تحولت موازنة العراق منذ العام 2014 إلى تشغيلية بصورة كاملة إذ تم إلغاء الموازنة الاستثمارية وذلك في ظل هبوط أسعار النفط وارتفاع تكاليف الحرب التي تخوضها القوات الحكومية وتنظيم داعش في المحافظات الغربية والشمالية. وبرغم هذا الإجراء، تصاعد حجم العجز في الموازنة إلى نسب قياسية، لتدخل البلاد في دوامة القروض الخارجية...
وبعد مشاورات استمرت عدة أشهر، قرر صندوق النقد وشركاؤه والدوليون، منح العراق قرضاً بقيمة 15 مليار دولار لسد العجز المالي لموازنات البلاد من العام الحالي وحتى عام 2018. جاء ذلك بعدما وقّع الوفد العراقي الذي رأسه وزير المال العراقي هوشيار زيباري وضم محافظ البنك المركزي علي العلاق ومستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية مظهر محمد صالح، الاتفاقية التي تستمر لمدة ثلاثة أعوام والتي تضمن الالتزام بالإصلاحات خلال هذه الفترة. وسيدفع هذا القرض على 13 قسطاً، وسيمنح منه صندوق النقد الدولي 5.4 مليارات دولار وفقاً لحصة العراق البالغة في صندوق النقد الدولي 234%، وسيدفع البنك الدولي 3 مليارات دولار والولايات المتحدة الأميركية 3 مليارات دولار والدول الصناعية السبع 3.6 مليارات دولار.
ومن المنتظر أن تعد الحكومة العراقية تقريراً خلال الشهر الحالي حول الإجراءات التي ستنفذها في الثلاثة أشهر المقبلة المتعلقة بالمالية العامة، لتسلمه في نهاية الشهر إلى صندوق النقد الدولي الذي سيطلق الدفعة الأولى المقدرة بـ 600 مليون دولار.
خصخصة وخفض الرواتب
قدر صندوق النقد الدولي العجز المالي في موازنات العراق خلال السنوات الثلاث المقبلة بـ50 مليار دولار.
سيتحمل صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي 30% ويقوم العراق بتقليل الإنفاق من 105 تريليونات دينار إلى 90 تريليونا كحد أقصى، إضافة إلى فرض نسبة 7.5% - 15% ضريبة دخل على إجمالي الراتب (الراتب الاسمي ومخصصاته) وإيقاف استثمار الشركات النفطية الأجنبية في الحقول وتسديد ديونها وإيقاف التعيينات لمدة ثلاث سنوات باستثناء الأطباء والقضاة. وكذلك خصخصة الشركات الحكومية البالغة 154 شركة ويوجد فيها نصف مليون عامل بالإضافة إلى تقليل حجم الرواتب من 45 مليار دولار إلى 32 مليار دولار.
يدين العراق للشركات النفطية بمبلغ 20 مليار دولار وهي متراكمة منذ بدء أعمالها في عام 2011، وذلك كلفة تطوير الحقول النفطية واستخراج النفط، واتفق أخيراً على جدولة ديون الشركات حيث ستمنح الحكومة مبلغ مليار دولار شهرياً لها، خصوصاً أن وزارة النفط تمنح للشركات النفطية الأجنبية العاملة في الحقول الجنوبية مبلغ 10.5 دولارات لكل برميل تستخرجه.
اقــرأ أيضاً
وقال عضو الوفد التفاوضي العراقي مع صندوق النقد الدولي، مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية مظهر محمد صالح، لـ "العربي الجديد" إن "برنامج اقتراض العراق من صندوق النقد الدولي يتطلب تنفيذ إجراءات عديدة، منها احتساب سعر برميل النفط في موازنة العام الحالي بـ 35 دولاراً بدلاً من 45 دولاراً لتنخفض نسبة العجز إلى 11 مليار دولار، وتقليل حجم الإنفاق إلى أقل من 90 تريليون دينار وتسديد ديون الشركات النفطية الأجنبية وإيقاف تطوير الحقول النفطية".
وأضاف "من ضمن الشروط تفعيل الاقتطاع الضريبي على الراتب الكامل من الدرجة الثانية وصاعداً باستثناء المخصصات الزوجية والأطفال وكذلك استثناء منتسبي الأجهزة الأمنية من التحاسب الضريبي لدورهم الفاعل في حماية العراق"، مؤكداً أن "صندوق النقد الدولي طلب تفعيل دور هيئة النزاهة وتشريع قانون جديد لها يضمن استقلاليتها ويعطيها صلاحيات أوسع في مكافحة الفساد، وتعديل قانون البنك المركزي وتقوية المراقبة والأسس الحسابية وتعديل قانون الإدارة المالية، وتقوية الرقابة الداخلية للصرف والإنفاق لأنه يوجد في البلاد موظفون يستلمون أكثر من راتب".
ولفت إلى أن "الصندوق حدد ضرورة إيجاد حل لإعادة تشغيل المصانع المعطلة وخصخصة الشركات التابعة للدولة التي تبلغ 154 شركة منها 22 شركة رابحة". وأشار إلى أن "صندوق النقد دعا إلى إيقاف التعيينات خلال فترة تنفيذ البرنامج وتحديد إجمالي الرواتب بعد إعادة هيكلتها بـ 39 تريليون دينار"، مبيناً أن "صندوق النقد الدولي أجّل ديون الكويت لمدة ثلاث سنوات وهي تبلغ سنويا 4 مليارات دولار، وكذلك ديون نادي باريس التي تبلغ سنويا 800 مليون دولار".
وبيّن أنه "جرى الاتفاق على تدقيق مبالغ المقاولين الذين يطالبون الدولة بـ 7.6 تريليونات دينار من قبل مدقق دولي خوفاً من وجود مقاولات وهمية، وإخضاع الديون الداخلية البالغة 37 تريليون دينار (33.4 مليار دولار) والديون الخارجية إلى مدقق دولي، وكذلك ميزانية البنك المركزي وموجوداته وحساباته الخارجية".
ونوه إلى أن "البرنامج تضمن أيضاً إعداد كشف تفصيلي بإمكانات العراق الاقتصادية وتحديد أموال وأرصدة المؤسسات الحكومية وإعادة هيكلة مصرفي الرشيد والرافدين الحكوميين، وإنشاء شركة لضمان الودائع والرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية والمهجرين والنازحين".
ماذا عن الفساد؟
وفي حين سيسدد القرض خلال خمسة أعوام وبنسبة فائدة 1.5%، فإنه في حال رغب العراق باقتراض المزيد من الأموال ستكون نسبة الفائدة 7%. وقد حذر خبراء الاقتصاد من اللجوء إلى الدين الخارجي لأنه سيرهن اقتصاد البلد إلى منظمات دولية، محملين السياسيين مسؤولية ما وصل إليه البلد نتيجة السياسات الخاطئة.
وقالت عضوة اللجنة المالية في البرلمان، ماجدة التميمي في بيان، إن "العراق اقترض مبلغ 5.4 مليارات دولار خلال العام الحالي من صندوق النقد الدولي بينما البنك المركزي يبيع 5.8 مليارات دولار خلال شهرين من خزينة الدولة". وأضافت أن "الفساد المالي والإداري ينخر الدولة العراقية، لذلك فإن الشعب العراقي لن يستفيد من هذه القروض".
وكشف عضو مجلس إدارة البنك المركزي ماجد الصوري عن بلوغ نسبة الدين الداخلي والخارجي للعراق 161.5 مليار دولار، ما يشكل 77% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الصوري لـ "العربي الجديد" إنه "لا توجد أية شفافية في موازنة العراق ولا في مصير المساعدات والقروض التي تقدمها المنظمات الدولية للشعب العراقي"، لافتاً إلى أن "العجز الحقيقي لموازنة العام الحالي بلغ 36 مليار دولار".
ونبه إلى أن "المشكلة الحقيقية ليست في العراق وإنما في المنظمات الدولية وتحديداً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأنهما وفق التجربة التي تعاملنا معهم منذ عام 2004 وحتى الآن غير قادرين على الالتزام بالبرنامج والشروط"، مبيناً أن "هاتين المنظمتين تعتمدان تقارير مخالفة للواقع خصوصاً أن برنامج إعادة هيكلة المصارف الحكومية لم يفعل منذ عام 2010 وحتى الآن بالرغم من أن العراق ملتزم به بعدما عقد اجتماع فوري عام 2011 حول هذا الأمر".
لكن الخبير الاقتصادي، سلام عادل قال لـ "العربي الجديد"، إن "الاقتراض الخارجي مشكلة أزلية للعراق لأن الذين يديرون البلد لا ينتمون إليه ولا يفكرون بشعبه، لذلك هم يفكرون بمصالحهم فقط"، مؤكداً أن "البلاد تعاني اليوم من شحة في المال لذلك لجأ السياسيون إلى الاقتراض الخارجي لتوزيع هذه الأموال على أحزابهم وسيدفعها الفقراء غداً عند إرجاعها إلى الدائنين".
وأضاف أن "تجربة العراق مع المنظمات الدولية مريرة جداً لأنها لا تلتزم بأي من الشروط وسيكون المواطن ضحية. وعلى العراقيين أن يرفضوا هذا القرض واللجوء إلى محاسبة السياسيين على الأموال التي سرقت وتقدر بـ 300 مليار دولار وإدخالهم إلى السجن ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة"، لافتاً إلى أن "الشخصيات الحكومية تستغل الشعب العراقي الذي يفكر الآن فقط بوضعه الأمني". ونوه إلى أنه "لا توجد جدية في إصلاح الإدارة المالية لأن القوانين الضعيفة تخدم السياسيين"، متسائلاً "هل يفتقد العراق للاقتصاديين الكبار لإصلاح إدارته المالية؟".
وأضاف أن "العراق تعاقد مع مدقق دولي الذي كشف عن وجود مشاريع نسبة الإنجاز فيها صفر بينما الأموال صرفت لجيوب السياسيين، لذلك فإن المدقق الدولي سيكشف حجم الفساد في البنك المركزي ووزارة المالية"، مؤكداً أن "هيئة النزاهة مازالت معطلة وغير قادرة على إداء مهامها وهي خاضعة لسيطرة السياسيين وكان يستثمرها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي باستهداف خصومه".
ولكن تختلف وجهة الاقتصادي جبار الربيعي عن رأي زملائه الصوري وعادل "لأن قرض صندوق النقد الدولي الحالي سيخدم العراق وذلك لإصلاح الإدارة المالية وإنهاء هيمنة الأحزاب السياسية على اقتصاد البلد وتفعيل دور القطاعات الإنتاجية المغيبة منذ عام 2003 وحتى الآن: وفق تعبيره. وقال الربيعي لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يعاني الفساد وضعف المالية العامة، وصندوق النقد اشترط إصلاح الأخطاء لتجنيب البلاد الويلات الماضية"، مضيفاً أن "صندوق النقد، ضمن بنود الاتفاق مع العراق، اهتم بالفقراء الذين يبلغون عشرة ملايين شخص، وكذلك لم يرفع أسعار البنزين كما يروج البعض".
وأوضح أن "السياسيين العراقيين إذا كانوا حريصين على البلاد عليهم تطبيق الاتفاقية لأنها ستخدم البلاد وستفعّل الصناعة والزراعة"، مشيرا إلى أن "العراق يعاني من الفوضى ويحتاج إلى سنتين على الأقل لقطف ثمار الاتفاقية مع صندوق النقد من خلال تقليل الإنفاق إلى النصف والسيطرة عليه، وكذلك خفض التوظيف المبالغ به من قبل الأحزاب السياسية".
صوّت العراق في 16 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، على موازنة العام الحالي بقيمة 94.9 مليار دولار، وبنسبة عجز مالي مقدر بـ 21.5 مليار دولار، لكن العجز المالي ازداد إلى أكثر من 30 مليار دولار، وذلك بسبب الإعداد الخاطئ للخطة المالية السنوية التي تجاوزت قدرات الدولة من خلال احتساب سعر برميل النفط بـ 45 دولاراً وبكمية تصدير 3.6 ملايين برميل يومياً، بينما الواقع يؤكد أن العراق يبيع النفط بسعر 37 دولاراً للبرميل ويصدر يومياً 3.2 ملايين برميل، مع بلوغ حجم الإنفاق 90 تريليون دينار، أي ما يوازي 81.3 مليار دولار. واعتبر اقتصاديون أن هذه القيمة من العجز قياسية بتاريخ العراق، وتهدد مستقبل البلاد بأزمات متلاحقة قد تستمر لسنوات مقبلة، خصوصاً في حال ثبات سعر النفط عند مستوياته المتدنية السارية حالياً، وفي حال بقاء حجم الفساد في العراق على حاله.
اقــرأ أيضاً
وبعد مشاورات استمرت عدة أشهر، قرر صندوق النقد وشركاؤه والدوليون، منح العراق قرضاً بقيمة 15 مليار دولار لسد العجز المالي لموازنات البلاد من العام الحالي وحتى عام 2018. جاء ذلك بعدما وقّع الوفد العراقي الذي رأسه وزير المال العراقي هوشيار زيباري وضم محافظ البنك المركزي علي العلاق ومستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية مظهر محمد صالح، الاتفاقية التي تستمر لمدة ثلاثة أعوام والتي تضمن الالتزام بالإصلاحات خلال هذه الفترة. وسيدفع هذا القرض على 13 قسطاً، وسيمنح منه صندوق النقد الدولي 5.4 مليارات دولار وفقاً لحصة العراق البالغة في صندوق النقد الدولي 234%، وسيدفع البنك الدولي 3 مليارات دولار والولايات المتحدة الأميركية 3 مليارات دولار والدول الصناعية السبع 3.6 مليارات دولار.
ومن المنتظر أن تعد الحكومة العراقية تقريراً خلال الشهر الحالي حول الإجراءات التي ستنفذها في الثلاثة أشهر المقبلة المتعلقة بالمالية العامة، لتسلمه في نهاية الشهر إلى صندوق النقد الدولي الذي سيطلق الدفعة الأولى المقدرة بـ 600 مليون دولار.
خصخصة وخفض الرواتب
قدر صندوق النقد الدولي العجز المالي في موازنات العراق خلال السنوات الثلاث المقبلة بـ50 مليار دولار.
سيتحمل صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي 30% ويقوم العراق بتقليل الإنفاق من 105 تريليونات دينار إلى 90 تريليونا كحد أقصى، إضافة إلى فرض نسبة 7.5% - 15% ضريبة دخل على إجمالي الراتب (الراتب الاسمي ومخصصاته) وإيقاف استثمار الشركات النفطية الأجنبية في الحقول وتسديد ديونها وإيقاف التعيينات لمدة ثلاث سنوات باستثناء الأطباء والقضاة. وكذلك خصخصة الشركات الحكومية البالغة 154 شركة ويوجد فيها نصف مليون عامل بالإضافة إلى تقليل حجم الرواتب من 45 مليار دولار إلى 32 مليار دولار.
يدين العراق للشركات النفطية بمبلغ 20 مليار دولار وهي متراكمة منذ بدء أعمالها في عام 2011، وذلك كلفة تطوير الحقول النفطية واستخراج النفط، واتفق أخيراً على جدولة ديون الشركات حيث ستمنح الحكومة مبلغ مليار دولار شهرياً لها، خصوصاً أن وزارة النفط تمنح للشركات النفطية الأجنبية العاملة في الحقول الجنوبية مبلغ 10.5 دولارات لكل برميل تستخرجه.
وقال عضو الوفد التفاوضي العراقي مع صندوق النقد الدولي، مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية مظهر محمد صالح، لـ "العربي الجديد" إن "برنامج اقتراض العراق من صندوق النقد الدولي يتطلب تنفيذ إجراءات عديدة، منها احتساب سعر برميل النفط في موازنة العام الحالي بـ 35 دولاراً بدلاً من 45 دولاراً لتنخفض نسبة العجز إلى 11 مليار دولار، وتقليل حجم الإنفاق إلى أقل من 90 تريليون دينار وتسديد ديون الشركات النفطية الأجنبية وإيقاف تطوير الحقول النفطية".
وأضاف "من ضمن الشروط تفعيل الاقتطاع الضريبي على الراتب الكامل من الدرجة الثانية وصاعداً باستثناء المخصصات الزوجية والأطفال وكذلك استثناء منتسبي الأجهزة الأمنية من التحاسب الضريبي لدورهم الفاعل في حماية العراق"، مؤكداً أن "صندوق النقد الدولي طلب تفعيل دور هيئة النزاهة وتشريع قانون جديد لها يضمن استقلاليتها ويعطيها صلاحيات أوسع في مكافحة الفساد، وتعديل قانون البنك المركزي وتقوية المراقبة والأسس الحسابية وتعديل قانون الإدارة المالية، وتقوية الرقابة الداخلية للصرف والإنفاق لأنه يوجد في البلاد موظفون يستلمون أكثر من راتب".
ولفت إلى أن "الصندوق حدد ضرورة إيجاد حل لإعادة تشغيل المصانع المعطلة وخصخصة الشركات التابعة للدولة التي تبلغ 154 شركة منها 22 شركة رابحة". وأشار إلى أن "صندوق النقد دعا إلى إيقاف التعيينات خلال فترة تنفيذ البرنامج وتحديد إجمالي الرواتب بعد إعادة هيكلتها بـ 39 تريليون دينار"، مبيناً أن "صندوق النقد الدولي أجّل ديون الكويت لمدة ثلاث سنوات وهي تبلغ سنويا 4 مليارات دولار، وكذلك ديون نادي باريس التي تبلغ سنويا 800 مليون دولار".
وبيّن أنه "جرى الاتفاق على تدقيق مبالغ المقاولين الذين يطالبون الدولة بـ 7.6 تريليونات دينار من قبل مدقق دولي خوفاً من وجود مقاولات وهمية، وإخضاع الديون الداخلية البالغة 37 تريليون دينار (33.4 مليار دولار) والديون الخارجية إلى مدقق دولي، وكذلك ميزانية البنك المركزي وموجوداته وحساباته الخارجية".
ونوه إلى أن "البرنامج تضمن أيضاً إعداد كشف تفصيلي بإمكانات العراق الاقتصادية وتحديد أموال وأرصدة المؤسسات الحكومية وإعادة هيكلة مصرفي الرشيد والرافدين الحكوميين، وإنشاء شركة لضمان الودائع والرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية والمهجرين والنازحين".
ماذا عن الفساد؟
وفي حين سيسدد القرض خلال خمسة أعوام وبنسبة فائدة 1.5%، فإنه في حال رغب العراق باقتراض المزيد من الأموال ستكون نسبة الفائدة 7%. وقد حذر خبراء الاقتصاد من اللجوء إلى الدين الخارجي لأنه سيرهن اقتصاد البلد إلى منظمات دولية، محملين السياسيين مسؤولية ما وصل إليه البلد نتيجة السياسات الخاطئة.
وقالت عضوة اللجنة المالية في البرلمان، ماجدة التميمي في بيان، إن "العراق اقترض مبلغ 5.4 مليارات دولار خلال العام الحالي من صندوق النقد الدولي بينما البنك المركزي يبيع 5.8 مليارات دولار خلال شهرين من خزينة الدولة". وأضافت أن "الفساد المالي والإداري ينخر الدولة العراقية، لذلك فإن الشعب العراقي لن يستفيد من هذه القروض".
وكشف عضو مجلس إدارة البنك المركزي ماجد الصوري عن بلوغ نسبة الدين الداخلي والخارجي للعراق 161.5 مليار دولار، ما يشكل 77% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الصوري لـ "العربي الجديد" إنه "لا توجد أية شفافية في موازنة العراق ولا في مصير المساعدات والقروض التي تقدمها المنظمات الدولية للشعب العراقي"، لافتاً إلى أن "العجز الحقيقي لموازنة العام الحالي بلغ 36 مليار دولار".
ونبه إلى أن "المشكلة الحقيقية ليست في العراق وإنما في المنظمات الدولية وتحديداً صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأنهما وفق التجربة التي تعاملنا معهم منذ عام 2004 وحتى الآن غير قادرين على الالتزام بالبرنامج والشروط"، مبيناً أن "هاتين المنظمتين تعتمدان تقارير مخالفة للواقع خصوصاً أن برنامج إعادة هيكلة المصارف الحكومية لم يفعل منذ عام 2010 وحتى الآن بالرغم من أن العراق ملتزم به بعدما عقد اجتماع فوري عام 2011 حول هذا الأمر".
لكن الخبير الاقتصادي، سلام عادل قال لـ "العربي الجديد"، إن "الاقتراض الخارجي مشكلة أزلية للعراق لأن الذين يديرون البلد لا ينتمون إليه ولا يفكرون بشعبه، لذلك هم يفكرون بمصالحهم فقط"، مؤكداً أن "البلاد تعاني اليوم من شحة في المال لذلك لجأ السياسيون إلى الاقتراض الخارجي لتوزيع هذه الأموال على أحزابهم وسيدفعها الفقراء غداً عند إرجاعها إلى الدائنين".
وأضاف أن "تجربة العراق مع المنظمات الدولية مريرة جداً لأنها لا تلتزم بأي من الشروط وسيكون المواطن ضحية. وعلى العراقيين أن يرفضوا هذا القرض واللجوء إلى محاسبة السياسيين على الأموال التي سرقت وتقدر بـ 300 مليار دولار وإدخالهم إلى السجن ومصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة"، لافتاً إلى أن "الشخصيات الحكومية تستغل الشعب العراقي الذي يفكر الآن فقط بوضعه الأمني". ونوه إلى أنه "لا توجد جدية في إصلاح الإدارة المالية لأن القوانين الضعيفة تخدم السياسيين"، متسائلاً "هل يفتقد العراق للاقتصاديين الكبار لإصلاح إدارته المالية؟".
وأضاف أن "العراق تعاقد مع مدقق دولي الذي كشف عن وجود مشاريع نسبة الإنجاز فيها صفر بينما الأموال صرفت لجيوب السياسيين، لذلك فإن المدقق الدولي سيكشف حجم الفساد في البنك المركزي ووزارة المالية"، مؤكداً أن "هيئة النزاهة مازالت معطلة وغير قادرة على إداء مهامها وهي خاضعة لسيطرة السياسيين وكان يستثمرها رئيس الحكومة السابق نوري المالكي باستهداف خصومه".
ولكن تختلف وجهة الاقتصادي جبار الربيعي عن رأي زملائه الصوري وعادل "لأن قرض صندوق النقد الدولي الحالي سيخدم العراق وذلك لإصلاح الإدارة المالية وإنهاء هيمنة الأحزاب السياسية على اقتصاد البلد وتفعيل دور القطاعات الإنتاجية المغيبة منذ عام 2003 وحتى الآن: وفق تعبيره. وقال الربيعي لـ"العربي الجديد"، إن "العراق يعاني الفساد وضعف المالية العامة، وصندوق النقد اشترط إصلاح الأخطاء لتجنيب البلاد الويلات الماضية"، مضيفاً أن "صندوق النقد، ضمن بنود الاتفاق مع العراق، اهتم بالفقراء الذين يبلغون عشرة ملايين شخص، وكذلك لم يرفع أسعار البنزين كما يروج البعض".
وأوضح أن "السياسيين العراقيين إذا كانوا حريصين على البلاد عليهم تطبيق الاتفاقية لأنها ستخدم البلاد وستفعّل الصناعة والزراعة"، مشيرا إلى أن "العراق يعاني من الفوضى ويحتاج إلى سنتين على الأقل لقطف ثمار الاتفاقية مع صندوق النقد من خلال تقليل الإنفاق إلى النصف والسيطرة عليه، وكذلك خفض التوظيف المبالغ به من قبل الأحزاب السياسية".
صوّت العراق في 16 ديسمبر/ كانون الأول من عام 2015، على موازنة العام الحالي بقيمة 94.9 مليار دولار، وبنسبة عجز مالي مقدر بـ 21.5 مليار دولار، لكن العجز المالي ازداد إلى أكثر من 30 مليار دولار، وذلك بسبب الإعداد الخاطئ للخطة المالية السنوية التي تجاوزت قدرات الدولة من خلال احتساب سعر برميل النفط بـ 45 دولاراً وبكمية تصدير 3.6 ملايين برميل يومياً، بينما الواقع يؤكد أن العراق يبيع النفط بسعر 37 دولاراً للبرميل ويصدر يومياً 3.2 ملايين برميل، مع بلوغ حجم الإنفاق 90 تريليون دينار، أي ما يوازي 81.3 مليار دولار. واعتبر اقتصاديون أن هذه القيمة من العجز قياسية بتاريخ العراق، وتهدد مستقبل البلاد بأزمات متلاحقة قد تستمر لسنوات مقبلة، خصوصاً في حال ثبات سعر النفط عند مستوياته المتدنية السارية حالياً، وفي حال بقاء حجم الفساد في العراق على حاله.