على جانبي شارع الوراقين العتيق على ضفاف دجلة في العاصمة العراقية بغداد، تتراصف دكاكين الوراقين، الذين يعملون على تجليد الكتب وترميمها والعناية بالمخطوطات بحرفية عالية، عدا عن صناعة الورق لمن يرغب بأحجام وأنواع مختلفة أكثر جودة وأنعم ملمساً من تلك الآتية من الصين أو إيران ومن تركيا إلى بغداد.
وتشير الروايات إلى أن تاريخ هذا الشارع يعود إلى أيام هارون الرشيد الذي استحدث المهنة في بغداد بعد أسابيع على إنشاء دار للتدوين وكتابة القرآن وكتب الحديث وعلوم الطب والفيزياء، والخرائط التي يستخدمها قادة الجيوش في الفتوحات الإسلامية في الغرب.
لكن الشارع خضع للتوسيع أكثر بعشر مرات في التاريخ الحديث، وهدمت المباني القديمة، وشيدت أخرى حديثة على جانبيه وما زال الشارع محافظاً على اسمه (شارع الوراقين) كما أنه ما زال يضم أصحاب المهنة أو من تبقى منهم.
يقول شيخ الوراقين عبود الفلوجي لـ"العربي الجديد": "كنا نجلّد الكتب للوزارات والمديريات والهيئات الحكومية، منها مديرية الآثار العامة، والمكتبة الوطنية، والجامعات العراقية ومنها جامعة بغداد، حتى دُوّنت أسماؤنا في مديرية الآثار والمكتبة الوطنية تثميناً لعملنا. وساهمنا كذلك في تجليد أرشيف بعض الصحف العراقية، إضافة إلى تلبية طلبات المواطنين"، لافتاً إلى أنه "كانت المهنة بخير قبل عام 2003".
ويوضح: "ورثت المهنة عن أبي الحاج محمد حسن الفلوجي، ومنه تعلمت أصول هذه الحرفة، ولبينا طلبات الدوائر والمؤسسات الحكومية في التجليد، وكنا المعتمدين في تجليد كتب مكتبة البلاط الملكي أيام الحكم الملكي (1921-1958)".
ويلفت إلى أن "مهنة التجليد اليوم بدأت بالتراجع، وتعاني من أزمات كبيرة جعلتنا نقلص من أدوات العمل التي كنا نستخدمها قبل عام 2003، على عكس المهن الأخرى التي تطورت فيها الآلة بحسب التطور الزمني".
ويعتبر أن الأمر "يعود لتراجع الطلب على مهنة التجليد، إذ كانت دوائر الدولة تجلد أرشيفها، أما اليوم فدوائر الدولة انقطعت عن هذه الأرشفة بعد تحوّلها إلى الأرشفة الإلكترونية". أما بالنسبة للكتب القيّمة فلم يعد لديها قراء اليوم بحسب الفلوجي، فالقارئ كان جليس كتابه قديماً ويجلده حباً به، وحرصاً على قيمته. أما شبابنا اليوم فمنشغلون بالإنترنت، التي توفر لهم الكتاب أيضا.