28 يناير 2024
تشبع الحرّة وتأكل بثدييها
... والمقصود بالحرّة هنا نساء كثيرات، غير أنني آثرت أن أختار أنموذجين من "الحرائر"، ليس في عالمنا العربي الذي لم تزل المسافة فيه بين المرأة وحرّيتها تضاهي ملايين الأثداء الجائعة، بل من بلدٍ يقود الحرية بتمثال، وأعني به الولايات المتحدة الأميركية.
نقع، في النموذج الأول، على ميلينا ترامب، السيدة المخملية، عارضة الأزياء السابقة، زوجة الرئيس الملياردير دونالد ترامب، فهذه "الحرّة" المتخمة شبعًا وثروة وحرية، والتي تتربع على عرش سيدة أميركا الأولى، بكامل مساواتها وتحرّرها وديمقراطيتها، آثرت الصمت أمام فضائح زوجها الجنسية مع عارضة المجلة الإباحية، بلاي بوي، كارين مكدوغال، واختارت أن تتعايش مع هذه الخيانة، وكأن من تعاشره وتنام إلى جانبه ليس زوجها، ضاربةً عرض الفراش بكل حريتها ومساواتها وألقابها المخلوعة عليها.. ولا بأس أن تشبع وتأكل بثدييها؛ على الرغم من أن هذا التعايش هو خيانة لمبادئ الحرية التي تتغنّى بها دولتها، ولو كانت "حرّة"، حقًا، لطلبت الطلاق من زوجها، خصوصًا أنها تعيش في مجتمع "حرّ"، لن يستوقفه طلاق امرأة مطعونة بخنجر الخيانة الزوجية.
وفي النموذج الثاني، نقع على "حرّة" أخرى، عاشت ظرفًا أقسى وأمرّ، هي هيلاري كلينتون. اقترف زوجها الرئيس، صاحب السيجار، خيانات تضاهي عظمة دولته ذاتها مع المتدرّبة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي. بيد أنها، هي الأخرى، آثرت الصمت، ولم تخلع زوجها الخائن، بل اختارت أن تجرّب حظها في سلك السياسة، فأصبحت وزيرة خارجية، ثم خاضت معركة الرئاسة ضد الرئيس ترامب، وأخفقت بعدد ضئيل من الأصوات، وكانت تقف في المهرجانات الخطابية، وإلى جانبها زوجها "الخائن"، من دون أن تطرف لها عينٌ، ولو قيّض لها النجاح، لعادت مع زوجها إلى البيت الأبيض، ضمن ظرفٍ جديد، يسمح لصاحب السيجار بممارسة هواياته على نحو أزيد راحةً، كونه لن يكون مرتبطًا بمشاغل الرئاسة. أما "الحرّة" الثالثة، وأعني بها لوينسكي، فقد ارتأت أنه لا طعم للخيانة في العتمة، فقرّرت أن توثقها في كتابٍ جامعٍ مانع حقق مبيعات جيدة.
تستوقفني هذه النماذج النسائية كثيرًا، كلما اقترب موعد الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وأستذكر معها نضال المرأة المعمّد بالدم، سعيًا إلى تحقيق حرياتها، خصوصًا في "بلد الحريات"، أميركا، التي شهدت أول مظاهرة احتجاجٍ نسائيةٍ في العالم، ضد الظروف اللاإنسانية التي كانت العاملات يخضعن لها، ثم تطوّر سقف الاحتجاجات، ليصل إلى الحقوق السياسية، وأقارن ذلك كله بما آل إليه الوضع النسائي الآن، بعد أن حققت المرأة الأميركية كل ما تريد، لكنها لم تتخلّص، أبدًا، من عقدة الاضطهاد، بدليل تعايشها وقبولها بهذا الاضطهاد، وإن لم يكن مباشرًا، غير أنه أشد فداحةً، بطلاته نساء تسنّمن ذروة المشهديْن، السياسي والاجتماعي، مع إغفالنا نماذج نسائية أخرى، قبلن بممارسة أدوار أعظم انحطاطًا، ليس عن حاجةٍ، بل بحثًا عن الثروة.
وفي لجّة هذا الغموض الذي يكتنف العالم النسوي، أتساءل: أي حريةٍ تريدها نساءٌ من هذا النوع، وهن كثر، ما دمن في الحالين، التحرّر والاضطهاد، "يأكلن بأثدائهن"، وما دمن يقبلن التنازل عن هذه الحرية، لقاء عرضٍ لا يضاهي ما كافحن لأجله، مهما علا شأنه؟ وما جدوى الانعتاق من الاضطهاد القسري، إذا كان الهدف هو الخضوع لـ"الاضطهاد الطوعي".. أليست تلك معركة حقوقٍ عبثيةٍ في نهاية المطاف؟.. أم أن المعضلة تكمن في اختيار الجلاد، وليس في الجلاد نفسه؟
لن أكون قاسيًا، فأزعم أن ثمّة جينًا شكّلته عصور طويلة من الاضطهاد في مكوّنات المرأة، ينشط في اللحظة التي تبلغ فيها أوج حرّيتها، ليعيدها إلى شهوة الاستعباد، مجدّدًا، فهو زعم ظالم، غير أني أترك هذه النظرية معلقةً، ريثما أرى حرائر لا يأكلن بأثدائهن، مهما أتخمهنّ الشبع.
وفي النموذج الثاني، نقع على "حرّة" أخرى، عاشت ظرفًا أقسى وأمرّ، هي هيلاري كلينتون. اقترف زوجها الرئيس، صاحب السيجار، خيانات تضاهي عظمة دولته ذاتها مع المتدرّبة في البيت الأبيض، مونيكا لوينسكي. بيد أنها، هي الأخرى، آثرت الصمت، ولم تخلع زوجها الخائن، بل اختارت أن تجرّب حظها في سلك السياسة، فأصبحت وزيرة خارجية، ثم خاضت معركة الرئاسة ضد الرئيس ترامب، وأخفقت بعدد ضئيل من الأصوات، وكانت تقف في المهرجانات الخطابية، وإلى جانبها زوجها "الخائن"، من دون أن تطرف لها عينٌ، ولو قيّض لها النجاح، لعادت مع زوجها إلى البيت الأبيض، ضمن ظرفٍ جديد، يسمح لصاحب السيجار بممارسة هواياته على نحو أزيد راحةً، كونه لن يكون مرتبطًا بمشاغل الرئاسة. أما "الحرّة" الثالثة، وأعني بها لوينسكي، فقد ارتأت أنه لا طعم للخيانة في العتمة، فقرّرت أن توثقها في كتابٍ جامعٍ مانع حقق مبيعات جيدة.
تستوقفني هذه النماذج النسائية كثيرًا، كلما اقترب موعد الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وأستذكر معها نضال المرأة المعمّد بالدم، سعيًا إلى تحقيق حرياتها، خصوصًا في "بلد الحريات"، أميركا، التي شهدت أول مظاهرة احتجاجٍ نسائيةٍ في العالم، ضد الظروف اللاإنسانية التي كانت العاملات يخضعن لها، ثم تطوّر سقف الاحتجاجات، ليصل إلى الحقوق السياسية، وأقارن ذلك كله بما آل إليه الوضع النسائي الآن، بعد أن حققت المرأة الأميركية كل ما تريد، لكنها لم تتخلّص، أبدًا، من عقدة الاضطهاد، بدليل تعايشها وقبولها بهذا الاضطهاد، وإن لم يكن مباشرًا، غير أنه أشد فداحةً، بطلاته نساء تسنّمن ذروة المشهديْن، السياسي والاجتماعي، مع إغفالنا نماذج نسائية أخرى، قبلن بممارسة أدوار أعظم انحطاطًا، ليس عن حاجةٍ، بل بحثًا عن الثروة.
وفي لجّة هذا الغموض الذي يكتنف العالم النسوي، أتساءل: أي حريةٍ تريدها نساءٌ من هذا النوع، وهن كثر، ما دمن في الحالين، التحرّر والاضطهاد، "يأكلن بأثدائهن"، وما دمن يقبلن التنازل عن هذه الحرية، لقاء عرضٍ لا يضاهي ما كافحن لأجله، مهما علا شأنه؟ وما جدوى الانعتاق من الاضطهاد القسري، إذا كان الهدف هو الخضوع لـ"الاضطهاد الطوعي".. أليست تلك معركة حقوقٍ عبثيةٍ في نهاية المطاف؟.. أم أن المعضلة تكمن في اختيار الجلاد، وليس في الجلاد نفسه؟
لن أكون قاسيًا، فأزعم أن ثمّة جينًا شكّلته عصور طويلة من الاضطهاد في مكوّنات المرأة، ينشط في اللحظة التي تبلغ فيها أوج حرّيتها، ليعيدها إلى شهوة الاستعباد، مجدّدًا، فهو زعم ظالم، غير أني أترك هذه النظرية معلقةً، ريثما أرى حرائر لا يأكلن بأثدائهن، مهما أتخمهنّ الشبع.