لا يمكن أن نعطي الثقة للقيادات على إطلاقها، لأن الثقة التي مُنحت على مدار 15 عاماً من عمر الثورة ضاعت على أرض سيناء".
تتداعى هذه المحطات التاريخية اليوم، بينما نشهد مظاهرات طلاب الصف الأول الثانوي الذين لا تجاوز أعمارهم الخمسة عشر عاماً، وتظاهروا بشكل متزامنٍ في محافظات مختلفة، احتجاجاً على الفوضى في تجربة "الامتحان الإلكتروني". تعاملت الشرطة بالعنف المعتاد ضد أي حراكٍ في الشارع، وشاهدت مصر كلها الاعتداءات على الأطفال، ذكوراً وإناثاً، ما أنتج حالةً واسعة من الغضب، شملت قطاعات كانت تقليديا مؤيدة للسلطة، أو بعيدة عن السياسة، وهو ما أدى، بعد ساعات فقط، إلى الإفراج عن كل الطلاب المقبوض عليهم.
يمكن أن نشهد تخبط السلطة في التعامل مع هذه الظاهرة المفاجئة في تخبط التغطيات الصحافية التي تجاهلت في البداية وجود حالات قبض، ثم نشرت نقلا عن "مصدر أمني" أن وزير الداخلية أصدر أوامره بالإفراج عن كل المقبوض عليهم "حرصا على مصلحة الطلاب"، ثم لم تكد تمضي ساعات، حتى نشرت الصحف نفسها نقلا عن وكالة أنباء الشرق الأوسط الحكومية نفياً أمنياً لإلقاء القبض على أي طالبٍ أصلا، وأن الصور المتداولة قديمة، ومن ظهروا فيها ليسوا رجال شرطة!
هذه هي المرة الثانية بعد شهرين فقط من حِراك الأول من مارس/ آذار التي تطل فيها هذه الورود الجديدة في حدائق مصر. غاضبون جدد لم يشهدوا ثورة يناير، وتسببت الضربات الأمنية في حالة "انقطاع جيلي"، فلا علاقة لهم في المجمل بنشطاء يناير، أو بالأحزاب والحركات المرتبطة بها. حين تحدّثتُ، في إطار عملي الصحافي، مع بعض المشاركين، وجدت أنهم لم يسمعوا أصلاً بالأسماء البارزة في جيلنا.
لا يغيّر هذا الانقطاع من واقع انفتاح هذا الجيل الأقوى على وسائل التواصل والمعلومات طموحهم إلى لأفضل الذي يشاهدونه في الخارج، وإلهام ثورة يناير لهم، وكذلك غضبهم مما يلمسهم بشكل مباشر، فمليون ساعة بث دعائي لن تغيّر واقع أخطاء منظومة الامتحان الإلكتروني، ومليون ضابط مثالي في المسلسلات لن يمحو صورة الضابط الذي يقيّد طفلة من الخلف.
شدّد عبد الناصر، في البرنامج الانتخابي الذي قدمه عام 1965، على أن مهمته الأساسية، في المرحلة المقبلة، تمهيد الطريق "لجيلٍ جديد يقود الثورة"، وحذّر من أنه إذا لم يتمكن من فعل ذلك "فإن كل ما صنعناه مهدّد أن يتحول إلى فورةٍ لمعت ثم انطفأت". حققت النبوءة نفسها، وانطفأت فورةٌ استحقت مصيرها بأخطائها، ولعل الزمن دوار.