01 أكتوبر 2022
انتصارٌ صغير وأمل كبير
يوم الأربعاء الماضي، سلّم المُدانان في مصر بقتل الطفل يوسف العربي نفسيهما إلى الجهات القضائية، لتنتهي بذلك قصة نضال غير مسبوقة في مصر بالنجاح.
بدأت القصة قبل نحو عامين، حين سقط فجأة الطفل يوسف قتيلاً في أثناء مشيه في ميدان الحصري في مدينة 6 أكتوبر، ليظهر بعدها أن رصاصة طائشة من حفل زفاف أصابته. في مايو/ أيار 2018، صدر الحكم بالسجن المشدد غيابياً سبع سنوات على طاهر أبو طالب، ضابط شرطة، وخالد عبد التواب نجل نائب في البرلمان كان سابقاً مديراً للأمن، ثم اختفى المتهمان تماماً. قصة عادية لقصور العدالة الجنائية في مصر، قد تتكرّر كل يوم، لكن ما فعلته والدة الطفل مروة قناوي، لا يتكرّر.
أطلقت مروة، بالتعاون مع متضامنين ومتضامنات، حملة للمطالبة بحق يوسف، سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام فرضت نفسها، وتجاوزت مواقع التواصل إلى الإعلام. تم استخدام كل الوسائل، الشعارات والصور اللافتة، الوقفات الاحتجاجية، وأخيراً بدأت مروة إضراباً عن الطعام استمر خمسة وأربعين يوماً، وخلاله تم تنظيم يوم تضامني نسائي، حضرته ناشطاتٌ وصحافيات. وفي النهاية، تم فك الإضراب بعد صدور قرار قضائي برفض إعادة الإجراءات غيابياً، وصدور أمر وجوبي بالقبض عليهما.
لافتٌ هنا أن مروة قناوي ذات تاريخ بالنشاط السياسي، وهو ما حاولت بعض الصحف إبرازه في البداية، في محاولة لتشويه حَراكها، في تقرير نُشر عن انتمائها وانتماء والد الطفل إلى حركة 6 إبريل، في تلميح إلى أن للحراك أهدافاً أخرى، ولكن ذكاء الحملة التي تجنبت تماماً ربط القضية بأي إطار خارجها، ولم تشهد تضامناً سياسياً نظامياً، أدّى إلى فشل هذه المحاولة، وظلت القضية قريبةً من الوجدان الشعبي، حين رأى كل مواطن من أي تيار سياسي أن نجله أيضاً قد يتعرّض للخطر نفسه.
وفي مواجهة إبراز الصحف في الأيام الأولى تصريحات النائب أحمد عبد التواب، مدافعاً عن نجله، ومؤكداً أن حفل الزفاف لم يُطلق فيه أي رصاص من الأساس، ظهرت مروة ممثلة لأيّ أم مصرية عادية تواجه ذوي نفوذ محلي لأجل حق ابنها، وهو ما أزاح تدريجياً التغطيات الأولى، وصور ذوي البذلات الفارهة، لصالح وجه الأم المتعب الذي يشبه وجه أيّ أم مصرية. وحافظت الحملة على خطاب بالغ التوازن، يناشد الجهات المعنية في الداخلية والقضاء، ويتواصل معها، ونجحت في كسب تضامن أعضاء في مجلس النواب لتحريك الموضوع داخل البرلمان.
وفي المقابل، لم يتم تغييب الجوانب السياسية الأوسع داخل إطار القضية، فنشرت الأم تفاصيل مطولة عن شبكات النفوذ القضائي والأمني التي تمتاز بها عائلتا المُدانين، وكذلك أكدت أنها قضيةٌ تهم ملف العدالة في مصر بالكامل. وبعيداً عن مروة، اتسعت المقارنات بين هذا الحكم المتساهل وأحكام مرعبة بالسجن 15 عاماً أو بالمؤبد بقضايا سياسية، وبين تجاهل الجهات المعنية لهرب هؤلاء في مقابل السرعة الخارقة للقبض على نشطاء سياسيين.
الزخم الشعبي والتوازن السياسي والتصعيد المحسوب، عوامل أدّت إلى انتصار صغير منخفض الكلفة، فلم يتضرّر أي متضامن أو متضامنة ممن شاركوا بأشكال الحراك المختلفة... في المرحلة الحالية، حيث تتم مواجهة كل محاولات العمل السياسي السلمي في الداخل بشتى وسائل الإجهاض، سجناً أو تشويهاً، كما تم التوسع الكبير في ملاحقة الصحافيين والنشطاء في الخارج، سواء بالضغط على أشخاصهم أو على عائلاتهم، وذلك كله على خلفية أحداث إقليمية متسارعة، يتراجع فيها الاهتمام العالمي بالملف المصري بالكامل، وخصوصاً أن القمع المصري يظل في النهاية، منخفض السقف نسبياً إذا قورن بالأوضاع في سورية والعراق وليبيا واليمن وغيرها، ولذلك لا بديل عن البحث عن طرقٍ جديدة. ولعل فكرة التجاوز عن الأهداف الدرامية الكبرى، وعن الحَراكات الضخمة، لصالح قضايا صغرى عديدة قد تنتج انتصارات صغيرة عديدة، تكون استراتيجية أكثر إفادة وأقل كلفة.
بدأت القصة قبل نحو عامين، حين سقط فجأة الطفل يوسف قتيلاً في أثناء مشيه في ميدان الحصري في مدينة 6 أكتوبر، ليظهر بعدها أن رصاصة طائشة من حفل زفاف أصابته. في مايو/ أيار 2018، صدر الحكم بالسجن المشدد غيابياً سبع سنوات على طاهر أبو طالب، ضابط شرطة، وخالد عبد التواب نجل نائب في البرلمان كان سابقاً مديراً للأمن، ثم اختفى المتهمان تماماً. قصة عادية لقصور العدالة الجنائية في مصر، قد تتكرّر كل يوم، لكن ما فعلته والدة الطفل مروة قناوي، لا يتكرّر.
أطلقت مروة، بالتعاون مع متضامنين ومتضامنات، حملة للمطالبة بحق يوسف، سرعان ما تحولت إلى قضية رأي عام فرضت نفسها، وتجاوزت مواقع التواصل إلى الإعلام. تم استخدام كل الوسائل، الشعارات والصور اللافتة، الوقفات الاحتجاجية، وأخيراً بدأت مروة إضراباً عن الطعام استمر خمسة وأربعين يوماً، وخلاله تم تنظيم يوم تضامني نسائي، حضرته ناشطاتٌ وصحافيات. وفي النهاية، تم فك الإضراب بعد صدور قرار قضائي برفض إعادة الإجراءات غيابياً، وصدور أمر وجوبي بالقبض عليهما.
لافتٌ هنا أن مروة قناوي ذات تاريخ بالنشاط السياسي، وهو ما حاولت بعض الصحف إبرازه في البداية، في محاولة لتشويه حَراكها، في تقرير نُشر عن انتمائها وانتماء والد الطفل إلى حركة 6 إبريل، في تلميح إلى أن للحراك أهدافاً أخرى، ولكن ذكاء الحملة التي تجنبت تماماً ربط القضية بأي إطار خارجها، ولم تشهد تضامناً سياسياً نظامياً، أدّى إلى فشل هذه المحاولة، وظلت القضية قريبةً من الوجدان الشعبي، حين رأى كل مواطن من أي تيار سياسي أن نجله أيضاً قد يتعرّض للخطر نفسه.
وفي مواجهة إبراز الصحف في الأيام الأولى تصريحات النائب أحمد عبد التواب، مدافعاً عن نجله، ومؤكداً أن حفل الزفاف لم يُطلق فيه أي رصاص من الأساس، ظهرت مروة ممثلة لأيّ أم مصرية عادية تواجه ذوي نفوذ محلي لأجل حق ابنها، وهو ما أزاح تدريجياً التغطيات الأولى، وصور ذوي البذلات الفارهة، لصالح وجه الأم المتعب الذي يشبه وجه أيّ أم مصرية. وحافظت الحملة على خطاب بالغ التوازن، يناشد الجهات المعنية في الداخلية والقضاء، ويتواصل معها، ونجحت في كسب تضامن أعضاء في مجلس النواب لتحريك الموضوع داخل البرلمان.
وفي المقابل، لم يتم تغييب الجوانب السياسية الأوسع داخل إطار القضية، فنشرت الأم تفاصيل مطولة عن شبكات النفوذ القضائي والأمني التي تمتاز بها عائلتا المُدانين، وكذلك أكدت أنها قضيةٌ تهم ملف العدالة في مصر بالكامل. وبعيداً عن مروة، اتسعت المقارنات بين هذا الحكم المتساهل وأحكام مرعبة بالسجن 15 عاماً أو بالمؤبد بقضايا سياسية، وبين تجاهل الجهات المعنية لهرب هؤلاء في مقابل السرعة الخارقة للقبض على نشطاء سياسيين.
الزخم الشعبي والتوازن السياسي والتصعيد المحسوب، عوامل أدّت إلى انتصار صغير منخفض الكلفة، فلم يتضرّر أي متضامن أو متضامنة ممن شاركوا بأشكال الحراك المختلفة... في المرحلة الحالية، حيث تتم مواجهة كل محاولات العمل السياسي السلمي في الداخل بشتى وسائل الإجهاض، سجناً أو تشويهاً، كما تم التوسع الكبير في ملاحقة الصحافيين والنشطاء في الخارج، سواء بالضغط على أشخاصهم أو على عائلاتهم، وذلك كله على خلفية أحداث إقليمية متسارعة، يتراجع فيها الاهتمام العالمي بالملف المصري بالكامل، وخصوصاً أن القمع المصري يظل في النهاية، منخفض السقف نسبياً إذا قورن بالأوضاع في سورية والعراق وليبيا واليمن وغيرها، ولذلك لا بديل عن البحث عن طرقٍ جديدة. ولعل فكرة التجاوز عن الأهداف الدرامية الكبرى، وعن الحَراكات الضخمة، لصالح قضايا صغرى عديدة قد تنتج انتصارات صغيرة عديدة، تكون استراتيجية أكثر إفادة وأقل كلفة.