28 يناير 2024
الموت يُطلق سراح عبد الله الحامد
ثمّة من سمّاه "اغتيالاً متعمّداً" بحق شيخ الإصلاحيين السعوديين، عبد الله الحامد، المعتقل منذ سنوات؛ لأن سجّانيه تركوه ينزف دماغيّاً في الزنزانة مدة طويلة قبل نقله إلى المستشفى، ولأنهم أهملوا رعايته الصحية، على الرغم من سائر إشارات الخطر التي أرسلها جسده المنهك قبل ذلك. وثمّة من نعى الرجل بوصفه داعية ثابتاً على مواقفه لم يقبل المساومة على مبادئه، منذ أطلق دعوته الشهيرة بضرورة تحويل نظام الحكم في السعودية من ملكية مطلقة إلى ملكية دستورية، ولم يتراجع عن هذه الدعوة منذ عام 2004، وثمّة من حمّل النظام الذي لا يثير حفيظته خطبٌ، مهما استفحل خطره، إلا أن يخدش مواطن عرشه بدعوات إلى الإصلاح السياسي، مسؤولية موت الحامد.
من الناعين أيضاً منظمات حقوقية أشادت بالراحل وندّدت بالحاكم، ولم يفتها أن تقدّم عرضاً موجزاً عن حياة الحامد النضالية، ولا سيما أنه كان أحد مؤسسي لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، وكان ثالث ثلاثة رفضوا التعهد بوقف نشاطهم السياسي في مقابل إطلاق سراحهم.
ذلك كله وأزيد قيل عن هذا الداعية، بعباراتٍ تقطر أسىً، ولا سيما أن رحيله تزامن مع غرّة شهر رمضان المبارك من جهة، ومع هيمنة الحدث الكوروني عالميّاً على ما عداه، وهو ما كبت ضوضاء كان يمكن أن تكون أغزر صخباً لو كان العالم هادئاً وراصداً اغتيال المعارضين.
وفي الشأن الكوروني، تحديداً، تبدو تلك المقولة محقّة؛ لأن فيروس كورونا سياسيّ، أيضاً، وقابل للتحالف مع فيروسات الاستبداد إذا كان الضحية شعوبًا تعاني الويلات. في مثل هذه البيئة الخصبة تعبر جثث المعارضين إلى قبورها خفية، وبأقل عدد من المشيِّعين، كما حدث مع جثمان عبد الله الحامد، بذريعة "الوقاية من خطر الوباء"، والمقصود بالوباء، طبعاً، المعارض الذي تخشى أنظمة الاستبداد عدواه الفكرية والسياسية بأشدّ مما تخشى كورونا والطاعون وسائر الأوبئة المهددة حياة البشرية.
عموماً، رحل رافض التعهد بوقف نشاطه السياسي، غير أن الرفض لم يرحل، وهو ما فات الطغاة، والناعين ربما. وهو، أيضاً ما يبيح لنا تدوين نبأ الرحيل بصيغة أخرى: "أطلق الموت سراح شيخ المصلحين السعوديين، عبد الله الحامد، في غرّة رمضان، عن 70 عاماً، بعد أن عجز الجلاد عن سجن أفكاره ومعتقداته، ويقينه بحتمية الإصلاح في مملكة الرمال لا محال".
على هذا النحو، ينبغي أن يدرك الجلاد أن الحرية تجيء أحياناً على هيئة موتٍ للضحية، ما يضعه في حالة إرباكٍ حقيقيّ، هو الذي كان يريد للضحية أن تظلّ حبيسة زنزانته وسوطه، لا يحرّرها من قضبانه أي سببٍ مهما كان، ولا حتى الموت الذي لا يجيء بإذنه وحساباته هو، فيشعر حينها بأن موت الضحية خارج نطاق إرادته هو من أشكال التمرّد على سلطته، تماماً كما حدث مع ذلك العبد الذي اعتبر نفسه حرّاً، لأنه مات هارباً خارج مزرعة سيّده.
معلومٌ أن لا حدود لاستخفاف النظام السعودي في ضروب تعامله مع المعارضة، وما تمزيق جسد جمال خاشقجي في القنصلية ببعيد، غير أن من البلاهة الزعم أن هذه الرعونة ستبقى عابرةً على حالها، ولا سيّما في خضمّ أزمة النفط العالمية التي يشهدها العالم حاليًّا، والتي أثارت حفيظة الإدارة الأميركية، فحمّلت العربية السعودية مسؤوليتها، بعد أن أغرقت العالم بالنفط الرخيص. ولربما تبدأ هذه الإدارة برصد انتهاكات محمد بن سلمان حقوق الإنسان، وتحاشي "لفلفتها" والتغطية عليها كما فعل ترامب سابقاً عندما ساق أوهى المبرّرات لتبرئة النظام السعودي من دم خاشقجي، فهذه المتغيرات الدولية لا تزال غائبةً عن أذهان صانعي القرارات والهراوات في الرياض، وهم يزجّون دعاة حقوق الإنسان في الزنازين، بلا تهم في أغلب الأحيان، على غرار ما حدث مع الراحل عبد الله الحامد.
ومَن يدري؟ لعلّ النفط الذي حارب به حكّام السعودية معارضيهم، وفقراء العالم العربي، وقضاياه من فلسطين إلى ثورات الربيع، هو عينه من سيرتدّ هذه المرّة وبالاً عليهم، وينصف خاشقجي والحامد، وغيرهما ممن ينتظرون المصير ذاته في زنازين الظلم والطغيان.
ذلك كله وأزيد قيل عن هذا الداعية، بعباراتٍ تقطر أسىً، ولا سيما أن رحيله تزامن مع غرّة شهر رمضان المبارك من جهة، ومع هيمنة الحدث الكوروني عالميّاً على ما عداه، وهو ما كبت ضوضاء كان يمكن أن تكون أغزر صخباً لو كان العالم هادئاً وراصداً اغتيال المعارضين.
وفي الشأن الكوروني، تحديداً، تبدو تلك المقولة محقّة؛ لأن فيروس كورونا سياسيّ، أيضاً، وقابل للتحالف مع فيروسات الاستبداد إذا كان الضحية شعوبًا تعاني الويلات. في مثل هذه البيئة الخصبة تعبر جثث المعارضين إلى قبورها خفية، وبأقل عدد من المشيِّعين، كما حدث مع جثمان عبد الله الحامد، بذريعة "الوقاية من خطر الوباء"، والمقصود بالوباء، طبعاً، المعارض الذي تخشى أنظمة الاستبداد عدواه الفكرية والسياسية بأشدّ مما تخشى كورونا والطاعون وسائر الأوبئة المهددة حياة البشرية.
عموماً، رحل رافض التعهد بوقف نشاطه السياسي، غير أن الرفض لم يرحل، وهو ما فات الطغاة، والناعين ربما. وهو، أيضاً ما يبيح لنا تدوين نبأ الرحيل بصيغة أخرى: "أطلق الموت سراح شيخ المصلحين السعوديين، عبد الله الحامد، في غرّة رمضان، عن 70 عاماً، بعد أن عجز الجلاد عن سجن أفكاره ومعتقداته، ويقينه بحتمية الإصلاح في مملكة الرمال لا محال".
على هذا النحو، ينبغي أن يدرك الجلاد أن الحرية تجيء أحياناً على هيئة موتٍ للضحية، ما يضعه في حالة إرباكٍ حقيقيّ، هو الذي كان يريد للضحية أن تظلّ حبيسة زنزانته وسوطه، لا يحرّرها من قضبانه أي سببٍ مهما كان، ولا حتى الموت الذي لا يجيء بإذنه وحساباته هو، فيشعر حينها بأن موت الضحية خارج نطاق إرادته هو من أشكال التمرّد على سلطته، تماماً كما حدث مع ذلك العبد الذي اعتبر نفسه حرّاً، لأنه مات هارباً خارج مزرعة سيّده.
معلومٌ أن لا حدود لاستخفاف النظام السعودي في ضروب تعامله مع المعارضة، وما تمزيق جسد جمال خاشقجي في القنصلية ببعيد، غير أن من البلاهة الزعم أن هذه الرعونة ستبقى عابرةً على حالها، ولا سيّما في خضمّ أزمة النفط العالمية التي يشهدها العالم حاليًّا، والتي أثارت حفيظة الإدارة الأميركية، فحمّلت العربية السعودية مسؤوليتها، بعد أن أغرقت العالم بالنفط الرخيص. ولربما تبدأ هذه الإدارة برصد انتهاكات محمد بن سلمان حقوق الإنسان، وتحاشي "لفلفتها" والتغطية عليها كما فعل ترامب سابقاً عندما ساق أوهى المبرّرات لتبرئة النظام السعودي من دم خاشقجي، فهذه المتغيرات الدولية لا تزال غائبةً عن أذهان صانعي القرارات والهراوات في الرياض، وهم يزجّون دعاة حقوق الإنسان في الزنازين، بلا تهم في أغلب الأحيان، على غرار ما حدث مع الراحل عبد الله الحامد.
ومَن يدري؟ لعلّ النفط الذي حارب به حكّام السعودية معارضيهم، وفقراء العالم العربي، وقضاياه من فلسطين إلى ثورات الربيع، هو عينه من سيرتدّ هذه المرّة وبالاً عليهم، وينصف خاشقجي والحامد، وغيرهما ممن ينتظرون المصير ذاته في زنازين الظلم والطغيان.