بتنصيب الحكومة المغربية، والتي يقودها حزب العدالة والتنمية، ويترأسها سعد الدين العثماني، من طرف غرفتي البرلمان، والشروع في مهامها الدستورية، تواجه الحكومة عدداً من الملفات والعراقيل التي تجعل طريقها صعباً، حتى قبل أن تبدأ بممارسة مهامها. ولعل أول ما قد يشكل خطراً داهماً على حكومة العثماني الجديدة هو كثرة الأحزاب المشكلة للحكومة، والتي يبدو الانسجام بينها غير واضح المعالم، حتى إن هناك من يتحدث عن كتلتين داخل الحكومة. الكتلة الأولى يمثلها حزب العدالة والتنمية، والذي يقود الحكومة الجديدة، ويمكن أن ينضم إليه حزب التقدم والاشتراكية الذي يعد حليفه الأقرب، بينما الكتلة الثانية تتمثل في حزب التجمع الوطني للأحرار، والذي يقوده عزيز أخنوش، ومن معه من أحزاب، وهي الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
هذه التكتلات الناشئة عن خلافات عميقة، خصوصاً بين "العدالة والتنمية" وأخنوش، خلال مرحلة تشكيل الحكومة من طرف عبد الإله بنكيران قبل أن يعفيه العاهل المغربي، الملك محمد السادس، تجعل الحكومة الجديدة أمام تحدي الانسجام. والانسجام بين مكونات الحكومة الجديدة ليس مطلوباً فقط من حيث النأي عن التكتلات الحزبية داخل الفريق الحكومي، ولكن أساساً بالنسبة لمواقف عدد من الأحزاب حيال ملفات بعينها شرعت الحكومة السابقة في فتح ورش الإصلاح بشأنها.
ولا تحمل الأحزاب المشكلة للحكومة الجديدة نفس الرؤى والمواقف إزاء خطة إصلاح التقاعد، أو إصلاح صندوق المقاصة المكلف بدعم المواد الاستهلاكية الأساسية، مثل غاز البوتان (الطهو) أو الدقيق والسكر. ويدخل حزبا الاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري مثلاً الحكومة المغربية الجديدة، وهما يملكان موقفاً معارضاً بشدة لخطة إصلاح التقاعد وصندوق المقاصة، والتي أطلقتها حكومة بنكيران السابقة، ما يطرح الكثير من الأسئلة بخصوص مطلب الانسجام في المواقف بين هذه الأحزاب وباقي الأحزاب المكونة للحكومة، والتي كانت العمود الفقري لحكومة بنكيران. ورهان الانسجام بين مكونات الفريق الحكومي لم يغب عن العثماني، إذ أكد، خلال تقديم برنامجه الممتد على خمس سنوات، أن هناك اتفاقاً بين الأحزاب الستة على تجاوز الخلافات من أجل تلبية تطلعات المغاربة، وتعويض الهدر الزمني الذي تسبب فيه تأخر تشكيل الحكومة طيلة ستة أشهر مضت.
مسألة "ضعف الانسجام" ظهرت في التصويت على البرنامج الحكومي، إذ لم يصوت جميع نواب الغالبية لمصلحة برنامج الحكومة، إذ غاب 32 صوتاً، ما يعني أن التصويت عكس في جانب منه مؤشرات حول مدى انضباط الغالبية، ومدى استمرار هذا الانسجام بين الحكومة وغالبيتها في البرلمان.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة مراكش، الدكتور الحسين اعبوشي، إن هذا الائتلاف الحكومي المشكل من ستة أحزاب ليس حلاً لأزمة بل هو تجسيد لها، وظهر هذا جلياً في مناقشة البرنامج الحكومي. ويلاحظ استمرار أزمة الانسداد الحكومي في قراءة أحزاب الغالبية للمشهد السياسي، واستمرار عناصر الصراع الخفي المرتبطة بالتوازنات الجديدة، والتي تمكن عبرها حزب الأحرار من فرض أجندته كاملة، على الرغم من حصوله على 37 مقعداً في البرلمان. ويتوقع الخبير السياسي أنه "إذا ما قدر لهذه الحكومة أن تستمر فإنها ستواصل مهامها في جو متأزم، وسيتخلل عملها العديد من الصعوبات"، مشيراً إلى أن "تصويت فريق العدالة والتنمية في البرلمان كان مشروطاً".
وهناك خطر سياسي آخر يداهم حكومة العثماني، يتمثل في الصعوبات التي قد تعترض تطبيق برنامجها، والتي يقول اعبوشي إنها تتجسد في وجود معارضة من داخل الغالبية ومن خارجها، كما أن المعارضة قد تؤدي دور الغالبية في حالة عدم تصويت كل أحزاب الغالبية على بعض القوانين. ويلفت إلى أن ما يميز حكومة العثماني أنها تضم معارضة كامنة داخل الغالبية الحكومية، قد تكون ممثلة في حزب الأحرار أو حزب الاتحاد الاشتراكي، كما أن هناك فئة من الغالبية داخل المعارضة. أما قطاعات الوزارات السيادية، يضيف اعبوشي، فإنها لن تجد أية معارضة، وسيتم تطبيق برامجها من دون مشاكل، لأنه لا أحد يمكنه إبداء معارضة ضد السياسة الخارجية، أو السياسة الدينية، أو السياسة الأمنية، كما أن المشاريع التي يرعاها الملك، والتي يتم تنفيذها في بعض القطاعات الحكومية، ستكون موضوع إجماع من طرف الغالبية الحكومية ومن المعارضة على السواء.