وافق مجلس النواب المصري على تشريعات الرئيس عبد الفتاح السيسي. لا نقاشات طرحت ولا اعتراضات برزت. أنعش البرلمان مقولات الثورة المضادة على لسان أعضائه، بداية من عدم الاعتراف بثورة يناير، مروراً بمعاداة كل عناصرها وحبسهم إذا لزم الأمر، وليس انتهاءً بإنكار مطالبها بكل تأكيد.
مجلس النواب يشبه السلطة التي أتت به، والسلطة تستعين به لإخراس أي صوت ينتقدها. عملياً لا تناقض قائم بين البرلمان والسلطة كما يتصور بعض أتباع النظام، ولا تعارض بين رجال الأعمال ومؤسسات الحكم كما يراهن المتفرجون على المشهد. التناغم والتعاون قائم، وكلاهما يمثل الآخر، وكلاهما وجه للثورة المضادة.
خلال الأسبوع الماضي طرحت الحكومة قانون التأمين الصحي، وقد سبق طرحه عام 2005 لكن سحب نتاج رفض من قوى اجتماعية عديدة. يقدم اليوم القانون بثوب جديد لمجلس النواب، ويستهدف خصخصة الخدمات الصحية، ليس قانون التأمين الصحي وحده الذي ينتظر مجلس النواب، فهناك قوانين مشابهة ستقدم لاستكمال منظومة التحرير الاقتصادي، وبهذه القوانين وصلت محطة الخصخصة إلى محطتها الأخيرة، وهي خصخصة خدمات التعليم والصحة والمواصلات والاتصالات والكهرباء والمياه.
سيسعى البرلمان إلى الموافقة على تلك القرارات المتعلقة بتحرير الخدمات، والتي لا يحتاج بعضها إلى قوانين، كرفع أسعار الخدمات. فقد رفعت الحكومة أسعار مياه الشرب بمعدل 25 %، لم تكن هذه الزيادة الأولى ولن تكون الأخيرة، فلدى الشركة القابضة للمياه خطة لرفع الأسعار لتصل إلى سعر التكلفة، وبذلك لا تتحمل موازنة الدولة أي تكاليف مالية توجه لخدمه مياه الشرب.
الزيادات الأخيرة ستمكن من جمع ثلاثة مليارات جنيه من جيوب المستهلكين، فمنذ عام ونصف زادت أسعار الطاقة بمشتقاتها، الكهرباء، البنزين، الغاز الطبيعي، ناهيك عن رفع أسعار الأسمدة ومستلزمات الزراعة، ورسوم بعض الخدمات منها التعليم الجامعي. كل هذه الزيادات رفعت نسب التضخم، وستجعل حياة الملايين من المصريين أشد قسوة.
تتماشى هذا القرارات مع تصريحات أعضاء مجلس النواب، الذين طالبوا بإلغاء دعم الدولة للخدمات التعليمية. شن عدد منهم حرباً ضروساً ضد ما تقدمه الدولة من دعم للمدارس والجامعات، واعتبروا ذلك إهداراً للمال العام. هم لا يريدون من أبناء الفقراء سوى أن يكونوا أجراء جهلة لديهم، لا بل عدد منهم يمتلك مدارس وجامعات خاصة ستستفيد في حالة تخفيض دعم الدولة للتعليم العام.
انتهاج سياسة السوق بلا أي ضابط وتخلي الدولة عن أي دور تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي سيفرض هذه السياسات. الأمر الذي ينفي أي كلام معسول حول نوايا السلطة في خلق تنمية اقتصادية أو تلبية احتياجات المجتمع من الخدمات والسلع. لأن التحرير الاقتصادي يتنافى مع وجود دور إنتاجي للدولة. تترك مسألة الإنتاج والتوزيع والبيع والشراء رهينة قوى السوق، وتلك القوى متحالفة مع فساد السلطة، وسلطة الفساد تحمي قوى السوق وتكسبها ميزات وتسهيلات. تتسع من خلال هذه العلاقة دوائر الاستغلال في جانب وتضيق معيشة الملايين على الجانب الآخر.
نجيب ساويرس أحد أبرز رجال الأعمال المصريين والعرب لم يكتف بتملك وسائل إعلام تخصه يعبر فيها عن نفسه، ولكنه أصبح كاتبا صحفياً بجريدة الأخبار القومية. يعلن الرجل في كل مناسبة وعبر أعضاء حزبه أن العودة إلى الخصخصة ضرورة ملحة. يدافع عن مصالحه هو ومعسكره. يريد توسيع استثماراته ليبتلع أكبر مساحة ممكنة من السوق. ويلوم خوف وتردد المجموعة الاقتصادية في حكومة السيسي من الحديث بشكل مباشر عن عودة الخصخصة. تصريحات ساويرس ونوابه وأعضاء حزبه تشير إلى أن عقارب الساعة تدور للخلف وأن سلطة الرأسمال تود العودة بتوحش لحكم مصر، وبشكل أكثر فجاجة وتبجح من أيام مبارك، وتؤشر في نفس الوقت إلى أن حياة المصريين سوف تكون أكثر ظلمة، وأن ما تمرد عليه المصريون من سياسات صنعت الأزمة الشاملة، ما زال باقياً وأن عواقبه ونتائجه لن تختلف عما سبق من تمرد يحتاج إلى من يشعله.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية)
اقرأ أيضاً: الباطش والمبطوش به في دولة الفساد المصرية
مجلس النواب يشبه السلطة التي أتت به، والسلطة تستعين به لإخراس أي صوت ينتقدها. عملياً لا تناقض قائم بين البرلمان والسلطة كما يتصور بعض أتباع النظام، ولا تعارض بين رجال الأعمال ومؤسسات الحكم كما يراهن المتفرجون على المشهد. التناغم والتعاون قائم، وكلاهما يمثل الآخر، وكلاهما وجه للثورة المضادة.
خلال الأسبوع الماضي طرحت الحكومة قانون التأمين الصحي، وقد سبق طرحه عام 2005 لكن سحب نتاج رفض من قوى اجتماعية عديدة. يقدم اليوم القانون بثوب جديد لمجلس النواب، ويستهدف خصخصة الخدمات الصحية، ليس قانون التأمين الصحي وحده الذي ينتظر مجلس النواب، فهناك قوانين مشابهة ستقدم لاستكمال منظومة التحرير الاقتصادي، وبهذه القوانين وصلت محطة الخصخصة إلى محطتها الأخيرة، وهي خصخصة خدمات التعليم والصحة والمواصلات والاتصالات والكهرباء والمياه.
سيسعى البرلمان إلى الموافقة على تلك القرارات المتعلقة بتحرير الخدمات، والتي لا يحتاج بعضها إلى قوانين، كرفع أسعار الخدمات. فقد رفعت الحكومة أسعار مياه الشرب بمعدل 25 %، لم تكن هذه الزيادة الأولى ولن تكون الأخيرة، فلدى الشركة القابضة للمياه خطة لرفع الأسعار لتصل إلى سعر التكلفة، وبذلك لا تتحمل موازنة الدولة أي تكاليف مالية توجه لخدمه مياه الشرب.
الزيادات الأخيرة ستمكن من جمع ثلاثة مليارات جنيه من جيوب المستهلكين، فمنذ عام ونصف زادت أسعار الطاقة بمشتقاتها، الكهرباء، البنزين، الغاز الطبيعي، ناهيك عن رفع أسعار الأسمدة ومستلزمات الزراعة، ورسوم بعض الخدمات منها التعليم الجامعي. كل هذه الزيادات رفعت نسب التضخم، وستجعل حياة الملايين من المصريين أشد قسوة.
تتماشى هذا القرارات مع تصريحات أعضاء مجلس النواب، الذين طالبوا بإلغاء دعم الدولة للخدمات التعليمية. شن عدد منهم حرباً ضروساً ضد ما تقدمه الدولة من دعم للمدارس والجامعات، واعتبروا ذلك إهداراً للمال العام. هم لا يريدون من أبناء الفقراء سوى أن يكونوا أجراء جهلة لديهم، لا بل عدد منهم يمتلك مدارس وجامعات خاصة ستستفيد في حالة تخفيض دعم الدولة للتعليم العام.
انتهاج سياسة السوق بلا أي ضابط وتخلي الدولة عن أي دور تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي سيفرض هذه السياسات. الأمر الذي ينفي أي كلام معسول حول نوايا السلطة في خلق تنمية اقتصادية أو تلبية احتياجات المجتمع من الخدمات والسلع. لأن التحرير الاقتصادي يتنافى مع وجود دور إنتاجي للدولة. تترك مسألة الإنتاج والتوزيع والبيع والشراء رهينة قوى السوق، وتلك القوى متحالفة مع فساد السلطة، وسلطة الفساد تحمي قوى السوق وتكسبها ميزات وتسهيلات. تتسع من خلال هذه العلاقة دوائر الاستغلال في جانب وتضيق معيشة الملايين على الجانب الآخر.
نجيب ساويرس أحد أبرز رجال الأعمال المصريين والعرب لم يكتف بتملك وسائل إعلام تخصه يعبر فيها عن نفسه، ولكنه أصبح كاتبا صحفياً بجريدة الأخبار القومية. يعلن الرجل في كل مناسبة وعبر أعضاء حزبه أن العودة إلى الخصخصة ضرورة ملحة. يدافع عن مصالحه هو ومعسكره. يريد توسيع استثماراته ليبتلع أكبر مساحة ممكنة من السوق. ويلوم خوف وتردد المجموعة الاقتصادية في حكومة السيسي من الحديث بشكل مباشر عن عودة الخصخصة. تصريحات ساويرس ونوابه وأعضاء حزبه تشير إلى أن عقارب الساعة تدور للخلف وأن سلطة الرأسمال تود العودة بتوحش لحكم مصر، وبشكل أكثر فجاجة وتبجح من أيام مبارك، وتؤشر في نفس الوقت إلى أن حياة المصريين سوف تكون أكثر ظلمة، وأن ما تمرد عليه المصريون من سياسات صنعت الأزمة الشاملة، ما زال باقياً وأن عواقبه ونتائجه لن تختلف عما سبق من تمرد يحتاج إلى من يشعله.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية)
اقرأ أيضاً: الباطش والمبطوش به في دولة الفساد المصرية