منذ سنوات خلت، أعلنت الجزائر عن الشروع في بناء أكبر مسجد في أفريقيا وثالث أكبر مسجد في العالم - بعد الحرمين الشريفين - بدأت أشغال المشروع فعليًا في سنة2011، على مساحة تفوق 25 هكتارًا في منطقة المحمدية بالجزائر العاصمة، ويمكنه أن يسع 120 ألف مصلٍ في وقت واحد. لن يكون هذا الصرح مكانًا للعبادة فحسب، بل سيضم قاعات للمحاضرات، ومكتبات، ومدرسة قرآنية ومرافق كثيرة تتعلّق كلها بتدريس العلوم الدينية.
ومن خصوصياته أيضًا وجود منارة شاهقة يقارب ارتفاعها 300 متر. حيث تعتبر المنطقة التي سيتمُّ إنجاز المشروع فيها المركز الجديد للعاصمة حيث تجاوره مشاريع كبيرة. غير بعيد عن موقع المشروع، ينتصب المركز التجاري "أرديس"، كما نجد قصر المعارض، الصنوبر البحري، ومركز الأعمال في باب الزوّار ببناياته الشاهقة.
تُرتقب نهاية الأشغال في "جامع الجزائر الأعظم" مع نهاية 2017، في حين أن تحديد تاريخ الافتتاح الرسمي لم يتم بعد، ومع اقتراب المشروع من مرحلته الأخيرة وبداية ظهور معالم هذه "التحفة المعمارية"، لا يزال الجزائريون يتداولون التعاليق المثيرة حول هذا الصرح الضخم الذي لطالما أثار الجدل.
ففي كل مرّة تنتشر فيها قصّة معاناة أي شخص في أي من المجالات الحياتية، تعود العبارات نفسها للتداول بين إعلاميين وعلى ألسنة المواطنين، "بدلًا من بناء هذا المسجد، كان حريًا استغلال الأموال في تشييد مؤسّسات تسهّل حياة المواطنين". يمكن تقسيم هذه الانتقادات الكثيرة إلى صنفين:
يخص القسم الأوّل الجانب الفقهي؛ حيث يرى بعض رجال الدين أن الأرض جُعلت مسجدًا للمسلمين، وأن دور العبادة ينبغي أن تقتصر على التعبّد، لا أن تصبح مزارًا. يعني أن لا تُقصد وكأنها متاحف تتمّ زيارتها بسبب زخارفها أو كيفية بنائها أو ما تشكّله من فرادة، لأن الهدف الأوّل والأخير هو التعبّد.
أما الانتقادات الأخرى فهي تعنى بالجانب المادي؛ حيث يعتبر كثير من المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام أن التكلفة الأولية التي قدّرت بـ 1 مليار دولار (في حين أن التكلفة الفعلية قد تجاوزت هذه القيمة بأضعاف) كان ينبغي أن تخصّص لأمور أخرى يعتبرونها أهم من ذلك. حيث يرون أن الجزائر ليست في حاجة إلى مساجد من هذا الطراز وأنها تكفي جميع المصلين.
في المقابل يشدّد هؤلاء على أنه كان حريًا العمل على حل أزمة السكن بتخصيص هذه الأموال لبناء مساكن من أجل إتاحة فرص الزواج للشباب، وكذا العمل على حل مسألة العلاج خارج التراب الوطني، مثلًا عن طريق عصرنة المستشفيات وبناء مراكز علاج متخصّصة لا سيما بالأمراض المستعصية خاصّة وأن الجزائريين يقصدون تونس وتركيا للعلاج، بسبب الضغط الذي تشهده المستشفيات ونقص الرعاية الطبية.
يتداول جزائريون الكثير من النوادر حول تشييد المسجد. وتبقى أبرزها تلك الخاصّة بمصادر المواد المستخدمة في البناء، حيث يتمّ التحدّث عن أن "المسلمين الجزائريين سيأتون بسيّاراتهم الأوروبية والآسيوية بعد إتمام الأشغال للتعبّد في الجامع الذي بناه الصينيون، وسط مكيّفات الهواء المستوردة من ألمانيا والزرابي والمصابيح المستوردة من بلدان أخرى". وإن كانت هذه الطرفة تتضمّن قدرًا من المبالغة، فإنها تشير إلى الاعتماد التام على الشركات الأجنبية في إنجاز المشروع. ربّما هذا ما حذا بوزارة السكن والعمران المسؤولة عن الإنجاز إلى الإعلان عن أن أشغال التهيئة الداخلية النهائية من طلاء ودهن وتبليط وغيرها، ستعتمد على يد عاملة جزائرية ومنتجات جزائرية 100%.
يربط المنتقدون للمشروع بناء "المسجد الأعظم" بـ "فضحية" التأخّر في بناء السكنات الاجتماعية بصيغة البيع بالإيجار في الجزائر، والتي ما زال أصحابها لم يتسلموها منذ سنة 2001 و2002 إلى غاية اليوم، على الرغم من الاحتجاجات التي لا تنتهي، والجدل الذي أثارته على وسائل الإعلام، ويعتبرون أنه كان حريًّا بالدولة الانتهاء من هذه الأشغال بدل تبذير مال الشعب في ما لا يفيد.
وتذهب الانتقادات إلى أن الصلاة يمكن أداؤها على قارعة الطريق أما العلاج والسكن فلا بدّ لها من مؤسّسات وأبنية، وغالبًا من يستشهدون بعلاج رئيس الجمهورية في مستشفى فال دوغراس بفرنسا، حيث ارتبطت تسمية هذا المسجد باسم الرئيس بوتفليقة، حيث أشرف على إطلاق المشروع وقام بعدّة زيارات إليه، وتجد كثيرًا من الجزائريين في الشارع يطلقون عليه اسم "مسجد بوتفليقة"، ويرى كثير من المنتقدين أن هذا المسجد لا يمكن إعماره بالمصلّين إذ لا يمكن أن يترك سكّان العاصمة أحياءهم وقطع عشرات الكيلومترات لأداء الصلوات الخمس، مع ما تشهده العاصمة من زحمة في حركة المرور وعدم توفّر مواقف للسيّارات.
بعض الانتقادات ذهبت إلى الموقع الجغرافي للمسجد، والذي يقع على بعد أمتار قليلة من وادي الحرّاش بالعاصمة، وهو مجرى لأحد الأودية سيئة السمعة، لاستخدامه كمصبّ للمجارير لعقود من الزمن، ما جعل تلك المنطقة بالتحديد تشتهر بانبعاث روائح قويّة تمتدُّ إلى عدة كيلومترات، في حين أن المسجد الأعظم يقع بمحاذاة هذا الوادي، وعلى الرغم من تحذير الخبراء من بناء هذا الصرح في هذا الموقع، وتوصيّاتهم بترك مسافة تفوق خمسة كيلومترات، إلا أن الموافقة على المشروع تمّت في لمح البصر. خاصة أن الوادي أيضًا يُمكن أن يشكّل تهديدًا حقيقيًا في حال فيضانه، وهو ما حدث أخيرًا بعد فيضان الوادي بسبب الأمطار الغزيرة التي شهدتها العاصمة الشتاء الماضي.
إذا ما استندنا للآراء المعبّر عنها في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذا عبر وسائل الإعلام الخاصة، يمكن أن نستشف وجود معارضين كثر لبناء المسجد الأعظم، ولكن الأكيد أن ذلك لن يغيّر من الأمر شيئًا. فأشغال المسجد الأعظم تقترب من نهايتها على الرغم من الأزمة الاقتصادية. وسيلتقي فيه المعترضون على بنائه والمؤيّدون لتأدية الصلاة جنبًا إلى جنب. فهل سيشّكل إنجازه نهاية الجدل أم هي بداية جدل جديد؟.