تملك النساء المفتاح الخاص بالوقاية من مرض سرطان الثدي والتخفيف من الآثار السلبية له، في حال الكشف المبكر عن المرض، إذ يمثل حجر الزاوية في المواجهة، وهو ما تلجأ إليه السيدات في الأردن
كشف مدير السجل الوطني للسرطان في وزارة الصحة الأردنية، الدكتور عمر النمري، أنّ مجموع حالات سرطان الثدي الجديدة المشخصة والمسجلة عام 2018 بلغت 1670 حالة، من بينها 1278 حالة بين الأردنيين (1262 بين الإناث)، وبلغت نسبة الوفاة بسبب سرطان الثدي من بين الحالات المسجلة 10 في المائة من الإناث. كذلك، بلغت نسبة الإصابة بسرطان الثدي حوالي 40 في المائة، من بين جميع أنواع السرطان لدى الإناث.
قصة الأردنية فادية حداد، الناجية من سرطان الثدي، بعدما أصيبت به قبل خمس سنوات، مثال واضح على أهمية الكشف المبكر عن المرض، وأهميته الحاسمة في معركة المواجهة. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها اكتشفت إصابتها بالمرض قبل خمس سنوات، تحديداً عام 2014، مشيرة إلى أنّها كانت معتادة على إجراء فحص "ماموغرام" (فحص الثدي بالأشعة) سنوياً، وفي المرة الأخيرة، عندما أجرت الفحص، قال لها الطبيب إنّ الوضع طبيعي وطلب منها العودة بعد عام. تستدرك أنّها عندما رجعت إلى البيت حاولت تفحّص التقرير الطبي، وكانت فيه معلومة ورقم "7 ملم" لفتت انتباهها. تتابع أنّها بسبب تاريخ عائلتها المرضي، ذهبت بالتقرير إلى أربعة أطباء مختلفين، فأجمعوا على أنّ الأمر طبيعي، لكنّ الطبيب الأخير، وللاطمئنان أكثر، طلب فحص خزعة، وكانت النتيجة صادمة، فقد تبين أنّ هناك إصابة بالمرض.
توضح أنّها بعد ذلك خضعت لجراحة لإزالة الورم، مع جلسات علاجية بعدها. وتبين أنّ اكتشاف المرض في مرحلة مبكرة جنّبها العلاج الكيميائي. تتابع: "أنا لست من الناجيات فقط، بل إنّني محظوظة. فالإصرار ورحمة الله، ساهما في تجنب الوصول إلى مرحلة خطيرة، فماذا كان سيحدث لي لو تأخرت عاماً كاملاً؟". تشير إلى أنّ الأسرة والأصدقاء ساهموا في مساعدتها في مواجهة المرض، لكنّها تشدد على أنّ مكان عملها السابق تسبب لها في ألم تجاوز ألم السرطان، مشيرة إلى أنّها عملت لمدة 16 عاماً في إحدى المدارس، وبعد عام من إصابتها بالمرض تخلت إدارة المدرسة عنها. توضح أنّها خلال العام الذي عملت فيه وكانت مصابة بالمرض، أجرت العملية في العطلة بين الفصلين، والتزمت بالخضوع للجلسات العلاجية بعد الدوام، لكنّ كلّ ذلك لم يثمر. تدعو حداد أي سيدة تصاب بالمرض إلى عدم التخلي عن عملها تحت أيّ ظرف، وإذا شعرت بمحاولات الإقصاء عليها أن تتجه إلى المحاكم، كي لا تمرّ بمثل تجربتها السيئة مع أرباب عملها السابقين.
دعم أسري
من جهتها، تقول الناجية من المرض نسرين خضر، لـ"العربي الجديد"، إنّ اكتشاف المرض كان في وقت مبكر، عبر الكشف الذاتي الذي تجريه دورياً. تضيف أنّها في عام 2016، شعرت بكتلة غير طبيعية في الثدي، ثم خضعت للـ"ماموغرام" وغيره من الفحوص، وبعدما أخذت خزعة، تبينت الإصابة بالمرض. توضح أنّه جرى اكتشاف الكتلة المصابة في مرحلة مبكرة، تحديداً المرحلة الثانية من المرض، وهو ما منحها أملاً كبيراً في الشفاء في ظل إيمانها بالله، مشيرة إلى استمرار العلاج عاماً كاملاً حتى فبراير/شباط 2017، وتضمنت الفترة العلاجية ثماني جلسات من العلاج الكيميائي، لا تخلو من المعاناة والألم.
تتابع نسرين، وهي أم لأربع بنات: "كنت أقوى من جميع أفراد الأسرة في مواجهة المرض، ففي البداية أخبرت زوجي، ثم بناتي اللواتي شعرت بانهيارهن، لكن أكدت لهن أنّ هذا المرض لا يعني الموت بل يحتاج إلى الشجاعة في المواجهة. وكنت أحاول دائماً أن أتغلب على لحظات الضعف بالابتعاد عن عوامل الإحباط، والتشبث بعوامل القوة والأمل"، مشيدة بدعم الصديقات لها في المواجهة مع المرض. تضيف: "لم أكن أفكر في يوم من الأيام في احتمال أن يصيبني المرض، لكنّ التجربة تقول إنّ على الجميع ألا يستبعد الإصابة". تدعو السيدات بعد سنّ أربعين عاماً إلى إجراء فحص "ماموغرام" دورياً، بل كلّ من تجاوزت ثلاثين عاماً، وتؤكد على أهمية الشجاعة في مواجهة المرض.
عوامل الإصابة
بدورها، تقول مديرة وحدة الكشف المبكر، في مركز الحسين للسرطان، والعضوة في البرنامج الأردني لسرطان الثدي، الدكتورة يسار قتيبة لـ"العربي الجديد" إنّ أعداد المصابات تزيد بعد الوصول إلى سنّ الأربعين، إذ إنّ 58 في المائة من الحالات في الأردن تكتشف في هذا العمر. تدعو جميع الفتيات البالغات إلى إجراء الفحص الذاتي شهرياً، أما النساء ما بين 20 و35 عاماً، فيتوجب عليهن إجراء الفحص السريري كلّ سنتين على الأقل. تضيف أنّ على النساء بعد سن الأربعين إجراء فحص "ماموغرام" بهدف الكشف المبكر عن المرض سنوياً، إذ يمكن أن تكون هناك ندوب وأورام صغيرة لا تكتشف من خلال الفحص الذاتي أو السريري.
وتبين أنّ أبرز أعراض سرطان الثدي تتلخّص في وجود كتلة داخل الثدي، أو كتلة تحت الإبط، أو تغير لون الثدي، أو تغير كثافة الجلد (سمك الثدي)، أو تغير اتجاه حلمة الثدي (نحو الداخل)، أو خروج إفرازات من الثدي، أو تغير لون الحلمة. وتشير إلى أنّ "80 في المائة من مشاكل الثدي لا دخل لها بالسرطان وهي أورام حميدة، لكن نحن في حاجة إلى التأكّد من نسبة العشرين في المائة التي تسبب مرض السرطان. فعدم الكشف المبكر عن المرض يصعّب مواجهته". وتوضح قتيبة أنّه كلّما اكتشف المرض مبكراً، تكون فترة العلاج أقصر، ونسبة الشفاء مرتفعة، والكلفة المادية والمعاناة أقل، مشيرة إلى أنّ "نسبة الشفاء في المرحلة الأولى تصل إلى 98 المائة، فيما تتراجع في المرحلتين الأخيرتين الثالثة والرابعة إلى 18 في المائة".
تضيف أنّ كل امرأة معرضة للإصابة بسرطان الثدي، لكنّ عوامل الخطورة تزيد لدى النساء اللواتي تجاوزن الأربعين عاماً، بالإضافة إلى أولئك اللواتي لديهن أقارب من الدرجة الأولى أصبن بالمرض (أم، أخت، أو ابنة)، واللواتي ظهرت لديهن كتل حميدة، واللواتي أصيب لديهن الجهاز اللمفاوي وتعرّضن للعلاج بالأشعة في منطقة الصدر، واللواتي انقطعت عنهن الدورة الشهرية واستخدمن الهرمونات أكثر من خمس سنوات، واللواتي بدأت لديهن الدورة الشهرية في عمر صغير (10 سنوات مثلاً) وانقطعت عنهن في عمر متأخر (52 عاماً). وتشير قتيبة إلى أنّ التدخين والكحول وقلة النشاط البدني كلّها عوامل تزيد من احتمالات الإصابة بالمرض، علماً أنّ نمط الحياة الصحي يخفّض من احتمالات الإصابة، مثل ممارسة النشاط البدني والاعتماد بشكل أكبر على تناول الخضار والفاكهة.
نتائج واعدة
وأظهرت نتائج مسح السكان والصحة الأسرية 2017- 2018، أنّ النساء المتزوجات في الأردن ما زلن يملن إلى عدم إجراء الفحوص المتعلقة بسرطان الثدي، على الرغم من حملات التوعية التي تنفذ سنوياً، وعلى الرغم من انتشار سرطان الثدي بينهن، إذ تشير آخر الأرقام إلى أنّ سرطان الثدي يشكل نحو 40 في المائة من مجمل حالات السرطان بين الإناث في الأردن منذ بداية عام 2019. وبحسب المسح، فإنّ 21 في المائة فقط من النساء المتزوجات في الأردن أجرين فحوصاً ذاتية لسرطان الثدي، أو فحوصاً متخصصة خلال الأشهر الـ12 السابقة على المسح، في حين خضعت 9 في المائة منهن إلى تصوير "ماموغرام".
وتبين أنّ للعمر والمستوى التعليمي والاقتصادي تأثيراً مباشراً على النساء المتزوجات لناحية إجراء الفحوص من عدمها، إذ إنّ 3 في المائة فقط من النساء المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 عاماً و19، أجرين الفحوص الذاتية أو لدى المختصين، مقابل 26 في المائة من النساء المتزوجات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 45 و49 عاماً. وعلى صعيد المستوى التعليمي، فإنّ 8 في المائة من النساء المتزوجات الأميات أجرين الفحوص الذاتية أو لدى المختصين مقابل 26 في المائة من النساء المتزوجات اللواتي تجاوز مستواهن التعليمي الثانوية. واقتصادياً، أجرت 14 في المائة من النساء المتزوجات الفقيرات الفحوص مقابل 32 في المائة من النساء المتزوجات الغنيات.
وحقق البرنامج الأردني لسرطان الثدي الذي تأسس في عام 2007 نتائج مميزة في التوعية حول المرض وأهمية الكشف المبكر عنه. وبعدما كانت 70 في المائة من حالات الإصابة تكتشف في المرحلتين الثالثة والرابعة، اللتين تنخفض فيهما نسبة الشفاء، أصبحت 70 في المائة من الحالات تكتشف في المرحلتين الأولى والثانية، اللتين ترتفع فيهما نسبة الشفاء.