في نهاية شارع نيكولاس أبيرت، وقف مئات الفرنسيين تحت تأثير صدمة مقتل 12 مواطناً، غالبيتهم من الصحافيين، في هجوم إرهابي، على مقر صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية، أغلب الواقفين كانوا من المارة، دفعهم فضولهم إلى مراقبة الشرطة أثناء جمع الأدلة وإخلاء المصابين، فيما وقف عدد من الصحافيين الفرنسيين على جانب الطريق يرفعون لافتات تضامنية مع زملائهم المغدورين، منددين بالجريمة.
رفض أحد الصحافيين ممن كانو يقفون بالقرب من مقر الصحيفة الحديث، الكل كان تحت تأثير الصدمة، يبحث عن صديق أو صديقة، خشية أن يجدهم بين القتلى.
إلى موقع الحادث وصل الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، بعد ساعة واحدة من وقوعه معلناً أن فرنسا مستهدفة من جانب أعداء الحرية فيما يلقي الرئيس الفرنسي هولاند كلمة اليوم على الساعة 20:00 مساء بتوقيت باريس لتقديم المزيد من المعطيات عن العمليّة التي تعد الأكبر، كما أعلنت السلطات الفرنسية حالة التأهب القصوى في منطقة باريس في سبيل القبض على المجرمين الذين وصفتهم بأعداء الحرية.
بينوا برينغيه وبيير كوزيت، صحفيان فرنسيان أكدا أمامنا لوكالة الصحافة الفرنسية أنهما شهدا هجوم المسلحين الملثمين بأسلحة أوتوماتيكية وقاذفة صواريخ، مشيرين إلى أن المسلحين نجحوا بالوصول إلى قاعة التحرير وأردوا أشهر رسامي الكاريكاتير في الصحيفة، ومعهم مدير الجريدة، ومن ثم أطلقوا النار على عنصري أمن أحدهم مخصص لحراسة مبنى الصحيفة واستطاعوا قتلهما والهرب بعد أن استبدلوا سيارتهم بأخرى أمام مبنى الصحيفة.
تاريخ من الاستهداف!
لم يكن هجوم اليوم على أسبوعية شارلي إيبدو الأول، إذ استهدف المبنى بقنابل الملتوف عام 2011 بعد نشر الصحيفة الأسبوعية الساخرة عدداً وضعت فيه صورة النبي محمد (ص) على صفحته الأولى، أعلنت فيه أن النبي محمد "رئيس تحريرها"، وفي 19 سبتمبر/أيلول 2012 نشرت الصحيفة رسوماً كاريكاتورية جديدة للرسول (ص) بعد مرور أسبوع على احتجاجات ضد الفيلم الأمريكي المسيء للإسلام "براءة المسلمين".
في عددها الأخير عنونت شارلي إيبدو بالعبارة (توقعات المنجم ويلبيك: في عام 2015 أفقد أسناني وفي 2022 أصوم شهر رمضان!)، تزامن ذلك مع صدور رواية مثيرة للجدل لكاتب فرنسي يتكلم فيها عن أسلمة المجتمع الفرنسي، وأنه في عام 2022 سيصل محمد ابن عباس زعيم حزب الأخوية الإسلامية لحكم فرنسا. (الأسماء في الرواية من صنع خيال الكاتب ولا وجود لها على أرض الواقع).
دوافع أخرى قد تكون وراء الجريمة
رغم شماتة حسابات إلكترونية مقربة من داعش فيما حدث، إلا أنها لم تتبن العملية، وهو ما دعا عدداً من المتضامنين مع الضحايا الصحافيين إلى إبداء رغبتهم في تحقيق شفاف يكشف الواقفين خلف تلك الجريمة، كما قالوا لـ"العربي الجديد".
بعضهم وضع احتمالات سياسية لأحزاب معينة كانت منذ البداية ولا تزال ضد هجرة المسلمين إلى فرنسا، بينما اتهم آخرون الحكومة الفرنسية بالتقصير، قائلين "إن العدد المرتفع من الضحايا وقع بسبب توقيت الهجوم مع اجتماع التحرير الأسبوعي للصحيفة، ما يعني أن المهاجمين كانوا على علم بتفاصيل العمل في الجريدة وأن الزمان والمكان للجريمة لم يتم اختيارهما بشكل عشوائي، وأن هناك اختراقاً رهيباً في أمن المعلومات وقع فعلاً إما من داخل الصحيفة وإما من وزارة الداخلية التي تحمي المجلة منذ أن جاءها عديد التهديدات بعد نشر الرسوم المسيئة".
نقاشات المتضامنين أنفسهم أدت غالباً إلى مشادات كلامية، على سبيل الذكر لا الحصر، دار نقاش تصاعد إلى مشادة كلامية بين يهودي اتهم المساجد في باريس بالتحريض على التطرف وبين مسيحي فرنسي من أصل تونسي يرى أن الجميع بات يحرض اليوم بمن فيهم الحكومات المقصرة في فرض العدالة والصحف التي تثير سخافات تؤدي إلى ردّات فعل قوية.
رصدت "العربي الجديد" مواطناً فرنسيّاً آخر دعا الحكومة إلى فرض قوانين تلزم الجميع باحترام المقدسات الدينية قائلاً: كما لدى الإسلام مفهوم الجهاد لدينا في المسيحية مفهوم الجهاد، ولكن علينا تشجيع الاعتدال لا صب الزيت على النار وتغذية التطرف باستفزاز مشاعر الأديان الأخرى.
أثر الحادثة على المسلمين في فرنسا
حالة الاحتقان كبيرة يمكن الشعور بها في الشارع الفرنسي، بعد توعد بعضهم بالخروج في مظاهرات للمطالبة بالحد من هجرة المسلمين إلى فرنسا، رغم مطالبة الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، ببقاء الفرنسيين يداً واحدة وعدم التسرع في إطلاق أصابع الاتهام في دعوة واضحة إلى عدم إثارة أي فوضى في الشارع الفرنسي ضد المسلمين.
يرى الصحافي السوري المقيم في باريس، فؤاد عبد العزيز، أن الهجوم سيؤدي إلى مشادات برلمانية هذه المرة بين الأحزاب، قائلا "نتخوف من وصول اليمين المتطرف إلى الحكم". يضيف إن ثبت أن المسلحين مسلمين، فعلينا توقع اعتداءات "خطيرة" على المسلمين في شوارع باريس لأن هناك من سيتهم المسلمين بأنهم خطر يتهدد المجتمع الفرنسي وحريته مؤكداً أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة ضيقة على المسلمين في فرنسا.
أما الرئيس الفرنسي السابق، نيكولاس ساركوزي، فقال في تغريدته على تويتر: "لابد أن يكون الرد، على هذه الهجمة البربرية، قاسيّاً وبلا هوادة، لكنه دعا الفرنسيين، في الوقت نفسه، إلى الحذر من الوقوع في الخطأ واستهداف المسلمين، باعتبارهم جميعاً إرهابيين.
إدانات
عقب الحادث أصدر المجلس الإسلامي في فرنسا، بياناً ندد فيه بالهجوم البربري على الصحيفة قائلا: "إن الجالية المسلمة في فرنسا، تدين بأشد وأقوى العبارات الممكنة هذا الهجوم الوحشي، و"نادر العنف" و"البربري" الذي" استهدف الحرية والديمقراطية الفرنسية".
الخارجية المصرية والأزهر والجامعة العربية أيضاً أدانوا الهجوم الإجرامي، وتوجه الأمين العام لجامعة الدول العربية، نبيل العربي، إلى عائلات الضحايا والشعب الفرنسي بالتعازي والمواساة على مصابهم.
أما رابطة الصحافيين السوريين المسجلة في فرنسا فكانت من أوائل الجهات الصحافية التي أدانت الاعتداء الآثم الذي تعرض له مقر صحيفة "شارل إيبدو"، وقال بيان صدر عن الرابطة "إن رابطة الصحافيين السوريين إذ تدين هذا العمل الإجرامي، بغض النظر عن الجهة التي تقف وراءه، تؤكد رفضها القاطع لأي تبرير لهذه الجريمة النكراء وتذكر الرابطة في هذه المناسبة الأليمة بضرورة احترام حرية العمل الصحافي وضمان عدم التعرض للصحافيين أينما كانوا".
الجدير بالذكر أن مجلة أو صحيفة شارل إيبدو تعد مثيرة للجدل وتم إغلاقها عدة مرات منذ صدورها عام 1969، وتصدر الصحيفة كل أربعاء. البعض يصف سياستها التحريرية بـ"الغبية والشرسة"، وتحتوي أعدادها على كاريكاتيرات جدلية في أغلبها تدعو إلى كسر التابوهات الدينية ويصفها البعض بمعاداتها لكل الأديان، وهو ما لا يبرر جريمة اليوم، التي ينتظر الجميع كشف حقيقة ملابساتها ومن يقف خلفها.